انتظروا أنجيلا ميركل... ألمانيا ستحدّد مسار أوروبا
تحمل أزمة اليورو اسماً لا يناسبها: تشير كلمة «أزمة» إلى وجود لحظة حاسمة أو نقطة تحوّل، لكن لم تبلغ منطقة اليورو هذه المرحلة مطلقاً، بحسب The Economist.
يبدو التذمر العام من وضع العملة الموحدة في منطقة اليورو أشبه بمرض مزمن ليس قوياً بما يكفي ليقتل المريض ولكنه ليس ضعيفاً بما يكفي أيضاً لمعالجته بسهولة. سيبقى الوضع على هذه الحال في عام 2013: ستصمد اليورو ولكنها لن تستعيد عافيتها بالكامل.يمكن تفسير هذا التوقع بثلاث طرق. أولاً، أعلن رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، أن البنك مستعد للتدخل قدر المستطاع لمنع تفكك العملة الموحدة. لكن تبقى هذه الخطوة مجرد حل بديل موقت: إذا بقيت هذه الخطوة ضرورية، أوضح البنك المركزي الأوروبي أنه سيحتاج إلى حصول تقدم سياسي أكبر تمهيداً لنشوء اتحاد مصرفي ونوع من التكامل المالي والسياسي الذي يمكن أن يشمل في نهاية المطاف تأميناً مشتركاً على الودائع وشكلاً من تقاسم الدين الجزئي.
إنه العامل الثاني الذي يفسر سبب اضطراب وضع اليورو. صحيح أن قادة منطقة اليورو يعملون على تطبيق هذه التدابير ولكنهم يقومون بذلك بشكل متقطع وغير ثابت، ذلك لأسباب سياسية عموماً. سيؤدي إنشاء اتحاد مصرفي ومالي مبني على تأمين مشترك على الودائع وتقاسم الدين إلى نتيجتين غريبتين: ستقوم الدول الدائنة بتحويلات مالية إلى المدينين وسيتنازل جميع أعضاء منطقة اليورو عن سيادتهم. يعارض الألمان والفنلنديون والهولنديون وغيرهم الخطوة الأولى، بينما يشعر الفرنسيون وربما الإسبان وغيرهم بالقلق من تطبيق الخطوة الثانية. بالتالي، سيكون التقدم بطيئاً في عام 2013. قد تخضع بنوك الإنقاذ لإشراف أوروبي في بداية السنة على أن يشمل هذا التدبير جميع البنوك الكبرى بحلول فصل الصيف. لكن سيؤخر الرفض الألماني تاريخ تطبيق التدبير نفسه في البنوك الأصغر حجماً إلى ما بعد نهاية ديسمبر 2013.مشاركة في القراراتثمة سبب ثالث أيضاً لتفسير الوضع السائد: سيرغب الناخبون في المشاركة في اتخاذ القرارات. ستشهد أوروبا استحقاقات انتخابية مهمة في عام 2013. يجب أن تنظم إيطاليا انتخابات عامة في شهر مايو. منذ نوفمبر 2011، تدير حكومة تكنوقراط البلد بقيادة ماريو مونتي. طلب السياسيون الإيطاليون من مونتي تطبيق إصلاحات بنيوية وفرض تخفيضات في الميزانية ما كانوا ليستطيعوا فرضها بأنفسهم، ذلك بهدف إبقاء البلد ضمن منطقة اليورو. يتمنى بعض الإيطاليين أن يبقى مونتي في منصبه بعد الانتخابات. لكن من المتوقع أن ينشأ ائتلاف بقيادة الحزب الديمقراطي اليساري. ستؤدي هذه النتيجة إلى استمرار النزعة نفسها بما أن أزمة اليورو انبثقت في عام 2010 بعد أن أقال الناخبون الحكومات والأحزاب الحاكمة. حصل ذلك في اليونان وإيرلندا والبرتغال وإسبانيا وفنلندا، ثم في فرنسا خلال صيف عام 2012.لكن لن تكون النتيجة مماثلة في أهم انتخابات على الإطلاق في عام 2013، ونعني بها الانتخابات الألمانية المقررة في شهر سبتمبر. انعكست أهمية الانتخابات الألمانية في رسم كاريكاتوري صدر قبل الانتخابات الإسبانية في نوفمبر 2011، حيث سأل أحد الإسبان شخصاً آخر عن هوية من سيحكم البلد في المرحلة اللاحقة، فكان الجواب «أنجيلا ميركل!». منذ أن تولت ميركل منصب المستشارة الألمانية في عام 2005، أصبحت أهم زعيمة سياسية في أوروبا حتى الآن. خلال أزمة اليورو، كانت ميركل رئيسة أكبر بلد دائن وهي من قرر في نهاية المطاف الخطوات الضرورية ووتيرة تطبيقها. لكن