في سورية الحرب عابرة للحدود... وما زال تدفق اللاجئين مستمراً!

نشر في 13-10-2012
آخر تحديث 13-10-2012 | 00:01
أمام الأسد خياران: إما الإغفال عن سيطرة الجيش السوري الحر على الحدود السورية وإما قصف تلك المنطقة بالهاون والمدفعية حتى لو عنى ذلك أن تتطاير القذائف فوق الحدود التركية.
 ذي تيليغراف   يوم الأحد، كان عدي فندي يساعد في إدارة الكشك الذي تشغّله عائلته في سوق مكتظ في شمال سورية، وبعد بضعة أيام، كان هذا الصبي البالغ 13 عاماً يستلقي وهو في حالة إغماء شبه تام ويحاول التمسك بالحياة، وكان جسمه مغطى بضمادات بيضاء.

أسقطت واحدة من الطائرات المقاتلة التابعة للرئيس بشار الأسد قنبلة فوق السوق المكتظ في بلدة منبج، حمل والد عدي، إبراهيم، ابنه خلال رحلة شاقة عبر الحدود نحو تركيا حيث يقبع الصبي في المستشفى اليوم، قال فندي: "كان لا يزال ينزف حين وصلنا إلى هنا، وقد نزف طوال الرحلة".

مقارنةً بالوضع السيئ الذي وصلت إليه معظم مناطق سورية، وجد فندي وابنه أماناً نسبياً في بلدة كيليس على الحدود التركية، لكن لا تزال أهوال الحرب القائمة في بلدهما تلاحقهما في تركيا. فقد بدأ سفك الدماء الحاصل في سورية يتسلل عبر الحدود، ما يعني تحقق الأمور التي توقعها كوفي عنان سابقاً. في شهر يونيو الماضي، توقع أمين عام الأمم المتحدة السابق ألا تبقى الثورة السورية محصورة كما حدث خلال الثورات الأخرى التي انتفضت ضد الأنظمة الوحشية. قال عنان: "سورية لا تشبه ليبيا. فهي لن تنهار من الداخل بل ستنفجر نحو الخارج".

يدرك الناس الذين يعيشون على طول الحدود التركية الممتدة على مساحة 500 ميل مع سورية حقيقة ذلك التوقع، وعلى ما يبدو، انتهت الحقبة التي أدى فيها الصراع الوحشي الذي يشنه الأسد إلى سقوط الأبرياء ضمن نطاق البلد الملطخ بالدم، فقد تجاوزت حملته نطاق الصراع الأهلي وبدأت تتحول سريعاً إلى حرب إقليمية. استناداً إلى كلام عنان، بدأ الوضع السوري "ينفجر" أمام أنظارنا.

يتضح هذا الواقع لدى رؤية بقايا منزل عائلي متواضع في بلدة أكشاكالي على الحدود التركية، وفي ذلك المنزل، تعكس الجدران المليئة بآثار الشظايا حدة الاعتداء الذي استعمل قنبلة هاون سورية وأسفر عن مقتل خمسة مدنيين أتراك، بما في ذلك أم وبناتها الثلاث.

غداة هذه المأساة يوم الأربعاء الماضي، توقع بعض المراقبين (منهم دبلوماسيون غربيون في أنقرة) أن تتراجع تركيا وسورية وأن تنزعا فتيل الاضطرابات بهدوء، لكن بدل ذلك، أصبحت التفجيرات عبر الحدود أحداثاً يومية، فمنذ أيام، تجددت عمليات الجيش السوري، فأطلق قذائف هاون نحو محافظة هاتاي التركية، ما دفع الدولة التركية المجاورة إلى الرد على الاعتداء. كان ذلك الاعتداء الهجوم الثالث الذي تشنّه سورية على الأراضي التركية منذ أعمال القتل في أكشاكالي، لكنه لم يوقع أي ضحايا إضافيين حتى الآن لحسن الحظ.

خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2012، من المعروف أن القذائف أو قنابل الهاون السورية انفجرت داخل تركيا في سبع مناسبات. في الأيام الستة الأخيرة فقط، حصل وابل من القصف المركز أربع مرات. تشير هذه المفارقة الحادة إلى أن بعض القوى النافذة تنشط أكثر من القادة المحليين المتحمسين أو المتهورين.

اليوم، يسيطر الجيش السوري الحر على مساحة من الأراضي على طول الحدود الشمالية مع تركيا. إنه إنجاز مهم حتماً لأن الثوار يسيطرون أيضاً على المعابر الحدودية الرسمية، وهم يستطيعون نقل المجندين والأسلحة والإمدادات من خلالها. من المعروف أن خيارات الأسد للتعامل مع ذلك التهديد محدودة جداً. يمكنه إطلاق هجوم بري على المنطقة التي يسيطر عليها الثوار، لكن جيشه المنشغل في حرب استنزاف وحشية في شوارع حلب يفتقر على الأرجح إلى القوات اللازمة لإتمام تلك المهمة.

هذا ما يتركه أمام خيارين: إما الإغفال عن سيطرة الجيش السوري الحر على الحدود السورية وإما قصف تلك المنطقة بالهاون والمدفعيات، حتى لو عنى ذلك أن تتطاير القذائف والقنابل فوق الحدود التركية. تشير الجولات اليومية من القصف العابر للحدود إلى أن الأسد اختار الخيار الثاني. لا يعكس هذا الوضع سلسلة من العمليات غير المقصودة، بل تشير تلك الاعتداءات على الأراضي التركية إلى أن الدكتاتور السوري قرر تصعيد الوضع.

هذا التطور ليس مفاجئاً، ففي كل مرحلة من هذا الصراع، أظهر الأسد استعداده لتجاوز جميع الضوابط في حملته بهدف إنقاذ نظامه. تُعتبر الغارات الجوية التي تنفذها طائراته المقاتلة الآن على البلدات التي يسيطر عليها الثوار خير مثال على ذلك. خلال السنة الأولى من الانتفاضة، انحصر استعمال طائرات "ميغ" و"سوخوي" التي منحتها روسيا إلى سورية في النطاق الميداني. أما الآن، فهي تُستعمَل بشكل شبه يومي.

تقضي الخطوة المنطقية التالية بأن يبدأ القادة السوريون عملية قصف طويلة المدى ضد الأراضي التي يسيطر عليها الثوار حتى لو جازفوا باستهداف تركيا، ففي الأيام الستة الأخيرة، يبدو أن تلك المرحلة من حملة الأسد بدأت فعلاً. في خضم هذه العملية، يتم تهجير عدد إضافي من الناس، فالوضع السوري لا ينفجر حرفياً فحسب، بمعنى إلقاء القذائف الخطيرة على الأحياء، بل إن البلد يهجر مواطنيه بأعداد تفوق طاقة الدول الأخرى.

تستضيف تركيا اليوم حوالي 93 ألف لاجئ سوري مسجل في 13 مخيماً، لكن ثمة 40 أو 50 ألف لاجئ آخر غير مسجّل، وهم يقيمون على الأرجح مع أقاربهم أو يستأجرون الشقق بأنفسهم. في الأسبوع الماضي، حصلت تظاهرة شعبية ضد الوافدين الجدد في محافظة هاتاي حيث ينتمي الكثيرون إلى الطائفة العلوية مثل الأسد وهم يكرهون اللاجئين السنّة.

حتى الآن، لا يعكس ذلك الاحتجاج المزاج العام في تركيا. في كيليس، يضم أحد المخيمات حوالي 13 ألف لاجئ ويشعر الكثيرون بالامتنان تجاه البلد الذي يستضيفهم ويمنحهم الأمان. قال شحادة علاوي (40 عاماً) الذي هرب من سورية قبل خمسة أشهر: "أشعر بأنني إنسان هنا. إذا شاهدوا بعض القمامة بالقرب من مكان إقامتي، هم ينظفونه فوراً".

