«الديمقراطية المنقوصة» لمحمد نور الدين أفاية كيف يمكن الخروج من الاستبداد؟

نشر في 31-10-2012 | 00:01
آخر تحديث 31-10-2012 | 00:01
No Image Caption
صدر أخيراً عن «منتدى المعارف» كتاب «الديمقراطية المنقوصة، في ممكنات الخروج من التسلطية وعوائقه»، للمفكر محمد نور الدين أفاية، وتقديم عبد الإله بلقزيز.
يطرح المفكر محمد نور الدين أفاية سؤالين في كتابه الأخير هما: كيف يمكن الخروج من الاستبداد والانخراط في معمعة الديمقراطية؟ وإلى أي حد يمكن إعادة تأسيس السياسة على أنقاض اللاسياسة وتقاليد الإذعان والإذلال؟

يعتقد أفاية أن هذين السؤالين الكبيرين تطرحهما الأحداث التي تجري الآن في أكثر من بلد عربي. والاقتراب منهما لا يبدو أنه عملية سهلة، لا سيما أن الانفعال يسيطر على إمكانات التعقل لأسباب يعود بعضها إلى المكبوت المتراكم عبر التاريخ، وبعض آخر إلى الضجيج الذي برعت وسائل الاتصال السمعي- البصري تحديداً في إحداثه. لذلك يجد المرء نفسه تحت سطوة عناصر تجيش عوامل الإدراك أكثر مما تستنفر شروط الوعي.

يضيف أفاية أنه صاحب تعاليق لا حصر لها منذ انطلاق الشرارة الأولى في تونس، مروراً بالسقوط المروع لحسني مبارك في مصر، والاهتزازات التي انطلقت في البحرين واليمن وليبيا وسورية. كذلك ثمة ساحات عربية أخرى لا تزال تشهد احتجاجات تطالب بالإصلاح والتغيير واستعادة الكرامة والحرية والديمقراطية. ولتوظيف هذا الذي يحدث، ثمة من استعمل من العرب، ومن غيرهم، صيغ «الربيع العربي»، «الثورة»، «الصحوة»، و»الانتفاضة».... إلى ما هنالك من مسميات تحتاج إلى انتباه وتدقيق، فاختلط قاموس الإعلام، وحسابات من يقف وراءه، مع لغة البحث والتفكير الذي من المفترض أن يشكل المسافة الضرورية للكشف عن أشكال الالتباس كافة.

وقائع

يشير صاحب «الديمقراطية المنقوصة» أن مساهمته هذه لا تدعي الجواب عن سؤال الاستبداد والديمقراطية، وإنما هي محاولة لفهم تعقد الوقائع، وغموض القوى الفاعلة في الأحداث. كذلك لا يسعف اجترار الشعارات، وهي مفيدة في العمل السياسي المباشر ولا شك، في التقاط المعلن والمستتر في الخطابات والمواقف المختلفة. وهي مساهمة لا تتردد في استحضار بعض مظاهر القلق في الفهم: فهم التسلطية والتعددية والديمقراطية والإصلاح والنخبة والتقليد والتحديث، سواءً تعلق الأمر بما يجري في بعض الساحات العربية أم همّ متغيرات سياسية في المغرب.

يتابع أفاية أن العالم العربي يشهد منذ بداية 2011 رجات وانتفاضات وتحولات كبرى تمس السياسة والمجتمع والثقافة، اختلفت في شأنها القراءات والمواقف والأحكام من حيث التشخيص والتوصيف، لكنها التقت كلها حول إعادة طرح قضية طبيعة السلطة السياسية، وشرعية النظام السياسي، وحول دمقرطة الدولة والانتقال الديمقراطي. ولا تزال تجارب، ومن بينها تجربتا مصر وتونس، تبحث لذاتها عن آليات ومرجعيات دستورية وقانونية وإجرائية لتوفير بعض شروط الخروج من البنيات التسلطية، والتحول إلى الديمقراطية. أما سلطنة عمان والمغرب، فعملا، كل بطريقته واعتباراً للكيمياء السياسية والمؤسسية الخاصة في البلدين، على استيعاب رياح من نعت بـ{الربيع العربي» والاستجابة النسبية لمطالب المحتجين بالزيادة في الأجور وتنظيم انتخابات في عمان، وإطلاق مسلسل إصلاحات دستورية وسياسية في المغرب. وأما ما يجري في ليبيا وسورية واليمن فضجيج السلاح، وتداخلات الأطراف الإقليمية والدولية فيها لا يسمحان، اليوم، بمعرفة طبيعة الفاعلين الحقيقيين في ميدان المعركة، وكيف ستحسم، وفي أي اتجاه. وإن كانت الشعارات الكبرى المرفوعة في هذه البلدان تدعو إلى وضع حد لسطوة التسلطية والفساد وإطلاق الحريات بوضع دساتير جديدة، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة.

