التمييز في سابقة قضائية: على الجهات الحكومية وقف مساءلة الموظف إدارياً إذا أحيل بذات الوقائع إلى القضاء الجنائي
• بانتفاء عناصر المسؤولية الجنائية لا يقبل عقلاً ومنطقاً بقاء المسؤولية التأديبية • يتقيد القضاء الإداري بحجية الحكم الجنائي إذا تماثلت الوقائع
كانت ادارة سوق الكويت للأوراق المالية قد احالت عضو مجلس إدارة أحد البنوك إلى التحقيق لثبوت مخالفات بحقه حيث إنه استفاد من معلومات غير معلنة توافرت له بحكم منصبه في البنك.في حكم يمثل سابقة في القضاء الإداري أكدت الدائرة الاولى في محكمة التمييز ان الجرائم التأديبية التي يرتكبها الموظف الحكومي، إذا كانت تشكل بذاتها بركنيها المادي والمعنوي جرائم جنائية فإنه يتعين على جهة الادارة عدم اتخاذ أي عقوبات تأديبية إلا بعد انتهاء القضاء الجنائي من الفصل في تلك القضية.استقلال المسؤوليةوقالت محكمة التمييز برئاسة المستشار محمد بن ناجي وعضوية المستشارين أحمد عبدالفتاح وحسني درويش ومحمد محمود ومتولي محمد ان كان الاصل هو استقلال المسؤولية التأديبية عن المسؤولية الجنائية في العديد من أركان وأحكام كل منها فإنه في حالة ما إذا كانت الجرائم التأديبية تشكل بذاتها بركنيها المادي والمعنوي جرائم جنائية فإنه لا انفصام للمسؤولية التأديبية عن المسؤولية الجنائية في مدى ثبوت حدود الوقائع المكونة للاتهام وصحة نسبته للمتهم فإذا انتفت أي أو كل هذه العناصر في نطاق المسؤولية الجنائية فإنه لا يسوغ قانونا ومنطقا أن تثبت في مجال المسؤولية التأديبية ويلتزم القضاء الاداري بما ينتهي إليه القضاء الجنائي في هذا النطاق، وبالتالي يتقيد القضاء الاداري بحجية الحكم، فيما فصل فيه ضروريا حتى لو صدر الحكم الجنائي بعد صدور القرار المطعون فيه طالما لم يفصل في دعوى المطالبة بإلغائه باعتبار ان الاصل في الاحكام القضائية بصفة عامة هي بحسب طبيعتها لها أثر كاشف.استغلال المنصبوقالت المحكمة في حيثيات حكمها: «لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق ان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن المطعون ضده قد قدم على المحاكمة الجزائية لما اسند إليه من اتهام بأنه حال كونه عضوا بمجلس إدارة بنك قد استغل معلومات غير معلنة توافرت له بحكم منصبه في البنك في الحصول على فائدة لنفسه لشركة عقارية يعمل مديرا لها مخالفا بذلك المادة 140/2 من قانون الشركات التجارية، والتي تنص على أنه «لا يجوز لعضو مجلس الادارةـ ممثلا لشخص اعتباري ـ ان يستغل المعلومات التي وصلت إليه بحكم منصبه في الحصول على فائدة لنفسه أو لغيره، كما لا يجوز له بيع أو شراء أسهم الشركة التي هو عضو مجلس ادارتها طيلة مدة عضويته فيها»، وقد صدر الحكم الجزائي ببراءة المطعون ضده مما اسند إليه، لعدم ثبوت ارتكابه للفعل محل هذا الاتهام وتأيد هذا الحكم بالاستئناف الجزائي جنح مستأنفة وأضحى هذا الحكم نهائيا، وكان الركن المادي المكون للمخالفة التأديبية المنسوبة إلى المطعون ضده سبب القرار الطعين هو في ذات الوقت الفعل المادي المكون للجريمة الجنائية المنسوبة اليه، والتي قضى فيها نهائيا ببراءته مما نسب إليه بعد نفي هذا الاتهام عنه، مما يحوز هذا القضاء الحجية امام القضاء الاداري وهو بما لازمه اعمال مقتضاه عند الفصل في الدعوى ولا وجه للتعدي بالقول ان القرار المطعون فيه اسبق في صدوره على الحكم الجزائي المشار إليه، ذلك أن سلوك سبيل الطعن على القرار الاداري في الميعاد يدخله في طور الزعزعة وعدم الاستقرار الى حين صدور الحكم في دعوى الالغاء، فضلا عن أنه يصطدم مع ما للاحكام القضائية من اثر كاشف حيث رتب الحكم على ذلك عدم قيام القرار المطعون فيه وقت صدوره على سبب يبرره واقعا وقانونا، وانتهى الحكم في قضائه إلى تأييد حكم أول درجة بإلغاء ذلك القرار، ومن ثم فإن الحكم ـ والحال كذلك ـ يكون قد صادف صحيح حكم القانون ويضحى النعي عليه بسببي الطعن على غير أساس، وترتيبا على ما تقدم يتعين رفض الطعن. وكانت ادارة سوق الكويت للأوراق المالية قد احالت عضو مجلس ادارة بنك