المفكر الإسلامي د. زغلول النجار: الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وسيلة تعريف عصرية للإسلام
غياب المرجعية الدينية الموحدة أبرز أسباب تفرق المسلمين
الإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية منهج يقوم على أن الآيات الكونية في القرآن الكريم احتوت على إعجاز علمي من الممكن استخدامه للدعوة إلى الإسلام بالمنطق الغربي الذي لا يفهم إلا كل ما هو مادي، والدليل على ذلك إسلام عشرات العلماء الأجانب الذين ظلوا يحاربون الإسلام بدعوى أنه دين ضد العلم، وأنه لا يحتوي إلا على تشريعات تغيب عقل الإنسان ولهذا المنهج مؤيدون ومعارضون. «الجريدة» التقت مع أحد العلماء المتخصصين في مجال الإعجاز العلمي لإلقاء الضوء على إيجابيات وسلبيات هذا المنهج وهو د. زغلول النجار المفكر الإسلامي المعروف ورئيس لجنة الإعجاز العلمي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. إلى تفاصيل الحوار.* تزايدت مؤخراً الانتقادات الموجهة للمهتمين بهذا المجال ويقول المهاجمون إن القرآن كتاب هداية وليس كتاب علم، فما تعليقكم؟- بالفعل القرآن الكريم كتاب هداية للبشر وليس كتابًا للعلوم الطبيعية والمعارف البشرية لكنه في نفس الوقت أشار في محكم آياته إلى هذا الكون ومكوناته التي تحصى بما يقارب ألف آية صريحة، بالإضافة إلى آيات تقترب دلالتها من الصراحة وقد وردت هذه الآيات من قبيل الاستشهاد على بديع صنع الله سبحانه وتعالى، ولم ترد بمعنى أنها معلومة علمية مباشرة تعطى للإنسان لتثقيفه علميًّا وبشكل عام فأنا أؤمن بأن من يهاجمون الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أحد ثلاثة: إنسان له دراسة شرعية وطبعا صاحب الدراسة الشرعية في زماننا هذا لا يعطى القدر الكافي من العلوم التطبيقية وبالتالي يتخيل أن العلوم كلها فروض ونظريات ومن فرط حرصه على القرآن الكريم يهاجم الإعجاز العلمي بعاطفة وحماس وهؤلاء أحترمهم وأجلهم لأننا حين نتحدث معهم ونبرز لهم الدليل الواقعي العملي على ما نقول يقتنعون وأنا أذكر في هذه المناسبة أن إحدى علماء الأزهر ظل يهاجمني لفترة طويلة في وسائل الإعلام المختلفة وحدث أن حضر أحد محاضراتي دون أن أعرفه وبعد المحاضرة جاء ليقول إنه يعتذر على مهاجمته لي لأنه لم يكن يدرك أن البحث في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم يعتمد على المنهجية العلمية، لكنه وبعد سماعه المحاضرة أدرك أن هناك حقائق علمية كثيرة تخفي عن الكثيرين.* ومن وجهة نظركم ما المقصود الإلهي من تلك الآيات الكونية؟- لابد أن نفهم أن الله تعالى أنزل علينا القرآن لنفهمه والله يقول في محكم آياته: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" ويقول أيضاً: "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً" فنحن كمسلمين مطالبون بفهم دلالة كل آية نزلت في القرآن بغض النظر عن مدى الاستفادة منها والآيات المتعلقة بالدين بركائزه الأربع الأساسية الدين والعقيدة والعبادة والمعاملات كلها آيات قطعية الدلالة مثل أقم الصلاة أو ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا أو أتوا الزكاة، فكلها آيات ليس لها معنيان وهكذا فإن كل الآيات التي تتعلق بركائز الدين صاغها الله تعالى بحكمة يفهمها البدوي في قلب الصحراء ويعرفها أستاذ التفسير، أما الآيات التي تحتاج لجهد في تفسيرها فهي الآيات الكونية وآيات التشريع فالآيات الكونية لا تكفي اللغة وحدها لمعرفة دلالاتها والدليل على ذلك أن كل المفسرين القدامى خلطوا بين النجم والكوكب