عذراً بدرية... الكويت تغيرت
إذا كان من وصفٍ يُطلق على قرار منع الكاتبة بدرية البشر من دخول الكويت فهو باختصار: تافه وسخيف.فمنع الكاتبة السعودية المعروفة بأفكارها المستنيرة من الدخول لحظة وصولها إلى المطار للمشاركة في معرض الكتاب هو إجراء لا تتخذه إلا الدول القمعية الممعنة في الاستبداد، وإذ إن دولتنا ليست كذلك، فإن مَنْ اتخذ هذه الخطوة هو جاهل حتماً بمعنى ما قام به، ومستهتر لا يدري أن تصرفه يهز صورة الكويت ويلغي جهوداً كبيرة بُذلت على المستوى الرسمي وعلى مستوى المجتمع المدني لإبراز الكويت واحة ثقافة وحريات وانفتاح.
إنه قرار أمن الدولة. وقرارات هذا الجهاز لا تستوجب التبريرات. فرجل الأمن يجهل أن كتاباً منشوراً منذ سنوات ووردت فيه مقاطع أدبية تحتمل تفسيرات لا يمكن أن يكون ذريعة لمنع دخول كاتبة تحاضر في السعودية وتُباع كل كتبها فيها وتكتب في جريدتي "الجريدة" و"الحياة". فإما أنه تلقى تعليمات من جاهل أو أنه قرأ ما هو أعلى من مستواه.وبالمناسبة فإن الزميلة الكاتبة دخلت مرات عديدة إلى الكويت هذا العام ولم تُصدر أثناءها أي كتاب.إن الخوف من المتعصبين والمتطرفين الإسلاميين لا يمكن أن يتيح تجاوز الدستور الذي يكفل الحريات، ولا أن يبرر إجراءً تعسفياً بحق مواطنة خليجية قدمت إلى بلدنا لتوقيع كتابها الأخير في معرضٍ للكتاب نريده دوماً مناسبة لاجتذاب أهل الفكر والمعرفة ومحطة من محطات التنوير. فأي عقل مريض اتخذ هذا القرار؟أخطر ما في إجراء منع الدكتورة البشر من الدخول، هو الشعور بأننا نعيش في فوضى تتداخل فيها الاختصاصات. فأين وزارة الإعلام من إجراء يتعلق بالمادتين 36 و37 من الدستور اللتين تتشدق الدولة بالحرص عليهما؟ وأين المراجع القضائية المختصة في حال ثبوت مخالفة توجب المنع؟ ثم إن المنع المكروه هو إجراء يجب أن يطال المنتَج وليس الكاتب. ونحن تعودنا منذ ابتلينا بمجاميع التخلف أن تُمنع كتبٌ تحت ذرائع واهية أو على الشبهة أو لأن قليل علم أفتى بانتهاكها المسلَّمات. لكننا لم نتعود أن يبدأ الإجراء الغامض بمنع كاتبة مسالمة صاحبة أفكار فيما يسرح بين ظهرانينا مَن لا يخفون التوجهات العنفية والدعوات إلى إقصاء المخالفين في الآراء.ما حصل أمس في الكويت عيب يثير الاشمئزاز. وهو يدفعنا إلى التأمل فيما وصلنا إليه من درك على هذا المستوى ويجعلنا نبارك لبدرية البشر إقامتها الدائمة في رحابة دبي.نعتذر إلى بدرية. فالكويت، التي استقبلت واحتضنت أمثال أحمد بهاء الدين ومحمود السعدني وبدر شاكر السياب وناجي العلي وغيرهم عشرات من كل التوجهات حين تعرضوا للاضطهاد في بلدانهم، ضاقت بكِ ذرعاً بسبب ضيق الآفاق... لقد تغيرت الكويت يا دكتورة بدرية.لا نكتفي بالاعتذار بل نحمَّل السلطة كلها مسؤولية هذا الخطأ الجسيم، بل تبعة ارتكابٍ يجب ألا يمر من دون حساب.الجريدة