لثبوت المخالفات بحقه مع آخرين إلى لجنة النظر في المخالفات بالسوق على سند من أنه حال كونه عضوا بمجلس ادارة بنك قد استفاد من معلومات غير معلنة توافرت له بحكم منصبه في البنك، وذلك بتعامل الشركة التي يشغل فيها منصب المدير العام على اسهم ذلك البنك حيث حررت ضده والاخرين مخالفة وبعرضها على لجنة النظر في المخالفات بالسوق اصدرت قرارها بتوقيع جزاء التنبيه عليه بعدم تكرار المخالفة ونعى المطعون ضده على هذا القرار مخالفته للقانون لعدم قيامه على سببه، وكذلك ببطلان اجراءات التحقيق والاحالة وعدم اختصاص لجنة نظر المخالفات، وانتفاء اساس المخالفة وطالب بإلغاء القرار الصادر من سوق الكويت للاوراق المالية.عدم قبول الدفعوقضت محكمة اول درجة اولا: بعدم قبول الدفع بعدم دستورية المادة «15» من المرسوم الخاص بتنظيم سوق الكويت للاوراق المالية المعدل بالمرسوم رقم «158» لسنة 2005 لانتفاء المصلحة، ثانيا بوقف نظر الدعوى واحالتها للمحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية المادة «57» من قرار وزير التجارة والصناعة رقم «35» لسنة 1983 بشأن اللائحة الداخلية لسوق الكويت للاوراق المالية والمادة»1» من قرار لجنة سوق الكويت للاوراق المالية رقم «3» لسنة 1984 بتشكيل لجنة التأديب والاجراءات المتبعة امامها وذلك تأسيسا على أن تشكيل لجنة النظر في المخالفات على الوجه المنصوص عليه في هاتين المادتين من شأنه ان يخل بالضمانات الاساسية للفصل في تلك المخالفات، ويحق للدفاع الذي كفله الدستور في المادة «34» منه.رفض الدعوىوبجلسة 27/5/2007 قضت المحكمة الدستورية برفض الدعوى الدستورية وشيدت قضاءها على اساس ان لجنة النظر في المخالفات بسوق الكويت للاوراق المالية هي بحكم تشكيلها وبحسب طبيعة عملها لجنة ادارية تنحسر عنها الصفة القضائية ولا تباشر عملا من أعمال الخصومة القضائية، وما تقوم به لا يتسم بطبيعة العمل القضائي او يصطبغ بالصبغة القضائية وان ما يصدر عنها في هذا الشأن محض قرار اداري يخضع للرقابة التي يباشرها القضاء الاداري ليحكم تقديره ويقسط ميزانه وينزل حكم القانون عليه اعمالا لولايته في اطار مبدأ المشروعية، ورتب الحكم على ذلك عدم صحة المطاعن الموجهة إلى نص المادتين المشار إليهما من الوجهة الدستورية.وبعد صدور حكم الدستورية جرى تعجيل نظر الدعوى الموضوعية امام محكمة اول درجة وبتاريخ 30/10/2007 حكمت بإلغاء قرار لجنة السوق الصادر في المخالفة رقم «9» لسنة 2005 الصادر في 9/4/2006 فيما تضمنه من توجيه عقوبة التنبيه إلى المطعون ضده مع ما يترتب على ذلك من آثار.واستأنفت الجهة الادارية هذا الحكم وبجلسة 28/4/2008 قضت محكمة الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق التمييز.سببان للحكمواستند مدير سوق الكويت للاوراق المالية بطعنه امام محكمة التمييز إلى سببين، على الحكم المطعون فيه وفي بيان ذلك تقول ان الحكم بنى قضاءه على سند من ان القرار المطعون فيه غير قائم على صحيح سببه، معولا في ذلك على الحكم الجنائي الصادر في الجنحة ببراءة المطعون ضده من التهمة المنسوبة إليه وما اثبته ذلك الحكم في حيثياته من عدم وجود المطعون ضده على رأس عمله وقت حدوث هذا الفعل في حين ان الحكم الجنائي لم يتطرق إلى مسألة استفادته من معلومات غير معلنة توافرت له بحكم منصبه في البنك وعلاقته به وهي سبب القرار المطعون فيه بمجازاته بعقوبة التنبيه وهو ما لا يجوز معه هذا الحكم الجنائي حجية امام القضاء الاداري عند مراقبة سبب القرار وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلاف هذا النظر، وذلك على الرغم من استقلال الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية، حتى ولو كان الفعل المكون لهما واحدا لاختلاف النظام القانوني للجريمتين، فضلا عن أنه لا يسوغ في مقام الحكم على مشروعية القرار وسلامته جعل اثر الظروف اللاحقة ينعطف على الماضي لإبطال قرار صدر صحيحا في حينه، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب تمييزه إلا أن محكمة التمييز رفضت الطعن.