ليان

كبرت "ليان" بسرعة، انضم لها الشباب المتحمس، يزورون اللاجئين السوريين في مناحي شمال لبنان، يبيتون أياماً بينهم أو بين أصحاب اللجان الخيرية المسؤولة عنهم، يتفقدون الأحوال ويوثقون الأعداد، عمل لا غرض منه ولا هدف وراءه ولا أحد يعلم به، لا أحد. خابرنا شباب "ليان" كمجموعة من الناشطين الكويتيين، قالوا رافقونا حيث الإنسان لا يجد سبيلاً للبقاء إنساناً، فقلنا نرافقكم، نتفقد إنسانيتنا في الطريق، نتمم على قلوبنا، أأكلتها المصالح؟ أأعمتها الراحة؟ أجففها النسيان واللامبالاة؟هناك على الحدود، حيث لا مشاغل ولا مصالح، تجد نفسك في مواجهة مع النفس، مع معنى الحياة، مع التضاد الشاسع بين المصائر. صور وقصص لا تحفر في ذاكرتك، ولكنها توشم في أعماق النفس، كلما تذكرتها اشتعل الوشم حريقاً في كبدك. فمن أسرة تعيش في مزرعة دواجن، تتنفس هواءً معجوناً بروث الحيوانات، تدفع مقابل سكناها خدمة الأم العليلة في المزرعة، لتعود لخرابتها التي تسكن آخر النهار ينتظرها زوج أكثر مرضاً وأربعة أولاد حفاة عراة، إلى أخرى تنزل ضيفة على بلاط بيت صديق فقير، يحملون معهم ابنة ضريرة، تلتصق بثوب أمها كلما سمعت أصواتنا الغريبة، تنتفض كجرو مبلول، ومعها تنتفض السماوات والأرض وما تبقى في نفوسنا من حياة. ثم نعود، نعود لا كما ذهبنا، نعود ومعنا أطفال وأسمال، معنا نحيب ودموع، معنا أم حمزة وأطفالها الخمسة، تصنع لنا، بعد أن وفر لها فريق "ليان" المال المطلوب، "مقلوبة" سورية، تفرش لنا سفرتها على استحياء فوق بلاط غرفتها. في مطبخها الخالي أقف أدندن معها ترنيمة سورية، نضحك، تخترق رائحة الأرز الشهي رأسي، "لا شيء يشبة طبخ الست السورية يا أم حمزة"، "أنا فنانة في الطبخ يا دكتورة"، "أحمد الله أن زوجي لم يذق طبخك إذن يا ستي"، نضحك، نغرف الأرز، تتلامس الأيادي، تنظر في عيني "كنت يوماً زوجة لها قيمة مثلك يا دكتورة"، "أنت اليوم زوجة ومناضلة قيمتها أكبر من قيمتي يا أم حمزة"، تغرورق عيناها، تمسح وجهها بطرف كمها وتكمل دندنتها، تتحدى بها الزمن والظلم وسترتي الصوفية التي تعريني لبرد الضمير بينما تتدفأ هي بفستانها الأخضر ناحل اللون، تدور به في مطبخها الخالي، تغني، أصفق لها، ونسكب الأرز.لم أشبع كما شبعت عند أم حمزة، ولم أجع كما جعت على طرقات طرابلس، جوعاً يلفك لأي شيء أو أي شخص يقول لك إن ما ترى وتسمع ليس بحقيقة، ولكنها الحقيقة، حقيقة نظام شرد أهله وقطع أوصال مجتمعه وأعمل سكين الحاجة والعوز والخوف في أحشاء أطفاله. دونكم ليان، خلدوا ذكراها، دونكم "ليان" ساعدوا شبابها، كل مبادرة تحدث فرقاً، تستر عائلة، تحيي لياناً ما كان يجب أن تموت.للتواصل: الصفحة الإلكترونيةhttp://layangcc.net/main /البريد الإلكتروني [email protected]