متى توقف «القائمة العراقية» تلاعبها السياسي؟

نشر في 08-12-2012
آخر تحديث 08-12-2012 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر   مازالت الأزمة الأخيرة بين الإقليم والمركز ترمي بظلالها على المشهد السياسي في العراق، رغم تضاؤل احتمالات الدخول في نزاع مسلح بينهما بعد ضغوطات خارجية على الطرفين. وقد تعودنا في العراق "الجديد" أن تنبري أطراف داخلية وخارجية للتوسط في الأزمات المتلاحقة التي يمر بها العراق منذ 2003 حتى الآن، لكن الغريب هذه المرة أن يكون الوسيط هو الطرف المعني بالموضوع أكثر من غيره، حيث عرضت "القائمة العراقية" خدماتها لتكون هي من تضع اللمسات الأخيرة في المفاوضات الجارية بين المركز والإقليم، بعد أن مارست أميركا ضغوطاً لنزع فتيل الأزمة بين الجانبين.

والمفارقة أن الموقف السنّي العربي مكشوف عند الطرفين الشيعي العربي والكردي، ولذلك تحولت "العراقية" إلى قائمة بدون ملامح سياسية يصعب التعامل معها كوسيط نزيه ذات مصداقية حيادية. ويمكننا تلخيص التقية السياسية التي تمارسها العراقية في النقاط التالية أدناه.

- المناطق المحتلة هي مناطق كردية متماسة مع المناطق العربية السنّية، ولهذا فإن القضية تعنيهم أكثر ما تعني الجانب الشيعي المتمثل بالمركز. ورغم المشاكل الكثيرة بين المكون السنّي العربي والحكومة المتمثلة بالمكون الشيعي بقيت "القائمة العراقية" تمسك العصا من الوسط في الأزمة الأخيرة وبدون موقف محدد منها، وتصريحاتها حول الأزمة الأخيرة لا تخرج في أحسن الأحوال من انتقاد الممارسات الدكتاتورية للمالكي بشكل عام دون الخوض في جوهر الخلاف الحالي.

- الطرف السنّي "الوسيط" في الأزمة الأخيرة يحاول من خلال وساطته الحصول على مكتسبات على أرض الواقع، مستغلاً الصراع الحالي بين المركز والإقليم الذي أثاره المالكي بطوباويته المعهودة، فالمقترحات التي حملها النجيفي وسيحملها في زيارته الأخيرة تتلخص بأن تكون هناك سيطرات مشتركة بين ما يسمى مجازاً بالجيش العراقي وقوات البيشمركة، بينما يتولى أبناء هذه المناطق مهام حماية مناطقهم، وتتولى الحكومات المحلية في مجالس المحافظات التابعة لها الإشراف عليها إدارياً. وهذا التشتيت في المهام يكسب الجانب العربي بشقيه السنّي والشيعي أفضلية في هذه المناطق، ويضعف السيطرة الكردية عليها، وهذا ما كان الطرف السنّي يحاول تطبيقه منذ فترة طويلة لكي يخترق السيطرة الكردية على هذه المناطق ولكن دون جدوى.

- تحاول "القائمة العراقية" التعامل بمطاطية حيال الأزمة الأخيرة وعدم الخوض صراحة في جوهرها في نفس الوقت الذي تظهر بعض الأصوات من هنا من المنتمين إلى القائمة العراقية في تصريحات منفردة (تتبرأ منها العراقية أحياناً) بإظهار رفضهم لوجود قوات البيشمركة في المناطق المستقطعة خصوصا كركوك، لإدراكهم أنهم لا يشكلون الأغلبية في هذه المناطق فيلجأوا إلى تأكيد عراقية هذه المناطق لا عروبتها، وطبعاً عندما تكون كركوك عراقية وتابعة للمركز، وبما أن المركز هو ذات أغلبية عربية إذن فهم بالتالي عندما يدعون إلى عراقية كركوك فهم يدعون إلى عروبتها.

- التركيز العربي السنّي على لغة الحوار بين الإقليم والمركز حالياً ليس بسبب إيمان هذا المكون بأن حل المشاكل في العراق يجب أن يكون بالحوار، بقدر إدراكهم بأن أي صدام حالي بين المركز والإقليم ستكون نتيجته لمصلحة الإقليم، مما يعني إنهاء حلمهم وإلى الأبد لإمكان السيطرة على هذه المناطق التي استقطعوها من الإقليم في زمن الحكم البعثي.

- بعد أن لاحت بوادر انفراج للأزمة بين الإقليم والمركز وإدراك الطرفين أن استخدام السلاح ليس من مصلحة أي منهما، بدأ أعضاء من "القائمة العراقية" ركوب ظهر الأزمة لحشد الأصوات في الانتخابات القادمة، وبدأ اللعب مرة أخرى على الوتر الوطني والقومي، فقد صرحت ميسون الدملوجي بأن "العراقية" لن تتنازل عن شبر واحد من كركوك (طبعاً هذه الجملة موجهة إلى جماهير "القائمة العراقية" في تلك المناطق)، ثم استدركت لتقول لن نقبل بأي مساومة على عراقية كركوك مثلما لا مساومة على عراقية كردستان (بينما هذه الجملة موجهة إلى الطرف الكردي لتخفيف حدة لهجة الجملة الأولى)، حيث يمكن فهمه أن "العراقية" تنحو هذا المنحى لكونها تؤمن بأن كردستان عراقية مثلما هي كركوك عراقية.

- "التقية" السنّية السياسية لا تكمن فقط في الداخل العراقي بل تعدته لتشمل تقية سنّية عربية خارج حدود العراق، فقد أصدرت هيئة علماء المسلمين التي يترأسها القرضاوي بياناً شجبت فيه لجوء المالكي إلى لغة السلاح لحل مشاكله مع الإقليم، مذكرة إياه بأن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تستطع إخضاع الطرف الكردي لإراداتها. البيان بمجمله موضع تقدير لنا ككرد ولكن لو رجعنا إلى الوراء قليلاً لرأينا أن نفس الهيئة كانت ساكتة وصامتة إزاء كل انتهاكات حكومة صدام حسين تجاه الكرد سابقاً، ليس هذا فحسب بل إن القرضاوي نفسه كان متأثراً جداً بإعدام صدام حسين، وقد أجهد نفسه لوصف مشهد إعدامه، مع أنه يعرف أن هذه الرقبة التي جزت تتحمل مسؤولية بحار من الدماء الكردية التي سفكت على يدي صاحبها بدون ذنب.

هذه كانت بعض النقاط التي توضح التلاعب السياسي الذي تمارسه "العراقية" منذ 2003 حتى الآن، وعادة ما تتحرك هذه القائمة في منطقة الأعراف بين جهنم الأحداث وجنتها، وتلعب على الطروحات السياسية للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من جماهيرها المتشرذمة والحفاظ على علاقات طيبة مع الطرف الكردي مقابل غريمها التاريخي قائمة "التحالف الوطني"... والسؤال هنا إلى متى تستطيع "العراقية" اللعب على هذا الوتر؟ وهل ستتمكن من الضحك على الشعب العربي في العراق حتى النهاية؟

* كردستان العراق – دهوك

back to top