أحمد الزنجباري... مبدع الألحان ومجدد الأغنيات التراثية (2-2)

نشر في 02-08-2012 | 00:01
آخر تحديث 02-08-2012 | 00:01
امتلك أحمد الزنجباري الأصالة والطيبة، فأحب الناس الذين عشقوا فنه، وستظل هذه العلاقة قائمة وستظل الأجيال تذكره من خلال ألحانه الرقيقة الأصيلة التي تعتبر ثروة لا تقدر بثمن ساهمت في تطوير الأغنية الكويتية الحديثة.

قدّم الزنجباري من ألحانه أغنيات تراثية، إلا أن ثمة واحدة نالت صدى واسعاً وإعجاباً من الجمهور، في عنوان «ألا يا صبا نجد»، للشاعر الأموي عبد الله بن الدمينة وغناها الفنان القدير عوض دوخي، يقول في مطلعها:

أَلا يا صَبا نَجدٍ مَتَى هِجتِ مِن نَجدِ

لَقَد زَادَني مَسرَاكِ وَجداً عَلَى وَجدِ

سقى الله نجداً والمقيمَ بأرضها

سحاباً طوالاً خاليات من الرعدِ

ثروة فنية

من يتابع سيرة أحمد الزنجباري يكتشف أنه فنان أصيل يحترم الأعمال التي يبذل الملحن فيها جهداً، ويحافظ على أصالة التراث، أخلص لفنه ولبلده الكويت وزهد بالمال وتعلق بفنه وعوده.

سجل أحمد الزنجباري، هذا الرائد الموسيقي، اسمه في تاريخ الفنون الموسيقية المعاصرة من خلال أعمال غنائية رائعة لا تزال محور اهتمام أهل الفن لغاية اليوم، خصوصاً الأجيال الجديدة من طلاب المعاهد الموسيقية.

من أغنياته المميزة «السحر في سود العيون» (1959) لأمير الشعراء أحمد شوقي، غناها الفنان القدير سعود الراشد، أحد أبرز تلاميذه، الذي أعجب بشعر أحمد شوقي فعرض القصيدة على الزنجباري الذي تحمّس لها ولحنها. ويقول في مطلعها:

السِحرُ مِن سودِ العُيونِ لَقيتُهُ

وَالبابِلِيُّ بِلَحظِهِنَّ سُقيتُهُ

الفاتِراتِ وَما فَتَرنَ رِمايَةً

بِمُسَدَّدٍ بَينَ الضُلوعِ مَبيتُهُ

الزنجباري أول من استعمل آلات غربية في ألحانه العاطفية، كالبيانو في أغنية «ليالي الوفا»، التي غناها المطرب غريد الشاطئ، يقول في مطلعها:

يا هلا با للي لفاني

مرحباً با للي لفاه

بعد ما صد وجفاني

عادني بعد الجفا

ومن ألحان الزنجباري المتميزة قصيدة للشاعر أحمد العدواني بعنوان «سلو الكاعب الحسناء» غنتها المطربة بديعة صادق زوجة الموسيقار القدير أحمد علي... وتعدّ هذه الأغنية من ألحانه الأولى، لكنه لم يسجلها إلا متأخراً، وكان عرض هذا اللحن على ثلاثة مطربين معروفين من رواد مركز الفنون الشعبية، لكنه لم يتفق مع أحد منهم، وقد نفذ الفنان أحمد علي التوزيع الموسيقي والتسجيل، يقول في مطلع الأغنية:

سلوا الكاعبَ الحسناءَ ماذا بدا لها

جَفَتْنا ومازلنا على عهدنا لها

لعلَّ وشاةً حاسدينَ وشوا بنا

لديْها، فشدَّت عن هوانا رحالها

أبدع أحمد الزنجباري في تلحين فن السامري، ومن أبرز الأغاني التي قدمها في هذا المجال «يا حزين القلب» غنتها مجموعة الإذاعة الكويتية، «يا للي غيابك طال»، كلمات الشاعر الغنائي بدر الجاسر وغناء الفنان القدير عوض دوخي، يقول فيها:

لا تشمت العذال بالله راسلني

البعد بكاني والسهر أضناني

وأخاف تنساني يا أغلى خلاني

ولا خبر جاني منك يريحني

«عهد الهوى»، آخر أغنية سجلها الفنان القدير أحمد الزنجباري من تلحينه وغناء الفنان مصطفى أحمد، «يا لعين أرقت» آخر قصيدة لحنها من شعر بهاء الدين الزهير، يقول مطلعها:

يا من لعينٍ أرقتْ

أوحشها من عشقتْ

مذ فارقتْ أحبابها

لها جفونٌ ما التقتْ

وغادة ٍ كأنها

شمسُ الضحى تألقتْ

وكان ينوي المشاركة في تلحين النشيد الوطني لدولة الكويت.

