حتى يفرّقهما الموت: إيران عالقة في الأزمة السورية!

نشر في 19-10-2012
آخر تحديث 19-10-2012 | 00:01
يشمل الدعم الإيراني للنظام السوري الخبرات في استعمال الإنترنت، ومراقبة الاتصالات، وتوفير الأسلحة والاستخبارات، وتقديم التوصيات لمكافحة التمرد لأن إيران تتمتع بمهارات قيمة في هذا المجال، فهي كانت قد سحقت انتفاضة سلمية محلية وحاربت حركات تمرد عدة.
 ذي ناشيونال وسط احتدام القتال في دمشق منذ شهرين، خطف الثوار 48 رجلاً إيرانياً كانوا قد وصلوا لتوهم إلى العاصمة السورية. سارعت الحكومة الإيرانية ووسائل الإعلام التابعة لها إلى تصويرهم على أنهم مجرد حجاج أبرياء كانوا في طريقهم إلى زيارة المواقع الشيعية المقدسة، لكن سرعان ما اتضح أن هؤلاء الرجال يرتبطون على الأرجح بالحرس الثوري وقد قدموا إلى سورية في مهمة خاصة. في مرحلة لاحقة، قيل إن وزير الخارجية الإيراني أعلن أن بعض المخطوفين كانوا من العسكريين المتقاعدين.

في الأسبوع الماضي، أدلى قائد كتيبة "البراء" في الغوطة الشرقية بتصريح مزعج: ستبدأ الكتيبة بإعدام المخطوفين إذا لم يطلق نظام الأسد سراح السجناء وينهي حملة القصف العشوائية. تواصلت الحكومة الإيرانية مع حكومات عدة، منها قطر وتركيا، لضمان إطلاق سراح رجالها لكن من دون جدوى حتى الآن.

قد يسيطر أصحاب العقول الراجحة في معسكر الثوار على زمام الوضع في نهاية المطاف، لكن يذكرنا هذا الفصل من الأحداث بحقيقة التدخل الإيراني في سورية. في أوساط السوريين المعارضين للأسد وضحايا أعمال العنف التي ينفذها، تتنامى مشاعر الكره تجاه إيران، ووفق هذا المنطق، تدعم إيران الشيعية عائلة الأسد العلوية من باب التضامن الطائفي، مما يؤجج الحقد الديني بين الطوائف.

يترافق هذا الوضع مع جانب مضحك ومأساوي في آن: ظهرت وحدة ثورية سمّت نفسها "كتيبة صدام حسين" على اعتبار أن الدكتاتور العراقي كان قد حارب إيران، لكن سرعان ما غيّرت اسمها بعد أن أدركت أن هذا الخيار يزعج الجميع (بدءاً من الأكراد الذين قمعهم وصولاً إلى الكويتيين الذين غزاهم). فقدمت الجماعة اعتذارها ولكنها لم تتردد في استعمال لهجة منحازة ضد الشيعة.

لا أحد يستطيع التشكيك بعد الآن بحجم الدعم الإيراني لنظام الأسد الذي يحاول هزم ثورة واسعة النطاق. يشمل ذلك الدعم الخبرة في استعمال شبكة الإنترنت، ومراقبة الاتصالات، والمساعدة على تجنب العقوبات النفطية وغيرها، وتوفير الأسلحة والخدمات الاستخبارية، وتقديم التوصيات لمكافحة التمرد. في نهاية المطاف، تتمتع إيران بمهارات قيّمة في هذا المجال، فهي كانت قد سحقت انتفاضة سلمية محلية وحاربت حركات تمرد عدة.

تقدم إيران المساعدة أيضاً عبر مراقبة سلوك تركيا عن كثب من خلال استغلال العراق الراضخ لها وتعبئة "حزب الله" في لبنان، لكن لا يستطيع أحد التأكد من صحة تورط القوات الإيرانية في العمليات الميدانية. يصعب تأكيد ذلك رغم تزايد الحالات المزعومة التي تثبت هذا الأمر.

تملك طهران مصالح قيّمة على المحك: صمد تحالف إيران مع دمشق في وجه تقلبات السياسة في الشرق الأوسط والمحاولات العربية والغربية اللامتناهية لتفريقهما. لطالما اعتُبر ذلك التحالف علاقة مصلحة (هذا الأمر غير صحيح): ظن البعض أن البلدين كانا مختلفين لدرجة كبيرة.

لكن في الحقيقة، يشبه هذا التحالف زواجاً مدبّراً نجح أكثر مما توقع الفريقان. لقد نجمت هذه العلاقة عن خطة مسؤولين أمنيين صارمين عملوا طوال 30 عاماً في الظل وأصبحوا إخوة في السلاح. قد لا يكون البلدان على تناغم دائم، ولكنهما يتشاركان العداء تجاه الولايات المتحدة والدول الخليجية، وقد منحا بعضهما بعضا عمقاً استراتيجياً مفيداً وعملا على تعزيز قوة "حزب الله" الذي أصبح الطرف الثالث من هذا التحالف القوي.