تحول

لعل التحدي الكبير الذي يواجهه مختلف البلدان العربية يتمثل في الخروج من الاستبداد ومن البيئة الخاضعة لنمط وحيد للإدارة السياسية، والتحول إلى مجال سياسي آخر يقبل باختلاف الآراء والمواقف وحرية التعبير، الفردية والجماعية، والانخراط في استنبات مرجعية سياسية جديدة مبنية على مبادئ حقوق الإنسان، والثقافة الديمقراطية، وسيادة القانون، والسلم المدني. ليست عملية الاستنبات سهلة بسبب تحديات الانتقال، وتموج التحولات التي طرأت على البنيات الاجتماعية والثقافية للمجتمعات العربية طيلة العقود الطويلة لتحكم السلطوية بمقدراتها، وكذا الأشواق والطموحات الكبرى التي عبر عنها الشباب ومختلف فئات المجتمع بالخروج إلى المجال العام، وميادين التحرير، للمطالبة بتغيير سياسة الإذلال، وبمزيد من الحقوق الإنسانية المتعارف عليها كونياً.

لا يمكن فصل الحديث عن مرجعية سياسية جديدة وثقافة وديمقراطية، وإقرار مبادئ حقوق الإنسان عن سياق الحوار السياسي والثقافي الذي انطلق في بعض المجتمعات، أو في طور التأسيس والانطلاق في أخرى، حول أسس العيش المشترك وقيم المجتمع الديمقراطي، ذلك أن تجربة الانتقال إلى الديمقراطية تتساوق مع نقاش ضروري حول طبيعة القيم الجماعية، ومع الاختيارات السياسية، معززة بمرجعيات حقوق الإنسان. وهو ما يلزم استبطان ووضع قواعد لحوار دائم ومتجدد، لصيانة المكتسبات ومراكمتها، ومقاومة أسباب الارتكاس إلى منطق الاستبداد والإذلال وفرض الرأي الوحيد والتضييق على الحريات ومحاربة النقد السياسي، وخنق الإعلام، وإبعاد النساء من المشاركة، والتشويش على مبادرات المجتمع المدني.

وهنا يؤكد أفاية أنه ولفهم التحولات الطارئة، أو التي ستطرأ على الفاعلين الاجتماعيين في سياق الانتقال إلى الديمقراطية التي تشهدها، أو ستشهدها، ساحات عربية عدة، نود الوقوف على بعض المقومات الكفيلة بإنجاح الانتقال، وإبراز المعوقات التي تحول دون الشراكة المنتجة للفاعلين الاجتماعيين، والآليات التي تسعف على تجاوزها، وشروط «الاقتدار الديمقراطي» لدى الفاعلين في تحقيق مسار الانتقال، لتنتهي عند بعض العناصر القمينة بإطلاق حركية جماعية تملك مؤهلات وضع عقد اجتماعي يستند قيم المجتمع الديمقراطي، بما يفترضه من سيادة القانون، ودولة المؤسسات، وقدرة الأفراد وهيئات المجتمع المدني، والفاعلين الاقتصاديين، والمنظمات السياسية والنقابية، والمثقفين والإعلام، على إعادة بناء المجال السياسي والمدني بعيداً عن كل مظاهر العنف والتمييز أو التهديد.

ولعل الانشغال المركزي الذي يهيمن على هذا العمل أحياناً، وبكيفية غير جلية أحايين أخرى، يمكن صياغته في الأسئلة التالية: كيف يمكن الانتقال بالديمقراطية من الشعار إلى جعلها انتظاراً جماعياً واسعاً؟ وهل آليات التمثيلية- في الحديث عن الديمقراطية- لا تزال تمتلك ما يلزم من الصدقية والمشروعية لتجسيد الإرادة الشعبية؟ إلى أي حد يمكن الاطمئنان إلى دعوات المطالبة بتغيير أو بإصلاح أو بتحديث النظام السياسي التي ترفعها جهات وتيارات وهيئات هي نفسها تحمل جراثيم الفساد وعوائق التحديث؟

back to top