لا يقيم اللاجئون في كيليس داخل خيم، بل تتقاسم العائلات منازل موقتة ومسبقة الصنع. هم يحصلون على جميع المأكولات التي يحتاجون إليها ويستفيدون من خدمات المدارس لأولادهم ويكسبون مدخولاً أسبوعياً. يرتبط السوريون والأتراك بروابط القرابة وهم يتقاسمون الولاء تجاه الإسلام السنّي.

قال محمد بكر الذي وصل قبل ثلاثة أشهر: "يجب أن نشكر الشعب التركي لأنه أظهر لنا حسن الضيافة منذ البداية. لا نواجه أي مشكلة مع الأتراك".

لكن لا تزال مؤشرات الخطر موجودة، إذ يقع مخيم كيليس في موقع معزول وآمن بعيداً عن البلدة وفي جوار الحدود السورية مباشرةً، ويتمتع جميع اللاجئين بحرية التنقل، لكن يحيط سياج عالٍ وأبراج مراقبة بالمخيم، ما يشير إلى أن تركيا تحتفظ بخيار احتجازهم أو إعادتهم إلى بلدهم.

في غضون ذلك، وضعت تركيا حداً لسياسة استقبال أعداد غير محدودة من الهاربين. اليوم، يستقبل البلد عدداً من اللاجئين بقدر ما تسعه المخيمات القائمة. يُقال الآن إن 10 آلاف شخص ينتظرون على الجانب السوري من الحدود حتى تتوافر أماكن جديدة.

تراقب السلطات عن كثب اللاجئين في كيليس وقد لا تتوانى عن إصدار التهديدات بنقلهم إلى مخيم غير مزود بالتجهيزات الكافية. قال أحد اللاجئين: "هم يقولون لنا: إذا سببتم أي مشاكل، فسنرسلكم إلى مخيم أورفا الذي لا يضم إلا الخيم! هم لا يكفون عن قول ذلك". أشار ذلك الرجل البالغ 42 عاماً إلى أن الشتاء يقترب وأنه لا يريد تعريض أطفاله لقسوة هذا الفصل داخل الخيام.

صحيح أن تدفق اللاجئين لا يزال تحت السيطرة حتى الآن، لكن قد لا يدوم هذا الوضع طويلاً. تظن الأمم المتحدة أن عدداً متزايداً من السوريين سيهربون من بلدهم: تفترض أحدث تقديراتها أن يصل عدد اللاجئين إلى 710 آلاف شخص في جميع الدول المجاورة في نهاية هذه السنة (أكثر من ضعف العدد الراهن).

إذا كان التوتر سيد الموقف في ظل وجود 93 ألف لاجئ مسجل في تركيا، فما سيكون الوضع إذا تضاعف هذا العدد؟ وماذا لو بقوا إلى أجل غير مسمى؟

كان رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا العاطفي والمثير للجدل، أول زعيم إقليمي يحث على سقوط الأسد، ومع كل قذيفة تقع على الأراضي التركية ومع وصول كل لاجئ إلى البلد، تصبح مصلحة تركيا الوطنية في إسقاط النظام السوري أكثر إلحاحاً.

حتى الآن، كانت ردود أردوغان على الاعتداءات التي تستهدف بلده مدروسة: ردت المدفعيات التركية على القصف السوري بطريقة مناسبة ومحدودة. لكن كانت تركيا قد بدأت تشن حرباً خفية ضد الأسد من خلال توفير القواعد والإمدادات إلى الثوار التابعين للجيش السوري الحر.

مع تمدد الصراع إلى ما وراء الحدود، لا بد من طرح السؤال الآتي: إلى متى ستبقى هذه الحرب العابرة للحدود غير معلنة؟ تزامناً مع "انفجار" الوضع السوري كما توقع أنان، قد تصل شظايا ذلك الصراع إلى جميع البلدان المجاورة.

* ديفيد بلير

back to top