من أجل اللغة الأم 2-2

نشر في 11-11-2012
آخر تحديث 11-11-2012 | 00:01
 آدم يوسف إذا كان الباحث الكيني نغوجي واثيونغو يصبّ جلّ اهتمامه في دراسة النصوص الإبداعية (شعر- مسرح - قصة وسيرة) المكتوبة باللغات الإفريقية، فإن الباحث المصري د. علي شلش يبدو أكثر شمولية في كتابه "الأدب الإفريقي"، إذ يناقش المجالات الإبداعية السابقة من زاويتي اللغات الإفريقية، وكذلك لغة المستعمر، المتمثلة في الفرنسية، والإنكليزية، والبرتغالية، والإسبانية، وكذلك الهولندية.

ويتوقف شلش في كتابه الصادر عن عالم المعرفة في الكويت طويلا عند إشكالية المصطلح، مبينا كيف اختلف الدارسون الأوروبيون أنفسهم، بشأن حدود المكان، فمن الواضح أن مصطلحات من قبيل: إفريقيا جنوب الصحراء، أو إفريقا الإسلامية العربية، أو إفريقيا السوداء، لم ترُق لكثير من الباحثين هذا عدا عما يشوب بعضها من إيحاء عنصري بغيض، ويسرد شلش في ذلك آراء للجنوب إفريقي حزقيال مفاليلي، والإنكليزي جيرالد مور، وكذلك الألماني يان هاينزمان، وإن كان الباحث يبدو أكثر ميلا للأطروحات التي يضعها هذا الأخير، إذ إن هاينزمان يعدّ أحد الوجوه اللامعة التي أسهبت في دراسة الآداب الإفريقية، ويعد أحد الخبراء الذين أرّخوا لآداب هذه المنطقة وتفريعاتها، كما أنه يعدّ خبيرا بقبائل المنطقة جنوب الصحراء، ولغاتها ذات العمق التاريخي، سواء تلك المكتوبة أو الشفاهية منها.

وكما أن واثيونغو ينتقد انتقائية الدارسين الأوروبيين للآداب الافريقية اعتمادا على تصنيف قائم على القبيلة والعرق، وكذلك الديانة، فإن شلش يُبدي كذلك قلقه لناحية الانتقائية القائمة عليها دراسة الآداب الإفريقية، إذ إن الباحثين يجعلون من الغرابة والطرافة مفتاحا لدراسة هذه الآداب، وهو أمر يفقد هذه الآداب حقها، إذ إنها أكثر شمولا وتنوعا من هذه الزاوية الضيقة، ولعلّ ما جعل شلش يلاحظ هذه الزاوية، أن الأدب العربي هو الآخر تعرّض للكثير من الظلم، والتجاهل نتيجة اتجاه الباحثين الأوروبين، أو من يسمون بالمستشرقين لاحقا، نحو الارتكاز على عنصري الغرابة والطرافة، في اختيار الآداب موضع الدراسة، نلاحظ ذلك في "ألف ليلة وليلة" وغيرها من النصوص.

الطريف أن ظاهرة الاستشراق تلك، أوحت للباحثين بمصطلح آخر مواز له في القارة الإفريقية، إذ يطلق شلش على دارسي الآداب الإفريقية مصطلح "الاستفراق" وهو مصطلح نتج بعد أن نالت كثير من الأوطان الإفريقية استقلالها، منتصف القرن العشرين، تحديدا عام 1960، وما تلاها من أعوام، فاتجاه الباحثين الأوربيين والغربيون عموما نحو دراسة هذه الآداب بلغتها الأم، أو عبر لغة المستعمر، أمر يتطلب الوقوف عنده، ومن ثم قراءته بعين الدارس المتفحص، وما يؤسف له أن اللغة العربية فقيرة لناحية دراسة هذه القارة، غير العربية منها تحديداً.

ويتفق الباحثون جملة في أن الآداب الإفريقية المكتوبة بلغاتها الأم، أكثر شمولية وعمقا من أن تُحدد في إطار ضيق، يرتكز على تاريخ التحرر، فقصائد الشعراء، ونصوص السيرة والمسرح التي تُروى شفهيا في هذه المنطقة تعود إلى مئات السنين، لا سيّما إذا نظرنا إلى تلك المناطق التي تحوي حضارات غابرة، كما هو الحال في افريقيا الشرقية أو الغربية، أو حتى الأمهرية في أثيوبيا، ومن اللغات الإفريقية التي تستخدم لتدوين هذه النصوص وترسيخها: السواحلية والصومالية شرق إفريقيا، والهوسا واليوروبا في الغرب، والزولو والزوسا في الجنوب.

وبحكم الالتصاق بجغرافيا المكان، والعمق الثقافي لهذه اللغات، فإن النصوص الإبداعية المروية بها كانت أكثر تأثيرا من تلك المكتوبة بلغة المستعمر، إذ لا يمكن مقارنة قصيدة حماسية مكتوبة بلغة الهوسا أو باللغة الصومالية بأي نص آخر مكتوب بلغة أوروبية، يساعد على ذلك جهل كثير من الأفارقة بلغة المستعمر، فهم يشعرون بعزلة نفسية تصدهم عن تذوق هذه اللغة الغريبة على مجتمعاتهم، كما أن النصوص الشفاهية تبدو في بعض الأحيان أكثر تأثيرا من تلك المكتوبة، وكان لحروب التحرر التي شهدتها افريقيا اكبر دليل على ذلك.

back to top