تبدو ميركل التي ترأس حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» في ألمانيا محاصرة بسبب عدائية الناخبين تجاه خطط إنقاذ الدول المبذِّرة من جهة والمحكمة الدستورية التي تصرّ على حماية صلاحيات البرلمان الاتحادي الألماني وسيطرته على المال العام من جهة أخرى. يعني نفوذ المحاكم أن المحامين، وليس الخبراء الاقتصاديين، هم أهم من يتخذون القرارات في شأن السياسات المناسبة تجاه منطقة اليورو. بالتالي، لا عجب في أن تتردد ميركل في المجازفة بأموال دافعي الضرائب الألمان. لكن يوجّه قادة أوروبيون آخرون، مثل مونتي والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، انتقادات عدة إلى ميركل كونها تريد تطبيق سياسة التقشف المالي المفرط وتعارض أي تقاسم للديون. وجّه الألمان بدورهم انتقادات لاذعة حين ألمحوا إلى ضرورة خروج اليونان من منطقة اليورو مع أن معظم الأطراف الأخرى يظن أن هذه الخطوة ستهدد صمود المنطقة كلها.لكن تحظى السياسة الحمائية الصارمة التي تتبناها ميركل تجاه دافعي الضرائب الألمان بدعم قوي محلياً، ما يضع خصومها السياسيين في مأزق محرج. لقد نجحت في تهميش خصومها المحتملين محلياً، ذلك بفضل نسب التأييد الشخصية التي تبقى أعلى من نسبة تأييد حزبها. كذلك، يواجه حلفاؤها في الائتلاف، مثل حزب الديمقراطيين الأحرار، حالة من الركود وقد يجدون صعوبة في الفوز بنسبة الخمسة بالمئة التي يحتاجون إليها للبقاء في البرلمان الاتحادي الألماني. وجدت أبرز أحزاب المعارضة، مثل «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» و{حزب الخضر»، صعوبة في تجاوز ميركل. فقد انهارت محاولاتها الوجيزة التفوق على ميركل عبر اعتبارها أوروبية أكثر مما هي ألمانية (وأكثر انفتاحاً على سندات اليورو).رئيسة ضمنية للقارةلن يكون عام 2013 سهلاً على ميركل رغم كل شيء. بعد أن انضم هولاند الآن إلى معسكر رافضي سياسة التقشف، ستصبح ميركل أكثر انعزالاً خلال قمم منطقة اليورو. يوشك الاقتصاد الألماني على الغرق في الركود مع أنه بدا لفترة طويلة محصّناً ضد أزمة اليورو. كذلك، بدأ معدل البطالة يرتفع مجدداً بعد أن انخفض إلى أدنى المستويات منذ 20 سنة. لا شك أن الانقسام السياسي السائد في ألمانيا سيصعّب عملية تشكيل التحالفات بشكل استثنائي بعد شهر سبتمبر (من المتوقع أن ينضم «حزب القراصنة» الجديد إلى الحزب اليساري و{حزب الخضر» في البرلمان الاتحادي الألماني). لكن من المؤكد أن حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» سيكون الفائز الأكبر في البرلمان.بعد تلك المرحلة، ستتولى ميركل اختيار شركائها في الائتلاف. بما أن الديمقراطيين الأحرار الضعفاء لن يقدموا لها منفعة كبيرة وسيكون أي تحالف مع «حزب الخضر» شائكاً، قد تنشأ نسخة مكررة عن «الائتلاف الكبير» الذي أنشأته في عام 2005 مع الديمقراطيين الاجتماعيين. قد يناسبها هذا التحالف موقتاً وقد يسهّل عليها التعامل مع أزمة اليورو. لقد دفعتها ضغوط الأحداث والأسواق إلى التكيّف مع شركائها في منطقة اليورو. وفي ظل أي ائتلاف كبير، قد تتمكن من تحويل موقفها مجدداً لدرجة أنها قد توافق على مفهوم تقاسم الدين عبر سندات اليورو.لكن ما الذي ستفعله ميركل إذا وصلت أزمة اليورو في نهاية المطاف إلى نقطة تحوّل حاسمة وإذا لم يتعافَ «المريض الأوروبي»؟ سيحتاج الاتحاد الأوروبي واللجنة الأوروبية إلى رؤساء جدد في عام 2014. ربما من المفيد أن تجمع ميركل بين المنصبين كي تصبح رئيسة أوروبا الرسمية بدل أن تبقى رئيستها الضمنية!