فجر يوم جديد: الملاذ الآمن

نشر في 18-08-2012
آخر تحديث 18-08-2012 | 00:01
No Image Caption
 مجدي الطيب عندما هجر مخرجو السينما معقلهم الأساسي، للمرة الأولى، إلى الدراما التلفزيونية خرج بعض «الأصوات غير العاقلة» يتهمهم بأنهم «خانوا العهد»، وانتهز مخرجو المسلسلات التلفزيونية الفرصة وشنوا هجوماً متعدد الجبهات ضدهم، وكأنهم احتلوا أرضاً بطرق غير مشروعة أو اغتصبوا حقوقاً مستباحة، وقيل الكثير عن «لقمة العيش» التي انتزعوها من أصحابها «التلفزيونيين»، ما ساهم في انتشار البطالة، وأصدروا حكماً قاطعاً بأن استمرارهم محكوم عليه بالفشل لأنهم مجرد «صرعة» ليس أكثر.

حدث هذا مع المخرجين الكبار خيري بشارة، سمير سيف ونادر جلال، وتكررت الاتهامات نفسها مع التحاق المخرجين محمد النجار وعادل الأعصر وعمر عبد العزيز بالساحة التلفزيونية، وعلى رغم ذلك لم تتوقف الظاهرة، وعاماً بعد الآخر تزايد عدد «المهاجرين»، فانتقل رامي إمام في رمضان قبل الماضي لينجز «عايزه أتجوز»، وخالد الحجر في رمضان الماضي ليخرج «دوران شبرا»، وعثمان أبو لبن ليشارك في إخراج «المواطن إكس»، قبل أن يستقل بنفسه في رمضان هذا العام ويخرج منفرداً مسلسل «فيرتيجو».

غير أن الظاهرة تنامت، واتخذت لها منحى أكبر في رمضان هذا العام؛ حيث شهدت الدراما التلفزيونية ما يشبه الهجرة الجماعية لجيل الشباب من المخرجين، الذين لا يمكن لأحدهم أن يسوق الحجج نفسها، التي ساقها المخرجون الكبار سابقاً في تبرير تحولهم إلى الشاشة الصغيرة، وعلى رأسها أزمة السينما، وتراجع الفرص المتاحة للغالبية منهم، وحاجتهم الملحة إلى البديل الذي يحفظ كرامتهم، ويُبقي على أرزاقهم، ويمثل متنفثاً جديداً يواصلون من خلاله إثبات أنفسهم، ويحفظ مواهبهم من الصدأ.

ما يمكن قوله إن المخرجين الكبار نظروا إلى الدراما التلفزيونية بوصفها «الملاذ الآمن»، الذي يحميهم من غدر السينما والزمن، وهو ما لم يكن في حسبان المخرجين الشباب: عادل أديب، خالد مرعي، محمد مصطفى، سعد هنداوي، أحمد جلال وشادي الفخراني، الذين شدوا الرحال إلى الدراما التلفزيونية في رمضان هذا العام، وهم يملكون أسباباً أخرى، على رأسها أن لديهم طموحات يرغبون في تحقيقها، ورغبة جارفة في استثمار الطفرة التي طاولت الدراما التلفزيونية، والسقف الأعلى الذي يتمتع به مخرجو الدراما التلفزيونية، من حيث مساحة الطرح وإمكان التجريب والميزانية الضخمة وتنوع مصادر التمويل، فضلاً عن تعدد منافذ التسويق بشكل يضمن وصول العمل بما يحتويه من شكل ورسالة للرقعة العريضة من الجمهور.

بغير اتفاق مسبق، نجح شادي الفخراني في مسلسل «الخواجة عبد القادر»، عادل أديب في مسلسل «باب الخلق»، أحمد جلال في مسلسل «رقم مجهول»، رامي إمام في مسلسل «فرقة ناجي عطا الله» ومحمد مصطفى في مسلسل «9 جامعة الدول»، في إحداث الفارق المأمول، عندما وظفوا الكاميرات الجديدة عالية الجودة ومتطورة التقنية، فضلاً عن اللغة السينمائية العصرية، وصنعوا صورة مبهرة و»كادرات» جمالية مميزة، تضافرت فيها العناصر الفنية كالإضاءة والديكور والملابس والموسيقى، بالإضافة إلى قطعات المونتاج، والاختيار الواعي للسيناريو، وإحكام السيطرة على الممثلين، والإيمان المطلق بأهمية التغيير، والدفع بوجوه جديدة، ودماء شابة، ليس على صعيد الممثلين فحسب بل تعداهم إلى الفنيين من مديري التصوير والإضاءة السينمائيين ومصممي الملابس أيضاً، ومن ثم تمكنوا من إنقاذ الدراما المصرية من التكلس الذي أصاب مفاصلها، والتيبس الذي طاول أطرافها، والشيخوخة التي هدت جسدها، واستعادوا للدراما المصرية هيبتها ورونقها.

على الجانب الآخر، أخفق المخرجان خالد مرعي في مسلسل «شربات لوز» وسعد هنداوي في مسلسل «زي الورد» في الخروج من نفق الدراما التقليدية التي سأمها جمهور المشاهدين، وانفض عنها مولياً شطر الدراما السورية ثم التركية، بعد اختيارهما لموضوعين تقليديين، وأجواء درامية عفا عليها الزمان، بل إن المخرج سعد هنداوي استجاب لما أملاه عليه منتج «زي الورد»، وأنجز عملاً يتكون من ستين حلقة، في محاكاة ساذجة للمسلسسلات التركية، بعدما تصور، هو والمنتج، أن نجاح الدراما التركية يكمن في تعدد حلقاتها. صناعة الدراما التلفزيونية في طور التغيير، وبعدما كان العمل في «الفيديو»، حسبما أطلقوا عليه سُبة في جبين المخرج المحترف، ومجرد «ملاذ آمن» يحتمي به، بعدما تتراجع أسهمه وتتضاءل فرصته في السينما، صار بمثابة شهادة ميلاد جديدة للمخرج، بعيداً عن التصنيفات المغلوطة التي تتعمد عن جهل الفصل بين المخرج التلفزيوني ونظيره السينمائي، فالفارق يكمن في الخبرات التي تأتي من تراكم التجارب، والاستفادة من جيل الرواد المخضرمين، لكن الجديد لا بد من أن يفرض نفسه لأنها سنة الحياة... وناموس الكون.

back to top