ما اتفأناش على كده !

نشر في 03-05-2012
آخر تحديث 03-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 أحمد عيسى الحديث عن تعديل الدستور بدأ مع إقراره عام 1962 ولكنه الآن جاء بما يضمن للأغلبية مطلق الصلاحية، وهذا تكريس آخر لثقافة المنتصر، ويستوجب الوقوف عنده والتساؤل: هل سيقبل النواب أنفسهم الداعون اليوم لتعديل الدستور أن يقر زملاؤهم مستقبلاً تعديلات تسلب مجلس الأمة صلاحياته على غرار تعديلات السلطة عام 1981؟

بإقرار مجلس الأمة الشهر الماضي المداولة الأولى لتعديل قانون الجزاء بإعدام من تثبت عليه تهمة الإساءة للذات الإلهية ومقام النبوة، واستكمال تأييد القانون بمداولته الثانية، دخل مجلس الأمة في دائرة الشريعة وابتعد عن التشريع.

فعلى مدى الثلاثة أسابيع الماضية، شهدت البلاد نقاشاً ذا طابع فقهي أكثر منه تشريعي، حول معاقبة من تثبت عليه تهمة الإساءة للذات الإلهية ومقام النبوة، وهو ما قسم المجتمع إلى فريقين: الأول يؤيد عقوبة الإعدام، والآخر يرفض المسألة بمبدئها، ثم انضم إليه لاحقاً فقهاء وممثلو لجنة الإفتاء، على اعتبار أن مسألة الإساءة للذات الإلهية ومقام النبوة تخضع لمبدأ "الاستتابة"، وهي عودة المسيء عن فعله وإعطاؤه فرصة، وبالتالي لا يعتبر مرتداً بحكم الدين بما يستلزم معه تطبيق حد الردة وهو القتل، إضافة إلى أن الروح بنفخها وقبضها بنفس الإنسان ربانية بحتة يجب ألا تخضع لقرار بشري.

ويتضح من رأي الفريقين أن المسألة معقدة وغير محسومة، فمقترح النواب الداعين إلى الإعدام غلب عليه الطابع الانفعالي، وأدلل على ذلك بمجريات جلسة 12 أبريل التي شهدت لأول مرة بتاريخ المجلس اختيار النواب المتحدثين بالقرعة، وعدم التمديد لهم، إضافة إلى هجوم النائب محمد هايف على مساجد وحسينيات الشيعة وما ذكره عن اعتلاء الزنادقة لمنابرها، ثم تصريحات بعض النواب بأنهم لو وجدوا عقوبة أشد من الإعدام لتبنوها، وهو ما لقي قبولاً عند بعض زملائهم فأضافوا عقوبة سحب الجنسية بعد الإعدام، وكأن المعدوم سيكترث كثيراً بالجنسية الكويتية أكثر من حياته، ثم زيارة النواب الشيعة لسمو الأمير وبحث هذا الموضوع معه.

إن التشريع في معرض الحدث (أي حدث كان) يفقده حياديته، كما أن واضعي الدستور حينما أقروا مبدأ نقاش القوانين على مداولتين يفصل بينهما أسبوع على الأقل، أرادوا الدفع بمسألة التشريع إلى أفق أرحب من قاعة عبدالله السالم، ليشترك فيها الرأي العام ويقول رأيه بعدما يناقش المقترح عامة المجتمع وخاصته، كونه سيطبق بعد إقراره على الجميع، وهذا ما تحقق مع عقوبة الإعدام.

وأذكر هنا جانباً من مجريات نقاش إقرار قانون المطبوعات والنشر عام 2006، وتحديداً المادة 19 المتعلقة بـ"حظر المساس بالذات الإلهية أو القرآن الكريم أو الأنبياء أو الصحابة الأخيار أو زوجات النبي- صلي الله عليه وآله وسلم- أو آل البيت- عليهم السلام- بالتعريض أو الطعن أو السخرية أو التجريح بأي وسيلة من وسائل التعبير المنصوص عليها في المادة 29 من القانون 31 لسنة 1970، بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960"، وهو ما يدلل على أن موضوع الإساءة نفسه مر بهدوء على النواب قبل 6 سنوات، ولم يأخذ هذا الحجم من الإثارة والحماس، ما يكشف عمق الأزمة التشريعية التي نعيشها الآن والمستندة إلى "تقنين" ما يريده النواب بحكم القانون، وتكريس ثقافة المنتصر تشريعياً.

القضية الأخرى التي أثارها نواب الأغلبية تقديم النائب فيصل اليحيى مقترحات تعديل الدستور، وهي بمحتواها محاولة تبني لمقترحات سبق للنائب فيصل المسلم إثارتها في الفصل التشريعي السابق، وتدور حول مسألتي حضور الحكومة جلسات مجلس الأمة والثقة المسبقة بالحكومة قبل مباشرة أعمالها، وظاهرها تعديل نظام الحكم ليكون برلمانياً بحتاً بدلاً من النظام الهجين (بين الرئاسي والبرلماني) الذي تتبناه الكويت.

والحديث عن تعديل الدستور سبق إثارته من نواب المجلس الأول 1963، ما حدا بالسلطة إلى تزوير الانتخابات 1967، لضمان عدم جنوح النواب لتعديل الدستور بما يقلل المكتسبات الدستورية للأمير أو الحكومة، مقابل التوسع في صلاحيات النواب ومجلس الأمة، ولهذا فإن الحديث عن تعديل الدستور بدأ مع إقراره عام 1962، ولكنه الآن جاء بما يضمن للأغلبية مطلق الصلاحية، وهذا تكريس آخر لثقافة المنتصر، ويستوجب الوقوف عنده والتساؤل: هل سيقبل النواب أنفسهم الداعون اليوم إلى تعديل الدستور أن يقر زملاؤهم مستقبلاً تعديلات تسلب مجلس الأمة صلاحياته على غرار تعديلات السلطة عام 1981؟

القفز إلى الأمام وحرق المراحل التي يقوم بها نواب الأغلبية تؤكد أنهم قاموا بعملية خداع كبيرة، فقد تحدثوا لناخبيهم قبل الفوز بضرورة إقرار قوانين مكافحة الفساد، وبعد فوزهم اهتموا بتفاصيل أخرى، من بينها تعديل الدستور وإعدام المسيء لمقام النبوة، وهو الأمر الذي "ما اتفأناش عليه" خلال الانتخابات، كما يقال في مصر.

back to top