"التحالف الوطني" يناقش تعديل المادتين الثانية والـ 79 من الدستور
في حلقة نقاشية حول موضوع تعديل المادة 79 وتوافقها مع المادة الثانية للدستور، استقبل التحالف الوطني كلاً من الخبير الدستوري د. محمد الفيلي والخبير السياسي د. شفيق الغبرا، اللذين أكدا أن الدولة يجب ألا تكون خصماً للفرد، وألا تزيد عليه من القيود حتى لا يطول الصراع بينهما.
نظم "التحالف الوطني" أمس حلقة نقاشية حول تعديل المادة 79 من الدستور وارتباطها بالمادة الثانية وفقاً للرأيين القانوني والسياسي، من خلال استضافة كل من الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي والخبير السياسي الدكتور شفيق الغبرا إضافة إلى المناقشة مع جمهور الحلقة.وناقشت الحلقة كذلك العديد من القضايا منها التغيرات في ملامح الحياة السياسية في الدول العربية بعد الربيع العربي وتأثيراتها على أفكار الشعوب، وقياسها بالثورات الأجنبية كثورة البلاشفة والثورة الفرنسية.بدأ الدكتور الفيلي الحلقة النقاشية بالحديث عن تعديل المادة 79 وارتباطها بالمادة الثانية من الدستور، قائلا "إن الأمر لا يزال مجرد فكرة ولم يتم طرحها فعلياً على أرض الواقع، كأن يقدمها ثلث أعضاء مجلس الأمة كمادة يتم تعديلها في المجلس، وتتم الموافقة عليها ثم رفعها الى صاحب السمو أمير البلاد ليصادق عليها وتكون موافقة للشريعة الإسلامية، لتكون بعد ذلك مطبقة على أرض الواقع".وأضاف الفيلي "نحن نتحدث عن الموضوع كفكرة وليس كتطبيق، وهي فكرة جديدة تطرح لأول مرة، حيث كان الحديث في السابق عن تعديل المادة الثانية للدستور ولم يتم طرح أسلوب تعديلها أو فكرة التعديل"، مبيناً أن "هناك الآن فكرة محددة وهي أن تتم إضافة المادة 79 إليها".العلاقة بين المادتينوتساءل الفيلي ما هي العلاقة بين المادتين؟! مشيراً الى أنه وضع إجابة لهذا التساؤل مستعرضاً إياها بالقول: "توصلت إلى فكرتين يمكن عزلهما قانونياً، الأولى هي تحديد هوية لأغلبية الجماعة بما يعني أن دين الدولة هو الإسلام"، لافتاً إلى أن "الأمر قد لا يحتاج إلى صياغة من الناحية الجمالية والبلاغية أكثر من الدقة القانونية كما يتمتع العرب"، معتبراً أن صياغة "الإسلام دين الدولة" خيالية، لأن الدولة كائن اعتباري وليس شخصا يصلي ويصوم ويزكي، لكن الدين هو الممارسة المتبعة في الدولة وليس الاعتبار، ويضاف إلى ذلك المادة 35 التي تنص على حرية العقائد وممارسة الشعائر.وأما الشق الثاني من الإجابة فهو يتعلق بالمادة الثانية التي تتحدث عن الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، وهو توجيه للمشرع العادي لاستنباط التشريع من مصادر دينية إسلامية، وهناك مصادر أخرى للتشريع، مؤكداً أنه ليس من الصواب أن تدخل الدولة في التشريع ومسائل الاعتقادات والعبادات التي تحكمها المادة 35، لافتاً إلى أن بعض القوى في الكويت عام 1962 كانت تريد أن تكون المادة الثانية وهي أن الاسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، ولكن أعضاء المجلس التأسيسي للدستور وقفوا آنذاك أمام هذا التوجه، وطالبوا بدراسة هذه المادة، حتى انتهت إلى ما هي عليه الآن.وبين أن "المادة الثانية هي خطاب للمشرع ولا تعطيه الحق بمخالفة الدستور، وهناك عبارة في المذكرة التفسيرية تقول إن المشرع العادي مدعو إلى استنباط الشريعة الإسلامية ما استطاع، ولا يجوز تبني اجتهاد مضر بحرية الناس"، مؤكداً أنه يجب تطبيق القانون وليس أحكام الشريعة باعتبار القانون مستنبطا من الشريعة، لذا فيجب تطبيقه بحيث يكون غير مخالف للدستور.وعن المادة (79) قال الفيلي "انا في هذا الموضوع أتساءل هل المقصود من المادة 79 أن تكون بديلا عن الشق الثاني من المادة الثانية أم تكون مكملة لها؟"