هل يُخرج أوباما العائد أميركا من مأزقها العربي؟!

نشر في 14-11-2012
آخر تحديث 14-11-2012 | 00:01
 د. شاكر النابلسي كيف تورطت أميركا في العالم العربي؟ ولماذا تورطت في العالم العربي هذا التورط؟ وهل تعتبر اليوم في مأزق كبير في العالم العربي؟ وما هي حدود هذا المأزق؟ ومن هو المتسبب في هذا المأزق؟ وما هي آثاره العكسية على أميركا الداخل والخارج؟ وما فائدة العرب من التوغل الأميركي في الشرق الأوسط؟

هذه هي معظم الأسئلة الكبيرة التي تدور الآن- بعد نجاح أوباما نجاحاً ساحقاً لفترة ثانية- رنّانة طنّانة في العالم العربي، والتي يُصبح ويُمسي العالم العربي عليها، وأصبحت شُغله الشاغل.

أسئلة سوف نحاول الإجابة عنها اليوم وفي الأيام القادمة، في ضوء المعطيات القائمة الآن في الشرق الأوسط، وعلى ضوء ما جرى ويجري الآن، وفي النصف الثاني من القرن العشرين، فالتاريخ لا يُقرأ إلا بالتاريخ المقارن، وتاريخ اليوم لا يُقرأ، ولا يُفهم، إلا بتاريخ الأمس.

كيف تورطت أميركا في العالم العربي؟

لو استعرضنا تاريخ أميركا سريعاً في منطقة الشرق الأوسط، لوجدنا أن الحضور السياسي الأميركي في الشرق الأوسط بدأ منذ 1952 وقيام الثورة المصرية التي يقال إن أميركا لعبت دوراً لا يستهان به، كما يقول مايلز كوبلاند في كتابه (لعبة الأمم)، وساعدت على إنهاء المعاهدة البريطانية–المصرية والجلاء البريطاني عن مصر 1954، لكي تحلَّ محلَّ بريطانيا في العالم العربي.

 وسبق هذا حضور استثماري أميركي قوي في 1933، عندما نجحت الشركات الأميركية في الحصول على امتياز التنقيب عن البترول في السعودية واستغلال نفط الإحساء بالسعودية، الذي يُعدّ من بين أكبر مستودعات النفط في العالم، والصورة التي تمت عليها إبعاد الشركات البريطانية من ساحة التنافس، ثم ما قامت به أميركا من إجبار بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على وقف حرب السويس 1956 والانسحاب من مصر. وما تبع ذلك من دعوة مصر، والأردن، والعراق، وتركيا، وباكستان، من ضرورة إقامة حلف عسكري في وجه الاتحاد السوفياتي فيما سُمّي بـ"حلف بغداد" الذي رفضته مصر رفضاً قاطعاً، وأجبرت العالم العربي على رفضه، نتيجة لارتباطها بالمعسكر الشرقي من خلال صفقة السلاح التشيكية الشهيرة التي وقعها عبدالناصر 1955.

وكانت أول صدمة كبيرة للغرب، عندما حلَّ المعسكر السوفياتي محلَّ الغرب كمصدر سلاح رئيسي لدولة مثل مصر، التي تعتبر مهمة من الناحية الاستراتيجية، وكسرت تلك الصفقة الاحتكار، الذي كان يفرضه العالم الغربي على تسليح العرب.

 وازداد التوغل الأميركي في الشرق الأوسط أثناء حرب 1967 وبعدها، ولعبت الحرب الباردة دورها الكبير في زيادة التوغل الأميركي في الشرق الأوسط، ووقوف أميركا إلى جانب الأنظمة العربية المحافظة مقابل وقوف الاتحاد السوفياتي إلى جانب الأنظمة الدكتاتورية، وذلك لحفظ التوازن في المنطقة، وكانت أميركا في ذلك الوقت وحتى حرب الخليج الثانية 1992 هي الحليف العربي– الإسلامي السُنّي، مقابل الحليف السوفياتي للعرب الاشتراكيين الدكتاتوريين، وكان الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز يعتبر "مثلث الشر" في العالم العربي هو الشيوعية، والصهيونية، والاشتراكية. ولم تُعتبر أميركا شيطاناً أكبر إلا في الأدبيات الثورية الخمينية، بعد عام 1979، وبدء الحرب العراقية–الإيرانية 1980 عندما وقفت أميركا إلى جانب السُنّة متمثلين بالعراق ضد الثورة الخمينية الشيعية. وأطلقت ثورة الخميني الإسلامية هذا الشعار علماً أن أميركا بعد ذلك قامت بمحاربة "الشيطان الأكبر" عند السُنّة بالذات، وهو الشيوعية في أفغانستان، وهزمته في عام 1986.

