في معنى الراقصة

نشر في 10-05-2012 | 00:01
آخر تحديث 10-05-2012 | 00:01
No Image Caption
يستمتع بعض الجمهور بمشاهدة الرقص الشَّرْقيّ وتسعده كثيراً نماذج سامية جمال ونجوى فؤاد وتحيّة كاريوكا، لكن هذا البعض يقابله فريق كبير من العرب، نتيجة الثقافة السلطوية السائدة، يبتذل مهنة الرقص باعتبارها أكثر أشكال الإغراء فحشاً.

من خلال لغة الناس يمكن للمرء أن يعرف «معاني» الراقصة في النسيج الاجتماعي، ففي القاهرة يسمونها «الفنانة»!! وفي بعض القرى المصرية يقولون عنها «الغازية»، وفي الحارات هي «العالمة»، و{الرقاصة» في الأفراح، حتى إنهم يقولون في السباب «يا ابن الرقاصة»...

والراقصة في الذهنية «الشعبوية السوقية» لا يدوم ودها لأحد... لذا شبهوا الدنيا بها فقالوا: «الدنيا زي الغازية، الراقصة، ترقص لكل واحد شوية»... ويعتقد كثر بأن الراقصة لا يمكن أن تتوب عن الرقص، ذلك الفن الخليع الذي يتهافت الجميع على مشاهدته... فقالوا: «تموت الرقاصة ووسطها بيلعب».

الراقصة الغازية بلغة أهل الريف القدماء كانت تأتي في فرح «العمدة» لأنه أغنى رجل في القرية وأكثرهم فساداً وانحرافاً بحكم بذخه وترفه، وسميت بالغازية اشتقاقاً من كلمة الغزو. وبالذكاء الفطري الذي يتمتع به أهل الريف أطلقوا على الراقصة كلمة «غازية»، أي أنها جاءت لتغزو عفتهم وحياءهم وتقاليدهم وأعرافهم وقيمهم ودينهم، فيما سميت «الغازية» في المدينة بالعالمة لأنها تكون معلومة لأهل المدينة.

كتب سامي البحيري أن الراقصة في مصر سميت بـ{العالمة» (أي أنها «عالمة» ببواطن الأمور!!)، فكان يقال: «بمبة كشر العالمة»، «وزبيدة الكلوباتية العالمة»، و«بديعة مصابني العالمة». ولأهمية الراقصات في مصر، أطلق المصريون اسم بديعة على كوبري مهم في القاهرة («كوبري بديعة»)، تغير في ما بعد إلى «كوبري الجلاء»! وقد ميز علم النحو المصري بين عالم الأزهر وعالمة الرقص، فجمع العالم «علماء» ويقال: {هيئة كبار علماء الأزهر»، أما العالمة فالجمع منها: «عوالم» ويقال: «عوالم شارع محمد علي»! (إيلاف الأربعاء 8 يونيو 2011).

والاعتقاد السائد لدى الناس هو أن الراقصات الشرقيّات اللواتي يترددن إلى الملاهي الليلية يخضعن للتصنيف بأنهنّ يقدّمن نوعاً من المكافأة لخدمات جنسية سريّة. وجاء في كتاب «مهنة مثل كلّ المهن» للمستشرقة كارن فان نيوكيرك أنّه كان ينظر إلى عمل المرأة في الملاهي الليليّة بصورة سيئة، خصوصاً من الطبقات المتوسطة وما تحتها ممن لم يدخلوا تلك الملاهي. وساهم كثر من صانعي السينما المصريّة، في تكوين ذلك الموقف السلبي تجاه فن الرقص الشرقي عموماً والراقصة الشرقية خصوصاً، فثمة أفلام كثيرة تحكي عن فتاة «شريفة» (عفافية) اضطرّت إلى العمل كراقصة بسبب الفقر والظروف الاجتماعية والمعيشية السيّئة.

يحاول بعض الأفلام المصرية أن يتسوّل التبرير الأخلاقي لممارسة الرقص، الأمر الذي عمّم المحاكمة الأخلاقية لهذا الفن وعمل على وضعه في أحط المراتب وأكثرها دونيّةً وابتذالاً واحتقاراً. ويعزو إدوّارد سعيد سقوط أو سوء فهم هذا «الفن الراقي» (الشَّرْقيّ) إلى مرحلة من مراحل الازدهار المصريّ أواخر أيام الملك فاروق أو حين أتت فورة النفط بالأثرياء إلى مصر. وهذا ما يصح أيضاً على لبنان حين كان ساحة الترفيه للعالم العربي، وظهر آلاف الفتيات الجاهزات للعرض في حين كان النادي الليلي مجرد واجهة موقتة.

back to top