انقسام السياسة الخارجية الأميركية

نشر في 06-10-2012 | 00:01
آخر تحديث 06-10-2012 | 00:01
No Image Caption
معسكر رومني الجمهوري لا يستطيع التخلي عن عالم تكون فيه القوة الأميركية بلا منافس، ما يسمح لواشنطن بفرض إرادتها، وقد يكون الكلام عن العظمة الأميركية مصدر إلهاء عن المصاعب الاقتصادية، لكن من الواضح أن الأميركيين تعبوا من المغامرات الخارجية.
 Roger Cohen الصين قوة تدعم المراوحة... فهي تلقي العظات عن الحوار وعدم التدخل وقدسية السيادة الوطنية لأنها لا تريد حدوث اضطرابات عالمية كبرى تعيق مساعيها الرامية إلى تحقيق النمو الاقتصادي الضروري لإرساء الاستقرار السياسي وبلوغ تنمية كاملة بحلول منتصف القرن الراهن.

روسيا قوة تدعم المراوحة أيضاً، فقد دامت المراوحة فيها 30 عاماً، وفي عهد الرئيس فلاديمير بوتين، تريد روسيا العودة بالزمن إلى الوراء وإعادة العالم إلى المرحلة التي شهدت مواجهة مباشرة بين قوتين عظميين، فمازالت موسكو مستعدة للتفرج على مقتل آلاف السوريين كي تثبت أنها تحتفظ بنفوذ كبير.

أوروبا قوة تسعى إلى ترسيخ سلطتها في العالم، وقد ضعفت بسبب أزمة اليورو والنقص الديمقراطي في مؤسساتها المحرومة من النزعة المثالية التي كانت تحرك طموحات الاتحاد الأوروبي الذي يتمثّل بـ"رئيس" لم يسمع به أحد. ثمة سياسية جادة واحدة في أوروبا اليوم: اسمها أنجيلا ميركل.

لكن ماذا عن الولايات المتحدة؟ كشفت الانتخابات الراهنة عن وجود انقسام حاد في ملف السياسة الخارجية مع أن هذا الاستحقاق كان سيتمحور حول السياسة المحلية لكن تبين أنه ملف مبهم (قد تفيد المناظرات في هذا المجال).

من وجهة نظر الرئيس باراك أوباما، تخوض الولايات المتحدة الآن عملية إدارة مكانتها في العالم: هي تريد استعمال نفوذها بواقعية كي تتمكن من ممارسته بشكل أفضل والحفاظ عليه. أما ميت رومني، فهو ينتمي إلى مدرسة بوتين في مجال السياسة الخارجية، وهو يؤمن بوضع المراوحة الذي كان سائداً منذ ثلاثة عقود، وفي هذا الصدد، هو يُعتبر أقرب إلى الروس حتى لو كان ينتقد موسكو.

بالنسبة إلى رومني، تُعتبر روسيا "بلا أدنى شك الخصم الجيوسياسي الأول"، كما كان الوضع خلال الحرب الباردة، وهو يتصرف وفق قناعة معينة: يجب أن يكون هذا القرن زمن الهيمنة الأميركية مثل القرن الذي شهد الحرب الباردة.

باسم الهيمنة الأميركية، يجب أن تلقي الولايات المتحدة بثقلها على الآخرين من خلال زيادة ميزانيات البنتاغون، ورفض التحاور مع "طالبان"، ومواجهة الصين، ومنح إسرائيل الضوء الأخضر لمهاجمة إيران، والتباهي عموماً بالعظمة الأميركية.

يبدو أن رومني لم يستوعب بعد الكلفة الكارثية المترتبة على الحروب التي اندلعت بعد اعتداءات 11 سبتمبر، كما أن معسكره لا يستطيع التخلي عن عالم تكون فيه القوة الأميركية بلا منافس، ما يسمح للولايات المتحدة بفرض إرادتها.

