مجتمع الأرامل في الرواية... بين الفانتازيا والكوميديا

نشر في 14-11-2012 | 00:02
آخر تحديث 14-11-2012 | 00:02
No Image Caption
حين حصلت على روايات عربية وأجنبية مترجمة تتحدث عن «مجتمع الأرامل» وبدأت الكتابة عن هذا الموضوع المثير، لم أكن أتوقع أن لفظة الأرملة غاوية إلى هذه الدرجة في كتابة الروايات، سواء كانت رديئة أم جيدة. وجدت من خلال البحث عبر الإنترنت عشرات الروايات والأفلام التي تتحدث عن الأرامل ودلالاتهن في المجتمع والدين والحرب.
كأن «تعاسة» الأرملة في الواقع تغدو سحراً في الكتابة، والمأساة تنقلب دعابة لفظية تثير القارئ وتجذبه إلى متابعة مكنون الكتابة والحكاية. وإذا كان تناول الأرامل في جانب منه يظهر بعض التخيّلات السخيفة والسوقيّة الناتجة من المجتمع البطريركي، لكنه من جانب آخر يحمل دلالات كبيرة تبيّن الواقع السياسي والثقافي والإنساني للمجتمعات والدول والمدن والقرى. والكتابة عن الأرامل تؤرخ لذاكرة الحروب الطويلة التي شهدها العالم خلال القرن العشرين، وحملت معها الكثير من المآسي والتراجيديات.

 تحضر الأرملة في روايات ماركيز وتوماس مان، وفي المقابل تجدها بقوة في قصص «عبير» و{ناتالي».

ثمة روايات كثيرة تتحدث عن الأرامل في المجتمعات، من بينها رواية صدرت قبل سنوات عن دار «نينوي» بعنوان «الأرامل» للكاتب الأميركي اللاتيني ايريل دورفمان (ترجمة عبد الوهاب المقالح). وتتحدث عن اختفاء الرجال على أيدي البوليس السري للدكتاتوريات، من دون أن يظهروا مجدداً. أو هي حكاية المصائر «المعلّقة» التي تجعل 37 أرملة، يتنازعن على شيء واحد، ليس سوى (جثة): «ها نحن قد سجلنا رقماً ما، في حين أننا نفشل دائماً فشلاً ذريعاً في المنافسات الرياضية، أرامل كثر، لجثة واحدة، أكثر من أي مكان آخر». وقد بلغ بهن اليأس إلى ادعاء تعرفهن إلى الجثة، فتقرر إحداهن أنها جثة زوجها الذي اختفى منذ عام مضى، وتصرّ الأخرى على أنها لوالدها وتعد بإقامة طقوس العزاء والدفن له، رغم أن وجه الجثة لم يعد سوى مادة كانت ذات يوم وجهاً وأضحت «متفسخة متلاشية، بما تعرضت له من سحق وارتطام وتنقيع».

تصور «الأرامل» الحرمان الذي لم يكن من العائلة والبيت والحياة فحسب، بل أمتد ليطاول قبور هؤلاء المفقودين الذين لا يعرف أين أو كيف ماتوا!؟

كأن الأرملة وجدت لتكون من ضمن الروايات التي تستند إلى الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية، هذا ما يظهره الروائي الكولومبي جيمس كانيون في رواية «حكايات من ضيعة الأرامل/ ووقائع من أرض الرجال» (ترجمة السوري خالد الجبيلي عن دار الجمل). رواية تمزج بين السياسة والدين والجنس، هي إلى حد شبيهة برواية ايريل دورفمان لناحية الشكل. في رواية  الأخير، تتنازع الأرامل حول الجثة، وتكمن القضية في رواية جيمس كانيون في فقدان الرجال، وبالتالي فقدان الجنس والنسل.

 تحكي رواية كاينون قصة مشحونة بجرعات عالية من الواقعية السحرية التي اشتهر بها كتاب أميركا اللاتينية. ففي 15 نوفمبر 1992، يقتحم الثوار ماريكيتا، قرية كولومبية جبلية نائية، ويرغمون رجالها على الالتحاق بصفوفهم، ويقتلون فوراً كل من يقاومهم أو يرفض الاستجابة لطلبهم، ولا يبقى في القرية إلا الأرامل والعوانس، بالإضافة إلى قسيس القرية وفتى أبيض البشرة، يتنكر في هيئة فتاة.

والحال أنه حيث وجد الطغيان والحروب وجدت الأرامل بكثرة. لاحظ الروائي غابرييل ماركيز من خلال معرفته ببعض ديكتاتوريي أميركا الجنوبية أن هؤلاء تجمعهم رابطة غريبة مشتركة: إنهم جيمعاً أبناء أرامل. بالطبع، ينزعج كثر من هذا التأويل الروائي، خصوصاً أن ماركيز كان يمزج الواقع بالخيال، لكن عندما كان يكتب عن الدكتاتوريات، كان يبدو الواقع الذي ينقله أغرب من الخيال، هذا ما نلاحظه في روايته «خريف البطريرك».

ومنذ الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية والفيتنامية، ومروراً بالحرب اللبنانية والحرب العراقية - الايرانية واحتلال بغداد من الأميركيين عام 2003 والحرب الأفغانية، وصولاً إلى الحرب السورية... كانت العلامة البارزة في هذه الحروب المريرة بروز «مجتمع الأرامل».