لكن أدت استمرارية هذا التحالف إلى زيادة غطرسة إيران وجعلها عمياء البصيرة. ليس هذا الأمر مفاجئاً بالنسبة إلى نظام يمارس القمع محلياً ولا يهتم بحقوق الإنسان خارجياً لدرجة أنه يسيء قراءة المعطيات السورية ويطلق أحكاماً خاطئة حول قوة نظام الأسد وموجة الغضب القائمة ضده. تبين أن إيران لا تعلم الكثير عن المجتمع السوري ولا تهتم به أصلاً.

يحقق التدخل الإيراني في سورية عدداً من الأهداف المتداخلة: دعم استراتيجية صمود النظام، وضمان سلامة خطوط الإمدادات إلى "حزب الله"، والاستعداد للمرحلة المقبلة، وتقوية موقف البلد في حال التفاوض على تسوية إقليمية (لا يزال هذا الأمر مستبعداً). تحدث الكثيرون عن المفاوضات الرباعية التي حصلت بين إيران ومصر وتركيا والمملكة العربية السعودية لإيجاد حل إقليمي للأزمة. ما كانت تلك المساعي لتحقق أي نتيجة، ولكنها ساعدت إيران على إبراز دورها البنّاء وتأثيرها في مسار الوضع. حرص آية الله علي خامنئي على توضيح طبيعة الالتزام الإيراني: "ستدافع إيران عن سورية لأنها تدعم سياسة المقاومة ضد النظام الصهيوني وتعارض بشدة أي تدخل للقوى الخارجية في شؤون سورية الداخلية".

عملياً، قد تتحول خسارة سورية إلى انتكاسة هائلة، لكن غير مدمرة، بالنسبة إلى إيران، فإذا كانت الخطة الأولية تقضي بضمان صمود الأسد، فتقضي الخطة الاحتياطية بالاستفادة القصوى من الحرب الأهلية السورية. تتمتع إيران بالخبرة الضرورية والصبر الاستراتيجي اللازم كي تزدهر في الدول التي تخوض صراعاً محلياً. في أفغانستان والعراق ولبنان، أثبتت إيران أنها كفؤة وانتهازية، فقد أنشأت حلفاء وعملاء لها هناك، بمن فيهم أطراف غير متوقعة (مثل فصائل "طالبان" في أفغانستان)، وقد عدّلت عملياتها وتصرفاتها بكل ذكاء. مقارنةً بخصومها في الدول الخليجية التي شاركت بدورها في ساحات المعارك نفسها، تستطيع إيران على الأقل تحقيق نتائج ملموسة. يُفترض ألا تكون سورية حالة استثنائية: مع تطور الحرب الأهلية فيها، ستظهر جماعات تحتاج إلى الرعاية، سواء كانت تنتمي إلى فلول نظام الأسد أو أي جهات أخرى.

لم تكن إيران تستطيع خسارة نفوذها في سورية لأن الوضع كان يفيدها حتى الفترة الأخيرة. لكن تتعلق المسألة الأساسية الآن بمعرفة حجم الأضرار وكلفة الحد منها. لا يغفل الجميع عن هذه المسألة في طهران. يتساءل بعض الخبراء الاستراتيجيين على الأرجح عن قيمة استثمار الأموال والرأسمال السياسي والتعاون الأمني طوال ثلاثة عقود إذا أصبح الحليف السوري هشاً أو إذا أصبح الشريك الفلسطيني ("حماس") غير موثوق. استناداً إلى الشعار الذي سمعناه هذا الشهر في شوارع طهران (اتركوا سورية وشأنها وفكروا بنا)، يبدو الاستياء واضحاً في أوساط المواطنين الإيرانيين العاديين.

لكن هل يمكن إعادة توجيه السياسة الإيرانية الخارجية والأمنية؟ من المستبعد أن تتخلى إيران عن نفوذها في منطقة المتوسط، فمن الواضح أن التوازن الإقليمي لن يتغير في الخليج بل في المشرق. تحتاج إيران إلى أن يكون "حزب الله" في كامل جاهزيته العسكرية كي يردع إسرائيل ويعاقبها.

يساهم وجودها في المشرق في تحقيق هدفين مهمين آخرين: إقناع العرب والسنّة بأن إيران تقف إلى جانبهم (أصبح هذا الاقتراح غير فاعل الآن) واستقطاب الفصائل الإيديولوجية الصغيرة لكن النافذة محلياً. لكن في حال الابتعاد عن المشرق والتركيز على المحيط القريب (وتحديداً الخليج)، ستتضح نزعة إيران الطائفية والاستعمارية.

بعد استثمار الكثير في سورية، ستجد إيران صعوبة في التخلي عن البلد نتيجة ارتفاع التكاليف فيه، وسيحصل ذلك على حساب الجميع!

* إميل الحكيم | Emile Hokayem

back to top