حان وقت الحصار الاقتصادي على إيران

نشر في 17-12-2012
آخر تحديث 17-12-2012 | 00:01
 ريل كلير تُعتبر التظاهرات والاحتجاجات الأخيرة في إيران على خلفية الوضع الاقتصادي المريع أحدث وأقوى مؤشر على أن الحرب الاقتصادية بدأت تعطي نتائج ملموسة. لا شك أن العقوبات المالية والاقتصادية الصارمة ساهمت بشكل أساسي في انهيار العملة الإيرانية.

 تعاني إيران الآن التضخم المفرط، وقد انهارت قيمة الريال الإيراني بنسبة 80% في السنة الماضية، إذ أظهرت التجارب التاريخية أن استمرار هذا النوع من التضخم المفرط قد يؤدي إلى اضطرابات شعبية وتغيير الأنظمة في بعض الحالات.

كانت الفكرة التقليدية الشائعة في السابق تعتبر أن العقوبات المفروضة على إيران لن تكون فاعلة بسبب ثروة إيران النفطية الكبيرة، لكن كان ذلك التفكير شائباً، ففي السنة الماضية، أدى تسارع البرنامج النووي الإيراني، وتحدي طهران للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورعايتها للإرهاب، وسلوكها التخريبي في دول مثل سورية، إلى حث المجتمع الدولي على التحرك، إذ لم تتأثر السوق كثيراً حتى الآن بعد فقدان النفط الإيراني لأن بلداناً مثل المملكة العربية السعودية والعراق وليبيا عوّضت عن تلك الخسارة.

بدأت العقوبات المفروضة راهناً تولّد انعكاسات مهمة مثل انهيار العملة الإيرانية، ونتيجة التضخم المفرط، ساد شلل في سوق صرف العملات في إيران، كذلك، رفضت مكاتب الصرف المرخّصة في الأيام الأخيرة عقد التعاملات وفق المعدل الرسمي المفروض بقيمة 28500 ريال مقابل الدولار، بينما عرض تجّار السوق السوداء الدولار مقابل 35500 ريال، ما أشعل الاحتجاجات وحملة قمع عنيفة. كان سخط المحتجين يصب ضد النظام بشكل أساسي بسبب سوء إدارته وأفعاله التي أدت إلى فرض تلك العقوبات في المقام الأول.

لو كانت التجارب التاريخية مؤشراً موثوقاً، لعنى ذلك أن قادة إيران لديهم سبب وجيه كي يشعروا بالقلق نظراً إلى التداخل القائم بين التضخم المفرط وتغيير الأنظمة. في إندونيسيا، كان التضخم المفرط وانهيار العملة الروبية من 2700 مقابل الدولار إلى 16 ألفاً خلال سنة واحدة من أبرز أسباب الاستياء الذي دفع الشعب إلى النزول إلى الشارع لإسقاط نظام سوهارتو.

في حالة يوغوسلافيا، كان التضخم المفرط المحرك الذي دفع سلوبودان ميلوسوفيتش إلى بدء الحرب لتحويل الأنظار عن الأزمة المالية التي واجهت البلد (كانت تلك الحرب هي التي أدت إلى هزيمته النهائية).

لكن بغض النظر عن الحدث الذي يسرّع الأحداث، يمكن أن ينذر التضخم المفرط باقتراب هلاك أي نظام. نحن ننسى في أغلب الأحيان أن "ربيعاً فارسياً" سبق الربيع العربي وأن إيران لا تشمل أقليات مضطربة فحسب بل طبقة وسطى مستاءة من فساد النظام الديني، وقد بلغ الوضع ذروته خلال الاحتجاجات على انتخابات عام 2009. إذا واجه النظام تضخماً متزايداً ومستمراً، تشير المعطيات الديمغرافية في إيران إلى أن سيطرة الملالي الوحشية على السلطة قد تواجه تحديات جدية.

خلال هذه المرحلة الحساسة، حان الوقت كي يقوم صانعو السياسة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بكل ما يلزم للاستفادة من التضخم في إيران وضمان استمراره. للقيام بذلك لا بد من فرض حصار اقتصادي كامل من شأنه أن يقلب القوة الشرائية الكبرى في أبرز وحدتين اقتصاديتين في العالم ضد الاقتصاد الإيراني. سيمنع ذلك الحصار الاقتصادي جميع الشركات أو الكيانات العاملة في إيران من إبرام عقود مع حكومات الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ومن الوصول إلى الأسواق الرأسمالية أو الدخول في شراكات تجارية أو حتى القيام بأي عمل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. بالتالي، سينشأ عائق اقتصادي ضخم يمنع الدخول إلى السوق الإيرانية ويفرض ضغوطاً غير مسبوقة على الريال الإيراني.

يمكن اتخاذ خطوات أخرى للضغط على الريال أيضاً، ففي ظل تراجع قيمة الريال، يلجأ الإيرانيون إلى عملة الدولار والذهب في أسواق العملة في أفغانستان والعراق وأسواق الذهب في تركيا. لا شك أن تصعيب الوصول إلى الدولار والذهب سيعزز الضغوط على الريال.

كما تشمل أفكار مبتكرة أخرى إعاقة تدفق التكنولوجيا المتطورة لطباعة العملة ومنتجات أخرى كان يوفرها الباعة الأوروبيون إلى البنك المركزي الإيراني، إذ أعلنت طابعة العملات الألمانية "كونيغ أند باور" مؤخراً وقف توفير معدات وخدمات طباعة الأموال المصرفية في إيران بضغطٍ من جمعية "متحدون ضد إيران النووية"، ما زعزع قدرة إيران على التلاعب بإمداداتها المالية والحفاظ على مصداقية الريال.

حان الوقت لتقديم خيار واضح للملالي في إيران: يمكنهم التخلي عن السلاح النووي أو التمتع باقتصاد فاعل، فلا شيء يضمن أن يمنع الحصار الاقتصادي الكامل إيران من تغيير حساباتها الاستراتيجية من أجل تطوير إمكانات نووية، لكن مع زيادة احتمالات الحرب في الأشهر المقبلة، ألا يجب أن يجاهر المجتمع الدولي بأنه استنزف على الأقل جميع الخيارات الأخرى؟ إنها محاولة منطقية طبعاً بما أننا لاحظنا انعكاسات العقوبات الراهنة على النظام. كذلك، يبدو أن الكلفة البشرية للتضخم المفرط (قد تكون ضخمة في بعض الأحيان) تبقى أقل بكثير من كلفة تسلّح إيران نووياً أو نشوء أي صراع عسكري استباقي.

Mark Wallace

back to top