، مضيفا "ولهذا أرى أن تكون المادة 79 مكملة للمادة الثانية، أما إذا وضعنا النصين فسيحدث تعارض، لأنه وفقاً للصياغة القائمة هناك أكثر من مصدر يستنبط منه المشرع، بينما وفق الصياغة الحالية للمادة 79 يجب أن لا يأتي التشريع إلا موافقاً للشريعة الإسلامية"، متسائلا "هل نحن الآن بصدد إلغاء ضمني للمادة الثانية؟"، مشدداً على ان الصورة مازالت حتى الآن غير واضحة.تعارض وخللولفت الفيلي الى "اننا نتعامل مع الموضوع كفكرة طُرحت ولا نعلم إذا كان سيضاف عليها تعديل أم لا، وأنا أتحدث الآن عن الفكرة المطروحة من الجانب الفني، إذ إن هناك مسائل مباشرة مرتبطة بالمادة 79 وإضافتها الى المادة الثانية للدستور"، مشيرا إلى أنه "إذا تم تعديل المادة 79 مع وجود المادة الثانية كما هي فسيكون هناك تعارض بينهما، وخلل في مكان ما بالميزان، لأن الموضوع يحتاج إلى تعديل ضمني"، لافتا إلى أن "الذين طرحوا الفكرة لا يعلمون، وهذه مشكلة، وإما انهم يعلمون ويحسبون ان الآخرين لا يعلمون وهذه مشكلة أخرى".وأضاف أنه "يجب على طارح الفكرة ان يحدد معنى النص المطروح، لأننا الآن دخلنا في تجهيل للخطاب التشريعي، لأن عدم توضيح النصوص يحدث خللا في الأمن القانوني الذي يحدث بدوره مشاكل لا نستطيع من خلالها الوصول الى أحكام دستورية، ولا يمكن حل المشاكل الناتجة عنه"، مشيراً الى أن "الامر فيه كسل، لأن الفكرة طُرحت فقط دون دراسة دستورية".جهد كبيروأكد الفيلي أن "هذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير، ولا يجب أن نقول كما يقول المثل "قطها براس عالم واطلع منها سالم"، فالأمر مريح جداً وفي نفس الوقت هو متعب جداً من الناحية الدستورية، فالتشريع يقتضي اجتهادا حقيقيا"، متسائلا "هل المشرع عنده اجتهاد حقيقي أم عنده حسابات سياسية أخرى؟".وشدد على أن "كل ما نخشاه ينحصر في تطبيق المادة الثانية من الدستور، فنحن امام قضية انتحارية، لأنه من يقدم فكرة تغييرية فهو يفكر أن ينتحر"، وذكر أن الأزهر في اولى سنواته كان يحكم، ومن يخالفه ولو في أمر حقيقي كان يقتل. وأفاد بأن "تعديل المادة الثانية سيكون ضمنيا، لأنه لم يتم تقديم مقترح واضح للتعديل حتى الآن، ولذلك آثار قانونية وفنية، لأنه إذا أتى التشريع غير مخالف للشريعة الإسلامية فلن نخرج عن نظام التشريع العادي، ولا يجوز له مخالفة الدستور"، مشدداً على ضرورة إلزام المشرع بألا يخالف التعديل أي نص من نصوص الدستور، لافتاً إلى "أن المشرع حالياً يحيل إلى الشريعة وهذا خطأ دستوري، لأنه وفقا للدستور على المشرع أن يضع تشريعا مستمدا من الشريعة الإسلامية وليس مستنبطا منها".واستطرد الفيلي في شرح ذلك بذكر مثال في ممارسة المرأة لحق الترشح والانتخاب وفق الشريعة الاسلامية، قائلا "لم يحدد المشرع الضوابط المطلوبة شرعاً وأحاله إلى الشريعة الاسلامية، وذلك كان مخالفاً للدستور الذي قال إن المشرع يستنبط مادة التشريع أي أنه يحول الشريعة إلى قانون وليس وضعها بمادتها الخام ليطبقها القانون، وهو ما وجهته المحكمة الدستورية في قضية ما يسمى بحجاب الناخبات"، مضيفا أن "الشريعة تحول الى قانون وليس العكس".ثلاث نقاط مهمةولخص الفيلي حديثه عن الموضوع بذكر ثلاث نقاط، الأولى ان الصيغة الفنية في إسناد المادة 79 الى المادة الثانية يحدث تضاربا، والثانية أنه في الوضع الحالي لا يجوز للمشرع في إطار المادة الثانية أو المادة 79 أن يضع تشريعا مخالفا للدستور، والثالثة يفترض في الصيغة التي تقر أن تتوافق مع الدستور الكويتي.وفي ما يخص تداول السلطة قال الفيلي إن "أقلية اليوم يمكن ان تصبح اغلبية الغد، لذا يحتاج الامر الى قدر من الاحترام للطرف الآخر، لان الأمور قد تنقلب"، وفي ما يتعلق بالربيع العربي أكد "أن الثوار وصلوا الى القاع، والذي يصل الى القاع يكون أمام طريقين، اما ان يبقى هناك ويموت، وإما ان يقفز الى الاعلى ويعيش او يموت ايضا، فهم قفزوا الى أعلى وكسروا الخشية من الحاكم حتى تمكنوا من نيل ما يرمون اليه".