لا شك أن رؤية رومني تشبه رؤية بوتين لأنها ترتكز على الحنين إلى الماضي حصراً. هي تتخيل عالماً غابراً لم يعد موجوداً، وقد يكون الكلام عن العظمة الأميركية مصدر إلهاء عن المصاعب الاقتصادية، لكن من الواضح أن الأميركيين تعبوا من المغامرات الخارجية.

اتهم الجمهوريون أوباما بأنه يقود مرحلة "إدارة تراجع النفوذ الأميركي"، لكن يمكن اعتبار أن سياسته الخارجية تهدف إلى الحفاظ على النفوذ الأميركي في عالم متداخل، حيث لا يحصل النمو المتسارع في الغرب بل يرتفع الدين الوطني فيه إلى مستويات قياسية ويتراجع التفوق الأميركي على القوى الأخرى.

هو سحب الولايات المتحدة من حرب مكلفة (في العراق)، وحدد موعداً لمغادرة أفغانستان، وتبنى وسائل قليلة الكلفة لقتل الإرهابيين (اعتداءات بطائرات بلا طيار)، وأنقذ الولايات المتحدة من خطر أسامة بن لادن، ومنع إسرائيل من مهاجمة إيران وبالتالي شن حرب غربية كارثية ثالثة في بلد مسلم خلال عقد من الزمن، ووجد طرقاً للتعاون مع روسيا والصين، ومنح الحلفاء الأوروبيين أدواراً قيادية في ليبيا، وتجنب استعمال القوة عموماً وسعى إلى استعمال القوة الدبلوماسية الأميركية، وقد اتضح ذلك على مواقع "تويتر" و"فيسبوك" و"غوغل" و"أبل".

ارتكب أوباما أخطاء كبيرة في أفغانستان، ورفض توضيح عقيدة استعمال الطائرات بلا طيار مع أنه يدين بتفسير للرأي العام، ولم يعارض قمع الانتفاضة الإيرانية في عام 2009. كذلك، كان رده على مقتل أربعة أميركيين في ليبيا، منهم السفير الأميركي، ضعيفاً.

لكنه نجح بشكل عام في تعديل السياسة الخارجية الأميركية وفق معطيات العالم المتغير، إذ لم يكن التغيير جذرياً في أي مكان أكثر من الشرق الأوسط، حيث أفلست السياسة الأميركية القديمة (دعم الحكام الدكتاتوريين بحجة صون الاستقرار وكبح المجاهدين والحفاظ على تدفق النفط)، فأدى هذا النوع من النفاق الأميركي إلى تأجيج غضب السلفيين.

لكن لا بد من الاعتراف بأن أوباما دعم العمليات الانتقالية في مصر وتونس وليبيا وأماكن أخرى، وفي نهاية المطاف، من مصلحة الولايات المتحدة على الأرجح أن تدعم المجتمعات التي لا تنشئ ظروفاً تحوّل الشباب إلى قتلة معادين للغرب. ومن مصلحة الأميركيين أيضاً أن تواجه أحزاب إسلامية مثل "الإخوان المسلمين" مشكلة التطرف الإسلامي: ستكون الدروس المستخلصة مهمة على مستوى طريقة تولي السلطة.

إذا تمكنت مصر، أكثر الدول العربية اكتظاظاً، من التحول إلى دولة صديقة ديمقراطية للغرب، فسيكون الأمر إنجازاً استراتيجياً.

أوباما محق حين يسعى إلى نقل أموال نقدية بقيمة 450 مليون دولار إلى مصر فوراً. لكن يرفض الجمهوريون هذا القرار (أعلنت النائبة الجمهورية البارزة كاي غرانغر عن ولاية تكساس أنها لن تدعم ذلك القرار بينما اعتبر رومني أن جميع العرب خطيرون أو رجعيون). يثبت هذا الرفض الجمهوري انتماءهم الغريب لمدرسة بوتين: الحفاظ على المراوحة بأي ثمن كما حصل في عام 1982!

back to top