خصوصية الأكراد وأزمات العراق

نشر في 02-06-2012
آخر تحديث 02-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 محمد واني كيف يمكن أن يقارن الإقليم الشمالي للعراق "كردستان" بالعراق "العربي"، وهما مختلفان في كل شيء، متناقضان في أكثر من جانب، هناك فوارق عرقية واجتماعية ولغوية وطبيعية شاسعة بين الشعبين، كل واحد له عالمه الخاص وعاداته وتقاليده التي يعيش فيها، وقد لاحظ الدارسون هذه الاختلافات الجوهرية وأشاروا إليها.

لكن لماذا أقدمت الدول الغربية "الاستعمارية" على القيام بدمج كردستان "ولاية الموصل العثمانية" بولاية بغداد "العربية" وتشكيل العراق الحالي منهما أوائل القرن المنصرم في خطة استعمارية معروفة بـ"سايكس بيكو"، لتقسيم المنطقة إلى دويلات وكانتونات متناقضة لها صراعات وعداوات تاريخية؟

هل من أجل ألا يستقر العراق ويبقى في دوامة الأزمات القومية والطائفية كما هو حاله منذ تأسيسه إلى يومنا هذا؟ أم انها أرادت بذلك أن تحافظ على التوازن السكاني بين الطائفتين الشيعية والسنّية، ولكي تحول دون تحويل العراق إلى دولة شيعية، حيث كان الشيعة يشكلون الأغلبية السكانية المطلقة من 75 إلى 80 في المئة، ولم يكن السنّة يشكلون أكثر من 20 إلى 25 في المئة في أكثر الأحوال، وبإلحاق الأكراد إلى العراق الجديد وهم في أغلبيتهم من السنّة، سترتفع نسبة "السنّة" في العراق إلى النصف تقريباً، وظل هذا التنوع الثقافي الحضاري العرقي شاخصاً في أكثر من مناسبة ومحطة في مسيرة العراق الحديث، ويشكل عاملاً أساسياً في زعزعة استقرار البلد وتعريض وحدته للخطر، وقد حاولت الحكومات العراقية المتعاقبة بكل الطرق "القمعية" دمج المجتمعين والشعبين المختلفين في بوتقة "وطنية" واحدة ولكنها فشلت.

جربت حملات التعريب على مناطق الأكراد تمهيداً لضمها إلى العراق "العربي"، ولكنها أخفقت رغم أنها خلفت مشاكل وأزمات عرقية واجتماعية لا تحصى مازال العراق يعانيها ويعجز عن حلها، وكذلك استعملت ضد مدنهم القصف الكيماوي ونظمت عمليات عسكرية سميت بعمليات "الأنفال"، والتي كان ضحيتها أكثر من مئة ألف إنسان بريء، ولكنها أخفقت في النهاية ولم تحقق هدفها في إخضاعهم للسلطة في بغداد.

ظل الأكراد يقاومون سياسة الحكومات المركزية المتعاقبة ويرفضون قوانينها ويقاومون وجودها بالقوة المسلحة، وإزاء هذا الرفض الكردي القاطع للهيمنة العراقية على بلادهم أطلقت عليهم تسميات مثل "العصاة" و"المتمردين" و"الانفصاليين"... ومازال معظم الأكراد يشعرون بعدم انتمائهم إلى العراق، ولا يهتمون لأمره على الإطلاق. فعلى هامش الانتخابات التشريعية لعام 2005، أُجري في كردستان استفتاء شعبي غير رسمي حول تحديد نوع العلاقة مع العراق، فاختار 96 في المئة من الشعب الكردي الانفصال عن العراق وتأسيس دولته المستقلة، وهذا الشعور يزداد عمقاً وتجذراً يوماً بعد يوم.

المشكلة الأساسية بين الحكومات العراقية والأكراد أن تلك الحكومات تتجاهل الخصوصية الكردية ولا تقر بها وتصر على ترويض الأكراد بالقوة، وجعلهم تحت السيطرة الحكومية الغاشمة، تارة باسم الوطنية والمواطنة والوحدة الوطنية، وتارة أخرى باسم الإسلام والقومية وشعاراتها الرنانة التي عفى عليها الدهر وشرب... فإذا أرادت القوى السياسية الحاكمة في بغداد أن تقود عراقاً مستقراً وخالياً من الصراعات العرقية والطائفية عليها أولا وقبل أي شيء آخر أن تعترف بخصوصيات المكونات والقوميات الأخرى الموجودة في العراق وتحترمها، وعلى رأس هذه المكونات "الأكراد"، ومن أهم خصوصياتهم؛ حرية الاختيار في نوع الحكم الذي يرتأونه، وهذا أبسط حقوق الإنسان التي يجب أن تصان.

*كاتب عراقي

back to top