تأييد الثورات العربيةثم انتقل الحديث إلى الخبير السياسي د. شفيق الغبرا الذي أيد ما يسمى "الربيع العربي" بكل أشكاله ومسمياته، وذلك لتضمنه أمورا كثيرة أهمها انفتاح الحياة السياسية بعد قمعها على مر الأزمنة الماضية، في ظل حكام دكتاتوريين عملوا على قمع شعوبهم، معتبرا أن ظهور الإسلاميين بعد فترة قمع ظالمة تعرضوا لها خلال عقود أمر طبيعي، لأنهم التيار الوحيد المنظم حالياً.وأضاف الغبرا أن "ذلك لن يدوم طويلاً في حالة عدم نجاحهم وسرعان ما ستتبدل الأمور، ولكن كل الثورات تحتاج إلى وقت قد يصل إلى عشر سنوات حتى تستقر الأمور وتتضح معالم الدولة وسياستها الجديدة"، لافتاً الى انه "في مصر على سبيل المثال لن تستقر الامور قبل سنتين تقريباً".وأكد تأييده الكامل لكلام الدكتور الفيلي، لاسيما في قياس الثورة العربية بثورة البلاشفة والمناشفة، حيث كان البعض يهز الشجرة وغيره يجني الثمار، إلا ان البلاشفة هزوا الشجرة وجنوا ثمارها بأنفسهم لأنهم كانوا الأذكى والأكثر تخطيطاً من المنافشة، واستحوذوا على المنطقة الروسية ونقلوها الى الاتحاد السوفياتي، متطرقاً الى موضوع الثورة الفرنسية وباقي الثورات الأجنبية.وانتقل إلى مفهوم الدولة، حيث قال الغبرا "نحتاج إلى إعادة النظر في مفهوم تعريف الدولة، وكل تعريف قد يحتاج إلى سقف، فالدولة جماد، فماذا يعني أسلمة الدولة؟"، مؤكداً أن "الانسان منذ العصور الأولى يبحث عن دولة أقل تدخلاً وأكثر منحاً للحرية وترعى المصالح الرئيسية المطلوبة منها، في الوقت ذاته يرفض الدولة التي تبحث عن طرق لقمعه".صراع اجتماعيوشدد الغبرا على أنه "يجب على الدولة ألا تكون طرفاً في الصراع الاجتماعي وتترك الآراء والمعتقدات للمجتمع"، مندداً في الوقت ذاته بالاستقواء بالدولة للضغط على أحد أطراف المجتمع في كل المواضيع الاجتماعية بجميع أشكالها، مؤكداً أن "المجتمع الكويتي ديمقراطي ويزداد تنوعاً كل يوم ويزداد تحضراً باستمرار".وأوضح أن "الانسان في بداية حياته كان في صراع طويل مع الدولة، وقد فرضت عليه الدولة ولم يفرض هو عليها، ولذلك طال الصراع الى هذا الحد، لأن الانسان من طبيعته البحث عن الحرية، فعندما زادت القيود عليه كره الوضع وزاد الصراع بينه وبين دولته".ولفت الغبرا إلى أن كل المجتمعات بها نسبة أقليات، مشدداً على أن الأغلبية الآن هي أقلية غداً والأقلية الآن هي أغلبية غداً، متسائلاً هل كل من يصبح معه الأغلبية عليه أن يقمع الأقلية؟، مؤكداً أن كيان الدولة الرئيسي هو الذي يهتم بكل مصالح وخدمات شعبه وحفظ مقدراته، وفي الوقت ذاته عليه أن يرعى الجانب الديني لكل الفئات وليس لفئة على حساب الأخرى.صيغة محددةوطالب الغبرا بوضع صيغة محددة ذات إطار عريض يتماشى مع جميع الآراء والمعتقدات، مستنكراً في الوقت ذاته أوضاع المرأة في المجتمع وتدريس الدين في المدارس على سياسة سيادة منهج على حساب الآخر، داعياً إلى تدريس الدين بطرق تحترم الجميع وتعمل على الجمع لا التفرقة، ضارباً المثل بالمدارس الكاثوليكية التي تدرس مناهج الدين المبنية على احترام المذاهب الأخرى كالبروتستانتية والأرثوذكسية، وتركز مناهجها على ما يجمع، في الوقت الذي نصرّ نحن فيه على ما يفرق وما يخندق ويغضب ويصل بنا إلى الصدام وتبادل تهم الكفر والإيمان.ولفت الغبرا إلى ضرورة وجود تعريف حقيقي للدولة ووضع الأولويات التي تهدف إلى الإصلاح السياسي والعمل على تطوير المجتمع، وحل كل المشكلات وتحمل المسؤوليات التي في مقدمتها قبول الآخر والتعايش معه.