أين اختفت الحركة الخضراء الإيرانية؟

نشر في 06-04-2012 | 00:01
آخر تحديث 06-04-2012 | 00:01
كانت السلالة الحاكمة في إيران تعيق مسار ازدهار البلد ورخائه، وسرعان ما أصبح الجميع يسخرون من شكل الشاه ويدعونه «محمد الأنف!». لقد اعتبره الجميع الشخص الشرير وكانوا ينتظرون أن يخلفه «الملاك» آية الله روح الله الخميني.

يبدو أن إيران لم تتأثر بأحداث الربيع العربي الذي اجتاح أنحاء المنطقة، أو ربما بدأ الشتاء الاستبدادي الطويل يمتد إلى الدول المجاورة، فلا أحد يدرك العائق الذي يجب تجاوزه للوصول إلى بر الأمان أكثر من الإيرانيين. يكمن التحدي الحقيقي في كيفية إرجاع رجال الدين إلى المساجد، أي رفض نفوذ القادة الدينيين من دون رفض الإسلام.

وسط الاضطرابات التي اجتاحت إيران من منتصف شهر يونيو إلى أغسطس في عام 2009، كنتُ في حالة ذهول تام، فلم أكن أنام إلا لفترة بسيطة وكنتُ أمضي الوقت وأنا أحدق في شاشات متعددة: شاشة الحاسوب المحمول والتلفزيون والهاتف الخليوي. بدا وكأن الثورة المنتظرة منذ وقت طويل وصلت أخيراً إلى إيران، وذلك بعد أن ظهرت معالمها في عام 1979 بهدف إعادة إحياء الثورة المسروقة سابقاً. لم أشعر بسرور عارم كما توقعت، لكن انتابتني انفعالات قوية كانت مدفونة في داخلي منذ 32 سنة.

لم يتوقع الكثيرون نشوء الحركة الخضراء المنادية بالديمقراطية انطلاقاً من الاحتجاجات الحاشدة التي اندلعت بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل. فقد كان النشاط السياسي محصوراً طوال سنوات ضمن الشتات الإيراني، وكانت الاحتفالات "الثقافية" النزعة الرائجة الوحيدة، غير أن نزول مليون شاب إلى الشوارع فجأةً غيّر معالم النزعات الماضية.

هكذا تحولت الثقافة السابقة التي تفتقر إلى الوعي الكافي إلى تحرك سلمي بين ليلة وضحاها. لكن بعد مرور أسابيع على فشل التحرك، تساءل المغتربون عن الأخطاء التي ارتُكبت لتبرير ذلك الفشل. اعتبر البعض أن غياب قيادة قوية كان سبب الفشل، مع أن حركات أخرى كتلك التي نشطت في تونس ومصر نجحت على رغم ضعف قيادتها. يلوم البعض الآخر الولايات المتحدة لأنها لم تسارع إلى دعم الحركة، لكن لم يتضح أصلاً ما إذا كان ذلك الدعم الأخلاقي الرمزي سينجح في تحقيق النتائج المرجوة، فظن البعض أن عدم مشاركة العمّال في التحرك الشعبي وعدم تنظيم اعتصام عام كان يعني وجود خلل في التنظيم والتنسيق (لكن كانت الحركة تحتاج حصراً إلى شبكة إنترنت لا تخضع للرقابة واتصالات خليوية لا يعيقها الحكّام لتوحيد البلد!).

لكن اختفاء هذه الحركة الناشطة كان نتيجة إخفاقات تتجاوز حدود تلك التبريرات، فكان هناك أمر خفي يحدث أثّر في الوضع العام في إيران، ما دفع الملايين إلى الانسحاب خلال أسابيع.

