كابوس الاعتداء على قوات التحالف في أفغانستان
الاعتداءات التي يشنها أعضاء قوى الأمن الأفغانية على قوات التحالف تهدد برامج الشراكة وتشير إلى وجود سوء فهم ثقافي حاد.
مع اقتراب موعد انتهاء الانسحاب الأميركي من أفغانستان بعد سنتين تقريباً، ارتفعت وتيرة الاعتداءات الداخلية على القوات الأميركية وقوات التحالف إلى أعلى المستويات. حتى هذه اللحظة من عام 2012، وقع 37 اعتداءً منفصلاً على يد الجنود الأفغان وعناصر من الشرطة الأفغانية، ما أسفر عن مقتل 53 جندياً في إطار عمليات تستهدف قوات التحالف من جانب عضو ينتمي إلى قوى الأمن الأفغانية. وقع اعتداءان جديدان في نهاية الأسبوع الماضي، وتسارعت وتيرة تلك الاعتداءات بشكل حاد: بين عامي 2007 و2009، وقع 14 جندياً من قوات التحالف فقط ضحية الاعتداءات الداخلية، لكن منذ عام 2010، قُتل 106 جنود من قوات التحالف خلال 63 اعتداء وفق معلومات صحيفة "ذي غارديان".لكن أشارت دراسة أخرى أجرتها مؤسسة "أميركا الجديدة" إلى سقوط 116 قتيلاً و88 جريحاً خلال اعتداءات مماثلة منذ عام 2003. في الوقت نفسه، كشفت تقديرات وكالة "رويترز" أن الاعتداءات الداخلية تشكل 20% من مجموع القتلى الذين سقطوا خلال المعارك في صفوف قوات التحالف في عام 2012.أدى انتشار نمط الحوادث التي تستهدف قوات التحالف إلى دق ناقوس الخطر من كابول إلى واشنطن ولندن، وفي منتصف فصل الصيف، بلغت الاعتداءات مستوى مزمناً، فقد أسفرت سلسلة من الاعتداءات عن مقتل 10 جنود أميركيين خلال فترة أسبوعين، وقد سافر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، إلى كابول لمقابلة كبار القادة والمسؤولين الأفغان ومناقشة الأزمة التي تلوح في الأفق.وفق تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (منظمة بحث مقرها واشنطن)، طُبّقت سلسلة من الخطوات العاجلة بهدف تخفيض عدد الاعتداءات الداخلية أو القضاء عليها نهائياً في شهر أغسطس. شملت تلك الخطوات تشديد التدابير عند اختيار المجندين الأفغان، وتشكيل فِرَق لمكافحة التجسس، وإجراء مقابلات إلزامية مع الجنود الأفغان العائدين من إجازة، وإنشاء "نظام تحذيري يبلغ عن التهديدات الداخلية". لكن في بداية شهر سبتمبر، علّقت قوات العمليات الخاصة الأميركية تدريب الشرطة المحلية الأفغانية المثيرة للمتاعب بعد أن عمد أعضاء منها إلى إطلاق النار على عنصرين من قوات العمليات الخاصة الأميركية في 17 أغسطس.قال أنتوني كوردسمان، المحلل العسكري المخضرم في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن "تلك الاعتداءات الداخلية وغيرها من الضربات التي تحدث لأغراض سياسية ضد أهداف أجنبية وأفغانية في آن قد تعيد الزخم إلى المتمردين في الحرب القائمة". إنه تحليل صائب، لكن لم يتضح بعد عدد الاعتداءات الداخلية المستوحاة من نشاطات "طالبان" ولا عدد العمليات الناجمة عن مشاعر بغض شخصية أو غضب عام تشعر به القوات الأفغانية تجاه الجنود الأميركيين وقوة المساعدة الأمنية الدولية. في 15 و16 سبتمبر، قُتل ستة جنود آخرين من قوات التحالف خلال اعتداءين داخليين. دفعت تلك التطورات بقادة القوات الأميركية وقوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان إلى تعليق عمليات "توجيه" قوى الأمن الأفغانية إلى أجل غير مسمى. ثم أكد المسؤولون في البنتاغون أن العمليات المشتركة عادت إلى مستواها الطبيعي، لكن تشكك تلك الحوادث بفاعلية الاستراتيجية الأميركية في ما يخص تسليم مسؤولية الأمن إلى القوى الأفغانية في نهاية عام 2013. يبدو أن هذا الموضوع كان محور النقاش بين الرئيس باراك أوباما والرئيس حامد كرزاي في الأسبوع الماضي خلال مؤتمر جمعهما عبر الفيديو.