القبل النارية للمطلك

نشر في 19-05-2012
آخر تحديث 19-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 أنس محمود الشيخ مظهر في مشهد يبدو أنه نهاية لقضية إقالة المالكي للمطلك، اعتذر الأخير عما بدر منه من "سوء أدب" تجاه المالكي بوصفه إياه بالدكتاتور، وقال إن المالكي يدير جلسات مجلس الوزراء بكثير من المهنية، وإنه ليست هناك مشكلة شخصية بينه وبين المالكي، ولو رآه فإنه سيقبله!

نعم سيقبله مادام ليست بينهما مشكلة شخصية، فالمشاكل الوطنية لا تمثل شيئاً قاتلاً عند المطلك، وهي أهون بكثير من المشاكل الشخصية بين الساسة. ومن المؤكد أنه سيقبله 99 قبلة وواحدة أخرى... ولن يكون على عجل.

هذه النهاية الرومانسية كفيلة بعودة المطلك إلى جلسات مجلس الوزراء كنائب لرئيسه. ورغم أن منصب نائب رئيس الوزراء أتى بالتوافق ولا يعتبر دستورياً ولا يتمتع بالكثير من الصلاحيات، فإنه بسبب "وحدة الصف" و"الكلمة" فقد آثر المطلك ألا يعكر صفو هذه الوحدة باتهامه للمالكي بأنه دكتاتور، ولذلك فقد اعتذر وقال إن المالكي مهني ووطني... لا تستغربوا فبعض التنازل لا يضر أمام القضايا المصيرية للأمة باعتبار أن القضية ليست شخصية فلا تضخموها... أيها السادة.

تغير المواقف السياسية لبعض الأحزاب والشخوص السياسية في العراق شيء يدعو إلى الاستغراب والدهشة بسبب التغيرات السريعة التي تطرأ على مواقفهم دون أن يكون لهذه التغيرات أي مبررات سياسية منطقية، إلا ما يدخل في بوتقة المصالح الشخصية لا أكثر. ومن أكثر القوائم السياسية التي تعاني مراعاة أفرادها لمصالحهم الشخصية فوق المصالح والثوابت الوطنية هي "القائمة العراقية".

لقد كانت النقطة المحورية التي أدت إلى انبثاق "القائمة العراقية" هي الوقوف ضد الأحزاب الدينية الشيعية أثناء إجراء الانتخابات الأخيرة، ورغم أن علاوي شخصية تعتبر على المذهب الشيعي فإن علمانيته جعلته أقرب إلى الخط السنّي المناهض للخط الشيعي الموالي لطهران. وما أن انتهت الانتخابات البرلمانية حتى شهدنا تفكك عقد هذه القائمة بشكل أظهر هشاشة التركيبة السياسية التي تجمع أعضاءها والافتقار إلى أهداف مشتركة تجمعهم. وقد تكون المصالح الشخصية من أهم الأسباب التي دعتهم إلى الانضواء تحت اسم قائمة موحدة.

وأكثر الشخصيات المثيرة للجدل في هذا الخصوص صالح المطلك، الذي وقف في وجه المالكي واتهمه بالدكتاتورية في موقف يحسب للرجل بأنه كان من المواقف البطولية، التي لابد للسياسي العراقي أن يتسم بها حالياً في تفضيل المصلحة الوطنية العليا على المصالح الشخصية.

بمجرد أن سربت معلومات بإمكان حل ملفه وصفح المالكي عنه حتى لمسنا تصريحات رومانسية عديدة للمطلك تحاول تنقية الأجواء بينه وبين المالكي، وتؤكد أن الخلاف بينهما لم يكن شخصياً، وأنه لو رآه سيعانقه ويقبله، ولم تقف تصريحات المطلك عند هذا الحد بل أضاف أن المالكي شخصية وطنية، وأنه يدير جلسات مجلس الوزراء بمهنية "عالية".

الحالة هذه تعني أن المطلك كان له موقف متعلق بمبادئ هو يؤمن بها، فكيف يستطيع أن يتنازل عن موقفه الوطني هذا ويهرول إلى حضن المالكي مرة أخرى، لاسيما أن رئيس الوزراء لم يغير أياً من سياساته العامة تجاه الوطن والملفات الداخلية، فإما أن يكون المالكي وطنياً إذن فادعاء المطلك له بأنه دكتاتور كان ادعاءً كاذباً أو أن المالكي فعلاً دكتاتور، وهذا لا يتطابق مع صفة الوطنية التي وصفه بها، ورجوع المطلك إلى منصبه يعتبر خيانة للوطن يجب محاسبته عليها.

يبدو أن هناك تعريفات أخرى للدكتاتورية والخيانة والوطنية في فكر المطلك تختلف عن التعريفات التي يستند إليها الآخرون والذي يمكن أن يرى فيه أن الدكتاتورية قد تحمل في طياتها الكثير من الوطنية والخير للبلاد والعباد، باعتباره مازال متأثراً بالفكر الذي كان سائداً في حقبة صدام حسين.

الغريب أن المطلك ينهال بالقبلات على المالكي في الوقت الذي ينهال المالكي ضرباً ولكماً على رفاقه في "القائمة العراقية"، ويجتث الواحد منهم تلو الآخر في الوقت الذي يأتي فيه المطلك ليصفه بالوطنية، وبأن الخلاف معه ليس عميقاً "باعتباره خلافاً غير شخصي".

وفي الوقت الذي يقف فيه حتى حلفاء المالكي السابقون كالكرد و"الصدريين" و"المجلس الأعلى" ضده يبدو المطلك كمن يغرد خارج السرب، ويحرص أيما حرص على الحفاظ على منصبه الذي لا يعتبر في حقيقته إلا منصبا توافقيا وليس دستورياً، من دون أن يكون له صلاحيات محددة إلا ما يجود به المالكي عليه من صلاحيات... فهل يستحق هذا المنصب هذا الموقف المخزي للمطلك، وهذا الهوان الذي سيبقى ملاصقاً له طول تاريخه السياسي؟

* كردستان العراق

back to top