ظلال سبتمبر...وإخفاق إدارة بوش مع العرب

نشر في 10-09-2012
آخر تحديث 10-09-2012 | 00:01
 د. عمرو حمزاوي أضحى من المتعارف عليه حين النظر إلى السياسة الأميركية الراهنة تجاه منطقة الشرق الأوسط الربط بين توجهاتها الرئيسية وتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي تحل غداً الذكرى السادسة لوقوعها. صاغت الحرب على الإرهاب وغزو أفغانستان وغزو العراق وأحاديث إدارة بوش المتوالية بشأن تغيير النظم ودعم التحول الديموقراطي عربياً المشهد الشرق أوسطي، واستحالت معها الولايات المتحدة إلى القوة الفاعلة الرئيسية على أرض واحدة من أكثر مناطق العالم توتراً. فهل نجحت القوة العظمى خلال السنوات الماضية في حماية مصالحها في عالمنا والقضاء على مصادر التهديد الواردة عليها، أو بعبارة بديلة هل تبدو واشنطن اليوم، وبحسابات الواقع السياسي-الاستراتيجي في الشرق الأوسط، في موقع أفضل من ذلك الذي كانت تحتله قبل سبتمبر 2001؟

من دون الولوج إلى إعادة سردية للعديد من التفاصيل والتطورات، يمكن القول إن كشف حساب المكسب والخسارة يظهر بجلاء أن المصالح الأميركية تتعرض اليوم لتهديدات أشد خطراً وأكثر تنوعاً من حيث مصادرها، إذا ما قورنت بنظائرها قبل 2001، بل تشكل وللمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات محورا إقليميا تقوده إيران يعادي الولايات المتحدة ويرغب في منازعة مشروعها للهيمنة. تنطبق الصورة القاتمة ذاتها على محاولة إدارة بوش التي تبلورت في أعقاب سبتمبر 2001 للتأثير على توجهات الرأي العام العربي وتغيير النظرة السلبية السائدة للولايات المتحدة ولسياستها في الشرق الأوسط، من خلال تفعيل أدوات القوة الناعمة المتاحة لواشنطن، باتباع دبلوماسية عامة نشيطة وإنشاء قناة «الحرة» وإذاعة «سوا» الناطقتين بالعربية لكسب ما اصطلح على تسميته حرب القلوب والعقول.

تفيد معظم استطلاعات الرأي العام الراهنة، والعديد منها أجرته مؤسسات أميركية حكومية ومستقلة، بأن «الحرة» و«سوا» -خاصة الأولى- لم يجتذبا من المواطنين العرب سوى نفر قليل، وبأن الصورة السلبية للسياسة الأميركية ربما ازدادت تجذراً في المساحة الممتدة بين المغرب والبحرين. وللإخفاق الأميركي هنا العديد من المسببات التي تجمع بين العام المتعلق بالمقاربة، والخاص المرتبط بطرائق التطبيق.

فمن جهة أولى، استند تنشيط الدبلوماسية العامة باتجاه العالم العربي وإنشاء القنوات الموجهة إلى إعادة إنتاج واضحة للمقاربة التي حكمت دور واشنطن الإعلامي-الدعائي في أوروبا إبان الحرب الباردة وفي سياق المواجهة مع الكتلة الاشتراكية. لم يتدبر صانع القرار الأميركي طويلاً في الفروق الجوهرية بين شعوب أوروبا الشرقية والمواطنين العرب. فقد بهر نموذج الحياة الغربية أغلبيات واضحة في أوروبا الشرقية وامتلك وجدانها الجمعي ومن ثم دفعها إلى التلهف على الاستماع إلى برامج «راديو أوروبا الحرة» وقراءة المطبوعات الأميركية والأوروبية الغربية، على الرغم من مخاطر ذلك الأمنية، أما المواطنون العرب فيعنيهم قبل كل شيء السياسات الأميركية في الشرق الأوسط ويرون بتوجهاتها الرئيسية استمرارية في التحامل على الحقوق والمطالب العربية وانحيازاً لأطراف أخرى أهمها إسرائيل، وتلك حقائق ليس لإعلام موجه أن يغيرها، بل ترتب هي فقدانه لمصداقيته.

الأخطر من ذلك هو أن إدارة بوش تجاهلت تمايزاً رئيسياً آخرا بين المنظومة الإعلامية في الكتلة الاشتراكية السابقة ونظيرتها في العالم العربي اليوم. فعلى خلاف المواطن البولندي أو الألماني الشرقي في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين الذي لم يتح له سوى المفاضلة بين إعلام رسمي موجه ورتيب وإعلام خارجي موجه وجذاب، رتب التنوع المتزايد لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة في عالمنا تعدد اختيارات المواطنين وتجاوزها ثنائية الإعلام الحكومي-الإعلام الخارجي، فالمنافسة الحقيقية لـ«الحرة» و«سوا» لا تأتي من القنوات الأرضية الحكومية في القاهرة أو الرياض أو عمان، بل من فضائيات وإذاعات شديدة الجاذبية كـ«الجزيرة» و«العربية» و«أبو ظبي».

من جهة ثانية، وعلى الرغم من الصعوبة الفائقة لمهمة تحسين صورة الولايات المتحدة عربياً في لحظة ترابط فيها قوات احتلال تابعة للقوة العظمى على أرض دولة عربية تمور باضطرابات وتوترات مريعة ويندفع في سياقها الحليف الإسرائيلي للاستمرار في الاعتداء على قطر عربي آخر، أملاً في تغيير خريطة التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط لمصلحة واشنطن، فإن التخبط المستمر في إدارة الإعلام الأميركي الموجه للعالم العربي أسهم أيضاً في الإخفاق.

هل المطلوب من «الحرة» و«سوا» أن يكونا أدوات دعائية تبريرية مهمتها في المقام الأول الدفاع عن السياسات الأميركية، أم ان المرجو هو تطوير أدوات للتغطية الإعلامية الموضوعية ذات توجه ليبرالي يتماشى مع نموذج حياة المجتمع الأميركي؟ حتى اليوم وبعد سنوات من تأسيس «الحرة» و«سوا» لاتزال إدارة بوش ومعها الكونغرس على تأرجحهما.

لم تتمكن الولايات المتحدة من حسم حرب القلوب والعقول في الشرق الأوسط لمصلحتها وإخفاقها هنا مرشح للاستمرار.

* كبير باحثين بمؤسسة «كارنيغي لدراسات السلام» - واشنطن

back to top