كان استئناف العمليات المشتركة قراراً حكيماً على الأرجح لأن تراجع مستوى الشراكة وعمليات التدريب مع قوى الأمن الوطنية الأفغانية قد يؤدي إلى ارتفاع عدد القتلى المدنيين خلال عمليات القوات الأميركية وقوة المساعدة الأمنية الدولية، بما في ذلك الضربات الجوية وحوادث تصعيد استعمال القوة والغارات الليلية. ادعى بعض المحللين أن تراجع عدد الضحايا المدنيين نتيجة عمليات القوات الأفغانية وقوات التحالف في السنوات الأخيرة ينجم (جزئياً على الأقل) عن تزايد عدد الأفغان الذين يشاركون في العمليات. يقول البعض إن تلك القوات الأفغانية تساعد القوات الأميركية وقوات التحالف الأخرى على فهم السلوك الثقافي المحلي وما يسميه الجيش "أنماط الحياة".طُرحت هذه الفكرة صراحةً في دراسة لم يتم نشرها وأعدّها فريق من المحللين العاملين في القيادة المركزية الأميركية بعنوان "تخفيض عدد الضحايا المدنيين: أفغانستان وما وراءها". صُنّفت تلك الدراسة تحت خانة "الوثيقة السرية أو المعدة للاستعمال الرسمي فقط"، وهي تذكر أن "القوات الأفغانية باتت تعرف معلومات إضافية عن المعطيات الثقافية، ما يساعدها على التمييز بين سكان المناطق المحلية والدخلاء الذين قد يصبحون مصدر تهديد. فضلاً عن ذلك، تمكنت القوات المشتركة من تعزيز التواصل المباشر مع السكان المحليين من دون الاستعانة بأي مترجم فوري". تضيف الدراسة: "تمكنت قوى الأمن الوطنية الأفغانية من فهم سلوك السكان المحليين بشكل أفضل حين كانوا يتصرفون بطريقة تجدها قوات التحالف غير مبررة".ارتفع منسوب التوتر بين القوات الأميركية والقوات الأفغانية منذ فترة، ومثلما تسيء القوات الأميركية فهم التقاليد والثقافة الأفغانية، تسيء قوى الأمن الوطنية الأفغانية بدورها فهم الثقافة الأميركية. صدر كتيّب ليتم توزيعه على أعضاء قوى الأمن الوطنية الأفغانية وفق صحيفة "نيويورك تايمز"، وهو يهدف إلى شرح التصرفات الغربية والأميركية أمام الأفغان، بمعنى أن قوات التحالف قد تقاطع صلوات الناس أو تُظهر أسفل أحذيتها في وجه الأفغان من دون نية سيئة لأنها لا تدرك كيف يفسر الشركاء الأفغان تلك التصرفات. على سبيل المثال، ذكر الكتيّب: "كما تعلمون، لا ينظف الأفغان أنوفهم في حضور الآخرين. لكن هذه الحركة شائعة في ثقافة دول التحالف. إذا نظف أحد أعضاء قوات التحالف أنفه في حضوركم، لا تعتبروا الأمر مهيناً".ثمة سبب آخر يجعل من استئناف العمليات المشتركة أمراً منطقياً: كان تعليق النشاطات لفترة مطولة سيؤدي إلى تعقيد الوضع الذي يشهد أصلاً عملية انتقالية شائكة تمتد حتى عام 2014. ارتفع عدد الجيش الوطني الأفغاني بنسبة الربع تقريباً ليبلغ 340 ألف عنصر في السنة التي تنتهي في يونيو 2012. تتعدد الأسئلة المهمة التي تحيط بمعرفة كيفية ضمان صمود تلك القوة الواسعة مالياً بالاتكال على حكومة كابول التي لا تستطيع تحمل كلفة ذلك. لا بد من حل مشكلة الخصومة القائمة بين الجيش الوطني الأفغاني، والشرطة المحلية الأفغانية، والشرطة الوطنية الأفغانية وفروعها المختلفة، وقوة الحماية العامة الأفغانية، ووحدات أخرى. في مناطق واسعة من البلد، تتنافس الميليشيات المحلية مع "طالبان" وقوى متمردة أخرى (أو تتعاون معها أحياناً).عُلّقت تلك المسائل كلها حين اندلعت الاحتجاجات في أنحاء أفغانستان المختلفة بسبب بث فيلم يسخر من النبي محمد. صحيح أن تلك الأحداث لم تصل إلى مستوى العنف الذي شهدته بنغازي في ليبيا أو باكستان، لكن الغضب الذي نجم عن تلك الحوادث (إلى جانب الجهود التي بذلتها الميليشيات الانتهازية التابعة لحركة "طالبان" للاستفادة من الوضع) قد يؤدي بكل سهولة إلى إطلاق موجة جديدة من الاعتداءات الداخلية على قوات التحالف.