المنفى والهجرة المضادة

نشر في 18-03-2012
آخر تحديث 18-03-2012 | 00:01
 آدم يوسف تبدو فكرتا المهجر والمنفى هما الأكثر قرباً إلى ذاكرة الإبداع الثقافي، أياً كان شكله، ولونه، لذا فإننا نجد في نتاجات الأدباء المنفيين، لمسات فنية وإبداعية، قد لا تتوافر لدى ذلك الكاتب الذي لم يغادر وطنه قط.

ومن هنا تأتي أهمية الندوة التي عقدتها مجلة العربي خلال الأيام المنصرمة، وفيها شهدت الكويت أسماء لامعة، لكتاب بعضهم أمضى في المهجر ثلاثين عاما أو يزيد، وبغض النظر عن أسباب الهجرة وأمكنتها المتعددة، فإن الفضاء الثقافي الجديد الذي يؤوي المبدعين العرب سيكون بمفرده أرضية خصبة لتحفيز الخيال القائم على فعل المقارنة؛ المقارنة ما بين حياة قروية بسيطة يعيشها هؤلاء العرب قبل هجرتهم، ووقفتهم الجديدة أمام مدنية غربية، قائمة على المؤسسات، والحريات الفردية العامة، كتلك التي نشاهدها في مدن أميركا الشمالية، أو أوروبا الغربية، أو استراليا، ونيوزلندا، هذه البلاد في حقيقتها، تمنح احتراما للإنسان، وذاته، هذا الاحترام الذي يفتقده الإنسان العربي في أوطاننا المشرقية.

هل تنجح الأوطان الجديدة في استيعاب المهاجرين العرب؟ أو لعل السؤال بصيغته الأجدر، هل ينجح المهاجرون العرب في التأقلم مع أوطانهم الجديدة؟ ربما تكون فكرة الهجرة رومانسية وجميلة للغاية في مراحلها الأولى، حين يكون المهاجر، أياً كان صنفه (أديباً، مهندساً، عاملاً، طبيباً، رجل أعمال...) في أوج شبابه، ومستمتعاً بالمغامرة في حد ذاتها، ولكنه بعد مضي عشر أو عشرين سنة، يُعيد سؤال الجذور، ما الذي أفعله هنا، وما مصير أبنائي؟ ومن هنا تنتج فكرة «الهجرة المضادة» التي يقلق حيالها السياسيون الغربيون، فبعد تأسيس هذا الإنسان المهاجر علمياً، ومنحه الجنسية الغربية، يعود إلى بلده، أو أي بلد عربي آخر، بهدف الحفاظ على جذوره، ومن ثمّ الاستمتاع بتلك المزايا التي يمنحها الجواز الأوروبي والأميركي، من حماية قانونية، وما شابه.

الدول الغربية تشيخ، وهي بحاجة إلى مواطنين، وهؤلاء المهاجرون الجدد يأخذون أبناءهم للعودة إلى أوطانهم من أجل الحفاظ على جذورهم، وتقاليدهم، ودينهم الإسلامي.

بالعودة إلى ندوة العربي نجد نقاطاً عديدة متداخلة، فيما يخص ظاهرة الهجرة الأدبية، فثمة حديث عن الترجمة من التركية، والفارسية، والصينية على سبيل المثال، وبرأيي فإن الترجمة قضية قائمة بحد ذاتها، إذ إن أي إنسان يمكن أن يمارس الترجمة من دون السفر إلى هذا الوطن أو ذاك، كما أن مؤسسات عديدة تقدم إصدارات مترجمة، وهي كائنة في قلب الوطن العربي، قد نستأنس بآراء بعض المهاجرين فيما يخص تجربتهم مع الترجمة، إلا أن الموضوع يمكن أن يناقش معزولاً تماماً عن ظاهرة الهجرة.

شملت الندوات محاور أساسية من بينها التشكيل، والشعر، والرواية، وتبدو هذه الأخيرة هي الأقرب إلى تجسيد حالة المنفى، أو الإحساس الناجم عنها، ويمكننا رصد أبطال أعمال روائية محددة، وتحولاتهم المستمرة لنكتشف مدى تأثير الهجرة عليهم، وفي هذا الصدد تمت الإشارة كثيرا إلى رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للأديب الطيب الصالح، باعتبارها إحدى «أيقونات» الرواية العربية المعاصرة، المتعلقة بالهجرة إلى الغرب، ورصد الفروقات بين المجتمعات. ولكن يبدو أن تتبّع الشعر العربي المنتج في بلاد المهجر، يبدو أكثر صعوبة، أو تعقيداً، إذاً فإن الشعر حتى وإن احتوى على إشارة أو ذكر للمكان، فإنه لا يمنحنا الإحساس إلا تلميحاً، أو تورية، وليس من حيوات مفصّلة، كتلك التي نشهدها في الرواية، وكذلك اللوحة التشكيلية، خصوصاً التجريدية منها، يصعب كثيراً استجلاء نواح الحنين، أو تأثيرات الغربة على راسميها، فالإغراق في الحنين، والاشتياق ربّما يكونان حالتين ملازمتين لأصحاب تلك الأعمال، ولكن يبقى التأويل، والاستنتاج أمرين عصيين، ويحتاجان إلى مزيد من الجهد، والمراس النقدي.

back to top