وفاته

خلال سنواته الأخيرة واجه الفنان القدير أحمد الزنجباري ظروفاً اجتماعية ونفسية قاسية دخل على إثرها المستشفى مرات، وفقد سمعه في أواخر أيامه، مع ذلك كان دائم التردد على زملائه الفنانين لتقديم النصح لهم وإبداء الرأي في أعمالهم الغنائية، وكان صريحاً في آرائه الفنية ولا يحب المجاملة.

حفر الزنجباري اسمه بجدارة في تاريخ الفن والموسيقى في الكويت، وقد أحدثت وفاته في 2 يناير 1977 فاجعة لخسارة أستاذ في الفن ومعلّم معظم الملحنين، فنان كبير وإنسان عادي، يحترم عمله الفني ويخلص له ويحافظ على أصالة التراث...

كان أحمد الزنجباري شديد الوفاء والإخلاص لأهله ويزورهم سنوياً في زنجبار، ولا ينسى إطلاقاً صلة القرابة والرحم، ويرسل لهم كل ما يحتاجونه، وحريصاً على زيارة أصدقائه ومجاملاتهم في المناسبات كافة... وكان عزيز النفس ذا حياة طبيعية من دون قيود أو حدود، يعشق الغناء والطرب واللحن، وينسى الدنيا وما فيها من متاعب وهموم وهو يعزف على أوتار عوده.

مات الفنان الكبير أحمد الزنجباري، لكن ألحانه الخالدة التي تركها للأجيال التالية وقدمها من عصارة قلبه وإحساسه الصادق لن تموت أبداً... وسيستمرّ هذا التراث الأصيل يخفق في صدور عشاق الموسيقى الراقية.

كان الفنان أحمد الزنجباري أصيلا، كإنسان كانت له مواجع وهموم، مع ذلك تمتع بروح خفيفة حلوة ونكاته ظريفة وعذبة، وبحب يفيض عطاء على عشاقه ويبث في نفوسهم الأمل والبهجة.

كان حلو المعاشرة، حاضر البديهة، سليم الطبع، حسن العادة، فاضلا، متواضعاً، طيب السيرة والسريرة، معروفاً بالتقوى والورع. عاش ومات على أرض الكويت مكافحاً من أجل الفن، بعيداً عن الماديات فترك لنا أعمالاً غنائية نتذكرها على الدوام.

قالوا عنه

الفنان سعود الراشد: في الماضي لم يكن ثمة ناد أو جمعية للفنانين... كانت السمرات هي منطلق الفن في الكويت... وكان أيامها الفنان الكبير أحمد الزنجباري يسكن في فندق «مسافر خانه» الذي تحوّل إلى محطة للفنانين. تعلمت على يديه العزف على العود، ويرجع إليه الفضل في استفادتي من روحه الفنية والوصول إلى ما أنا عليه الآن، وكانت لنا ذكريات جميلة وحلوة... أعتقد أن هذا الفنان سبق زمانه في الأعمال التي قدمها، ولن نستطيع في العشرين سنة المقبلة أن نقدم لحناً على غرار اللحن الذي قدمه في آخر عمل له... إنه الفنان الوحيد الذي قدم الأغنية الكويتية الحقيقية وأحسن من يعزف ويقول الصوت الكويتي بالمعنى الصحيح.

د. يوسف دوخي: قلة من الفنانين عاصروا نهضة الفن الشعبي وانطلاقته، ولو ذكرنا مثالاً على ذلك سنجد الفنان الكبير أحمد الزنجباري، كان يغني ويعزف على العود وينهم النهمة البحرية منذ كان عمره 16 سنة. إنه قطعة من تراثنا، فهو البحار بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وجاءت أعماله كويتية تحمل معها روح البحار المعاصر... ثلاثة لهم فضل في حياتي الفنية: عبداللطيف الدوخي، وعوضي دوخي، الفنان الكبير أحمد الزنجباري.

بدر الجويهل: أحمد الزنجباري أول من استحدث الصوت الحديث وتألق فيه.

غنام الديكان: قدم ملحنون معروفون أعمالاً شعبية مطورة وحافظوا على أصالتها في بعض أعمالهم... لكن الفنان الكبير أحمد الزنجباري، برع في جميع ما لحنه في تطويره للفنون الكويتية.

سالم ثاني: كنت أتمنى أن يلحن لي الفنان الكبير أحمد الزنجباري، رحمه الله، بعضاً من أعمالي... وأحب أن أوجه هذا السؤال إلى الإذاعة والتلفزيون وكذلك المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب: ماذا قدمتم لهذا الفنان الكبير أثناء حياته... وماذا ستقدمون له بعد وفاته؟

عبد المحسن الخلفان: على فكرة وين الزنجباري؟ هل هو موجود في الكويت؟ لو سمعنا ألحان الزنجباري في بلد غير الكويت لقلنا هذا أستاذ والسلام، هذا عيبنا، كلما صار الواحد بعيداً عنا أحببناه وشجعناه... بصراحة أنا أرثي لحالك.