«الشيطان الأكبر» بين الدين والسياسة

وهنا ندرك، أن شعار "الشيطان الأكبر" المرفوع الآن وفي السابق، شعار سياسي لا ديني، فالشيطان الأكبر كان في الماضي "أميركا" عند الشيعة، وكان "الاتحاد السوفياتي" عند السُنّة، وهو في الحاضر أصبح "أميركا" عند السُنّة والشيعة الإيرانية. والدليل أن المسلمين السُنّة كانوا يعتبرون أميركا أثناء الحرب الباردة الحليف القوي ضد "الشيطان الأكبر" الشيوعي. ولذا، تحالفوا معها في الحرب الأفغانية، وانتصروا على "الشيطان الأكبر" الشيوعي بالمال الإسلامي السُنّي وبالمقاتلين الإسلاميين السُنّة فقط. وتحالف السُنّة مع أميركا في حربها ضد الثورة الخمينية من خلال الحرب العراقية-الإيرانية. في حين أن المسلمين الشيعة كانوا يذيقون "الشيطان الأكبر" الأميركي مُرَّ العذاب داخل إيران وخارجها خاصة أثناء حرب الخليج الأولى (1980-1988 ) وبعدها، وانقلب الوضع في الحالة العراقية الآن، فأصبحت أميركا في عُرف المسلمين السُنّة وشيعة إيران هي "الشيطان الأكبر"، في حين رضي شيعة العراق عنها، وبرزوا على سطح الحياة السياسية العراقية لأول مرة في تاريخ العراق، في ظلها وحمايتها، وبفضل حملتها على العراق.

الدكتاتورية جرّت أميركا إلى العرب

كانت أميركا قبل حرب الخليج الثانية 1992 توجد في العالم العربي بكثافة من خلال دبلوماسييها، ومراكز ثقافتها، وجامعاتها، واستخباراتها، ومدربيها، وخبرائها العسكريين، والاقتصاديين، والصناعيين، والثقافيين، ومن خلال معوناتها العسكرية والمالية والغذائية، ومن خلال منتجاتها الكثيرة، ومن خلال طعامها، وشرابها، ولباسها، وأغانيها، وأفلامها... إلخ، ولكن الدكتاتورية والسلفية السُنيّة لم تكتفِ بهذا الوجود الأميركي، بل أرادت لأميركا أن تأتي بقوتها العسكرية الضاربة، لكي تصفي حسابها معها كما كانت وما زالت تقول في أدبياتها، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي 1989، حيث لم يعُد للسُنّة والشيعة على السواء من "عدو ديني كافر" غير الغرب وأميركا على وجه الخصوص، وأنه لكي تبقى الأمة ناشطة ومتحفزة، فلا بُدَّ لها من عدو خارجي، فكانت حرب الخليج الثانية 1992 التي دقَّت المسامير العسكرية الأميركية الأولى في الخليج وعلى حدود العراق، ولم تكتفِ السلفية السُنيّة بهذا التورط الأميركي، بل أرادته على أوسع نطاق، فذهبت بمجموعة من الشبان الأغرار الانتحاريين إلى نيويورك وواشنطن، لدعوة أميركا إلى المجيء إلى العالم العربي بكل ما تملك من قوة عسكرية، وتمَّ التورط الأميركي في العالم العربي بعد كارثة 11 سبتمبر 2001 بغزو العراق عام 2003.

(للموضوع صلة).

 * كاتب أردني

back to top