مدينة الأرامل

اختارت الكاتبة هيفا زنكنه «مدينة الأرامل» عنواناً لكتابها، وهو ليس رواية أو قصة بل دراسة عن الواقع الخطير الذي يعصف بالمرأة العراقية ويلقي بتداعيات كبيرة على المجتمع بأسره. تهدي زنكنه كتابها إلى فتاة عراقية لا تفارق الذاكرة العراقية، إنها عبير قاسم حمزة الجنابي، فتاة الرابعة عشرة التي اغتصبها الجنود الأميركيون وأشعلوا النار فيها في مدينة المحمودية جنوب بغداد، في تاريخ 12 مارس عام 2006، وفي هذا الإهداء تفتتح الكاتبة نافذة الحديث عن المرأة العراقية من إحدى أهم الزوايا، مختصرة آلاف القصص المأسوية.

تشكلت مدينة الأرامل في العراق لتسجل الرقم الأعلى بين دول العالم، قياساً بعدد سكانه من الأرامل، وفيها تجد مليون مأساة ومأساة. ولا يختلف الأمر في أفغانستان، فقد كتبت مرال معروف رواية واقعية بعنوان «معسكر الأرامل»، تحكي قصة زيارتها معسكر الأرامل في ناصر باغ في باكستان، حيث لا يعيش إلا النساء والفتيات ومعهن أولادهن الذين لا يتجاوز عمرهم 13 عاماً. كذلك يعيش فيه النساء والأطفال الذين فقدوا أهليهم. مع هؤلاء تعيش أمهات وزوجات الشهداء، لا حول لهن ولا قوة. ولا ملجأ لهنّ، كذلك تلك اللواتي لم يبق لهن أحد في الدنيا. ويضمّ الكتاب قصصاً روائية واقعية عدة حاولت الروائية رسم معالم الإذلال والفقر الذي يعيشه سكان هذا المعسكر، الذي حددت نوعيته بالعرق الأنسوي فحسب والأطفال ما دون 13 عاماً، أما الرجال فلا مكان لهم سوى القبور أو ساحات المعارك.

في السياق نفسه، أصدر الكاتب المصري طارق إمام رواية «الأرملة تكتب الخطابات سراً» عن دار «العين للنشر»، بطلتها أرملة مسنة تعيش وحيدة في مدينة صغيرة وتكتب خطابات غرامية في الخفاء لمراهقات المدينة ليرسلنها إلى عشاقهن، لكن حياتها تنقلب رأساً على عقب فجأة عندما تتعرض لحادث لا يصدق، أشبه بمعجزة. لتبدأ رحلة بحث جديدة في نهاية عمرها عن ذاتها المفقودة. الأرملة تُعلمنا أن ليس من المهم أن تحب ولكن الأهم أن تعرف كيف تحب، كيف تكتب رسائل غرامك، كيف تصنع من قصة غرامك قصة بديعة، حتى ولو كانت أكثر فنية من الحياة. الأرجح أن توظيف الأرملة في الرواية يزيد من فانتازيا الخيال، خصوصاً في العلاقات الغرامية، وهذا لا يعني أن بعض الكتاب يكتب عن الأرملة من موقع أنها تفقد زوجها وتتبدل حياتها وتحزن كما فعلت الروائية الأميركية جويس كارول واتس التي قدمت رواية عنوانها «قصة أرملة».

الأرملة المقصودة هي نفسها، حيث إنها فقدت زوجها في عام 2008 إثر إصابة رئتيه بالتهاب أنهى حياته. كان ذلك بمثابة «سقوط حرّ» بالنسبة إليها، كما تقول. ذلك الموت وما ترتب عليه من تغيير جذري في مسيرة حياتها وتحوّل مكانتها من زوجة إلى أرملة هو موضوع هذا الكتاب. تروى الكاتبة بالتفصيل تجربتها مع مرض زوجها الذي دخل المستشفى بسبب إصابة بالرئتين، ثمّ تحاول الدخول إلى أعماق تجربة الترمّل وآلامها ومدى ما يترتب عليها من التشويش الذهني لمن يعيشها. وتتزاحم الأسئلة التي لا إجابات عنها مثل: كيف يمكن أن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها؟ واستمرار مشاعر أن في الأمر خطأ وأن الراحل لم يرحل وماذا لو عاد؟ وذلك الاندفاع المتجدد دائماً لسماع آخر الرسائل الصوتية التي تركها على شريط تسجيل الرسائل الهاتفية، إنها متعة «سماع صوته مرّة بعد أخرى».  

نقرأ بعض الأدب الجيد عن الأرملة ونشاهد بعض الأفلام، ومع أن الأرملة لها خصوصيتها في النصوص الدينية وحتى القصص الدينية ولكن في جانب من جوانب التوظيف السلبي نقرأ عناوين أبرزها: «الأرملة ورجال الأعمال، غرام أرملة، أرملة محترمة جداً، الأرملة العاشقة، الأرامل والولي الأخير، الأرملة الحامل، الأرملة والشيطان، الأرملة العذراء، الأرملة الطروب، الأرملة الساخنة، الأرملة الصغيرة، الأرملة وطفلها، الأرملة والسكران، الأرملة والثلج».

back to top