فرج الفرج: ثمة فنانون أعتز بزمالتهم، وأخص بالذكر الفنان الأصيل أحمد الزنجباري والملحن المبدع سعود الراشد.. كانت مشاركتي معهما في السمرات والحفلات الخاصة، ولهما في نفسي ذكريات جميلة.

ابراهيم الصولة: عبدالله فضالة، أحمد الزنجباري، سعود الراشد، حمد الرجيب، أحمد باقر... نخبة عظيمة من الفنانين الرواد كان لهم الفضل في ظهور الأغنية الكويتية الحديثة.

عثمان السيد: الفنان عبدالله فضالة، سعود الراشد، محمود الكويتي، عبداللطيف الكويتي، عوض دوخي، أحمد الزنجباري... الجميع يكملون مسيرة بدأها «أبو الفن الكويتي والخليجي» عبد الله الفرج.

عبد الرزاق العدساني: بالنسبة إلى الصوت العربي بالذات، فالذي استطاع تثبيته وتطوير الروح القديمة فيه هو الفنان أحمد الزنجباري، كما فعل في صوتي «ألا يا صبا نجد» و{السحر في سود العيون لقيته».

المطرب مصطفى أحمد: أحمد الزنجباري فنان كبير غني عن التعريف، ولك أن تتصور حجم إبداعاته، هو الذي علّم الفنان المبدع عوض دوخي كيف يعزف على آلة العود وكيف يغني، وعلّم الفنان سعود الراشد أيضاً أصول الفن، وكم أنا فخور، وأعتبر نفسي مطرباً محظوظاً حينما يلتفت لي ملحن مبدع مثل الزنجباري ويقول: «أريد أن أمنح هذا الصوت الشاب من ألحاني»، وتلك لشهادة أعتز بها. قدم لي لحنين هما وسام على صدري ومحطة مهمة في مشواري الفني. إنه فنان متواضع وإنسان هادئ ومرهف الحس وحسن المعشر، ويتعامل مع الناس بعفوية ولا يحب التكلف.

رضا غنيمة - عازف قانون: كان أحمد الزنجباري يحبني ولا يسجل أي أغنية له إلا إذا كنت حاضراً التسجيل.. وفي إحدى السنوات حصلت على إجازة ثلاثة أشهر للسفر إلى القاهرة، فسأل عني الزنجباري لأنه كان ينوي تسجيل الأغنية التي اشتهر بها «ألا يا صبا نجد» فلم يجدني وعلم بإجازتي، عندها توقف عن التسجيل حتى حضرت من الإجازة وتم تسجيل الأغنية.

في رسالة الماجستير في عنوان «رواد آلة العود في دولة الكويت وأسلوب عزفهم- دراسة تحليلة مقارنة»، تطرق الباحث الدكتور فهد الفرس إلى الفنان أحمد الزنجباري، كأحد عازفي آلة العود في الكويت في المرحلة الثالثة من تطورها، كونه أحد العازفين الماهرين وذا ثقافه موسيقية من حيث المقامات الموسيقية، وتتلمذ على يديه فنانون كويتيون، وقال: إنه فنان متميز بعطائه وأحاسيسه ودقة ملاحظته وصراحته الفائقة بما يقدمه من نصح لإخوانه الفنانين الذين عاصروه. من أهم ميزاته أنه لا يجامل أحداً أثناء العمل مطلقاً، فالعمل عنده عمل، ولا بد من أن يتم على أكمل وجه.

بدر بورسلي كتب عنه: ودى احجي وياك وايد... عن الغناية... عن الفن بالكويت.. عن أغنية «السحر في سود العيون» عن أغنية «ألا يا صبا نجد».. ودي أحجي أغنية «ليالي الوفا»... ودي احجي وياك وايد عن الفن في ديرتي... عن الفن اللي ما عنده وفا... أنا أدرى فيك ما تحب أحداً يكتب عنك... ما تحب أحداً يحكي عنك... ما تحب أحداً يقولك شيئاً عن الفن... يا أستاذنا لك كل الحق... يا أستاذ كل فناني الكويت ودي أقولك فقدناك وايد...

تعال غن للناس... للكويت... وسامح بعض الربع اللي غلطوا في حقك ولا عطوك قيمتك... تراهم ما يدرون... للناس كلهم تعال... للفن تعال... تعال لنا كلنا... احنا نحبك.

من أقواله

«كنت أستمع إلى الأغاني وأنا صغير السن، وكانت السفن الكويتية حينذاك ترسو على سواحل زنجبار، وكنت أنتظر مجيئها لشدة إعجابي بغناء بحارتها، فتعرفت إلى محمد بن سمحان، المغني الكويتي في إحدى السفن الكويتية، وفي العام 1933 سمح لي البحارة الكويتيون بركوب إحدى سفنهم المتجهة إلى الكويت، ولحسن حظي أنني كنت مع محمد بن سمحان في هذه الرحلة التي جاوزت مدتها تسعة أشهر، تعرفت خلالها إلى أنواع الغناء البحري الكويتي، غناء الأصوات، العزف على آلة العود على يد محمد بن سمحان».

back to top