لم يمر وقت كاف منذ عام 1979 الذي غيّر مسار إيران التاريخي. يخشى الإيرانيون النزول إلى الشوارع كما فعلوا سابقاً ضد الشاه محمد رضا بهلوي خوفاً من أن يصبحوا المحرك الأساسي لتقوية طبقة خبيثة أخرى تدعي سعيها إلى تحرير النظام الاجتماعي. لم تختفِ بعد الجروح الجسدية والنفسية التي خلّفتها الحرب التي دامت 10 سنوات مع العراق وانتهت في عام 1988. وبعد مقتل أو تشويه حوالي مليون شخص في أطول الحروب وأكثرها وحشية خلال القرن العشرين، لم يعد الشعب يتقبل فكرة التضحية الإنسانية في سبيل أي بلد.

كانت احتجاجات عام 2009 تفتقر أيضاً إلى التوجيه والإقناع. ربما لم يتضح هذا الواقع للجميع ولكنني شهدتُ على الثورة السابقة شخصياً. في الشتاء البارد من عام 1978، انتشرت نزعة جديدة تركز على شتم الشاه في جميع المناسبات. في ذلك الشتاء، إذا انزعج راكبو سيارات الأجرة من الحفر في الطريق، كانوا يشتمون أنصار بهلوي. كانت السلالة الحاكمة تعيق مسار ازدهار البلد ورخائه. سرعان ما أصبح الجميع يسخرون من شكل الشاه ويدعونه "محمد الأنف!". لقد اعتبره الجميع الشخص الشرير وكانوا ينتظرون أن يخلفه "الملاك" آية الله روح الله الخميني.

لم يكن الشعب مستعداً للتنازل عن آرائه المتطرفة، لكن سرعان ما تبين أنهم كانوا على خطأ. لا يمكن أن يقود المشككون الثورات.

هذه المرة، كانت مشاهد الناشطين في الحركة الخضراء، ولا سيما السيدات منهم، مثيرة للاهتمام. فرُفع شعار "أين صوتي؟" خلال أول يومين بعد تزوير الانتخابات، لكن حين اتضح أن تلك الأصوات المسروقة لن تُستَرجع مطلقاً، لم يرفع المحتجون شعارات خاصة بهم بل اكتفوا بالشعارات التي ابتكرها آية الله منذ 30 عاماً. فصعد المحتجون إلى أسطح المباني مجدداً وهتفوا: "الله أكبر!". بدا ذلك التحرك تكتيكاً ذكياً لأنه يرتكز على محاربة طغاة اليوم بالشعارات نفسها التي أوصلتهم إلى السلطة، لكن لم تفلح هذه الخطة في نهاية المطاف. كان على الشعب أن يتخلص أولاً من المبادئ التي رسّخها آية الله في عام 1979. لم يُحرَم آية الله الراهن علي خامنئي من سلطته الرمزية مطلقاً. صحيح أن البعض شكك بشرعيته، لكن لم يتعرض قائد الشيعة يوماً للسخرية بسبب شلل ذراعه اليمنى مثلاً.

تماماً مثل شاه إيران، لطالما ارتبطت صورة زين العابدين بن علي التونسي وحسني مبارك المصري بالغرب لدرجة أن الانتفاضة ضد هؤلاء الحكام جعلت كل بلد مضطراً لمواجهة العالم الغربي. اعتبر مفكر إيراني بارز في السبعينيات أن الأمر أشبه بظاهرة "طرد السموم الغربية الشريرة".

في الأشهر التي مهدت للانتفاضات في عام 1979، خُدعت النساء الإيرانيات العلمانيات فأقنعهنّ الجميع بارتداء الحجاب حتى يكتمل انتصار الثورة، لكن سرعان ما رفع الشيوعيون المعادون للإمبريالية صورة آية الله خلال التظاهرات باعتباره رمزاً وطنياً للشرعية والسيادة، وهكذا خرج المارد من قمقمه!

لا تتعلق مشكلة الحركة الخضراء الإيرانية بغياب الإرادة لإسقاط النظام، بل بتحديد هوية وطنية جديدة لا ترتكز على الإسلام لترسيخ مصداقيتها. كما سيحصل في مصر وتونس وليبيا تدريجاً، تحاول الحركة الديمقراطية في إيران تعلم كيفية بناء البلد على أسس علمانية.

back to top