والنور والضياء وخلطوا أيضا بين الساعة والآخرة وهناك في القرآن الكريم ألف أية كونية لا نستطيع فهمها باللغة وحدها فإذا لم نضف البعد العلمي فلن نفهمها وإذا لم نفهم الآية ضاع منا أجمل هدف جاءت من أجله ويجب أن ندرك أن الآيات الكونية لم تنزل من السماء من قبيل الإخبار العلمي المباشر لأن الله تعالى يعلم أن العقل البشري لا يستطيع فهم كليات الأشياء دفعة واحدة فالعقل البشري يحتاج إلى التأمل والتدبر والملاحظة حتى الوصول إلى الاستنتاج. * إذاً الآيات الكونية لم ترد بالقرآن من أجل الإخبار العلمي؟- بدون شك فإن الآيات الكونية لم ترد لنا من أجل الإخبار العلمي المباشر فالكسب العلمي تركه الله تعالى لاجتهاد الناس جيلاً بعد جيل وأمة بعد أمة ولكن الآيات الكونية جاءت من أجل الاستدلال على حقيقة الألوهية وحقيقة الخلق ووحدانية الخالق لأن الله تعالى خلق كل شيء في الوجود في زوجية كاملة من اللبنات الأولى للمادة إلى الإنسان حتى يبقى هو جل جلاله الواحد الأحد المقرون بالوحدانية المطلقة فالإشارات الكونية لها هدف أساسي هو الشهادة لله تعالى بالألوهية وأنه قادر على إفناء خلقه وبنائهم من جديد والله تعالى حرص على تضمين القرآن آيات تحتوي على دلالات علمية لإدراكه أن الإنسان سيدرك بعض مغاليق العلم وينال القوة والتقدم الصناعى والاقتصادي وحتى لا يغتر الإنسان بنفسه جاءت هذه الآيات لتتسع معانيها باتساع معارف الإنسان في تكامل لا يعرف التضاد حتى يكون القرآن خطابا للنفس في كل الأزمنة والعصور حتى قيام الساعة.* مع إصرار الغرب على احتلال المجتمعات الإسلامية عسكريا وفكريا هل ترى أن المسلمين يتعرضون لحملة تستهدف محو كل القيم والأسس الأخلاقية؟- هذا صحيح للأسف الشديد فعلى الرغم من تاريخ الغرب الأسود مع المسلمين وهو التاريخ الزاخر بالمصادمات الدموية وغير الإنسانية، فان زعماء الغرب وكتابه ومفكريه مازالوا يرددون الدعوة الباطلة بأنهم لم يحتلوا العالم الإسلامي إلا من أجل تحديثه، وفرض قيم جديدة للحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان فيه، ونظم جديدة في الاقتصاد وسلوكيات الإنسان والمتأمل في هذا المخطط الشيطاني يدرك بغير عناء أن الهدف الحقيقي منه هو إخراج أمة الإسلام من دينها,، وتغريبها عن أصالتها وحضارتها وقيمها، وإخضاعها الكامل للثقافة الغربية المتحللة من كل قيد، وإذابتها في بوتقة الحضارة الغربية التي على الرغم من تقدمها العلمي والتقني المذهل قد تحللت أخلاقيا، ودينيا، وسلوكيا بشكل يجعلها تتأكل اليوم من داخلها، وأن الهدف الحقيقي من وراء محاولات فرض القيم الغربية الهابطة على العالم الإسلامي هو جر هذا العالم إلى هوة السقوط التي انهارت مجتمعات الغرب فيها حتى لا تكون أمة الإسلام أفضل حالا منه.* إذا عدنا للحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة هل تطمح في تدريسه بالجامعات العربية والإسلامية؟- للأسف الشديد فأنا خاطبت العديد من الدول الإسلامية في محاولة لوضع مناهج الإعجاز العلمي ضمن مناهج التدريس في جامعاتها فلم توافق إلا دولة الإمارات العربية المتحدة وتحديدا جامعة عجمان التي أعرب رئيسها عن تخصيص كرسي لدراسات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بالجامعة، وأنا أشرف على هذا الكرسي الآن، ولدينا هناك أكثر من مائة وخمسين طالبا وطالبة يدرسون هذا المقرر باللغتين العربية والإنكليزية ونطمح في الوصول بهم إلى مرحلة الماجستير والدكتوراة.* في النهاية كيف ترى مستقبل الأمة الإسلامية؟- أنا متفائل ولست متشائما لأنني أثق بأن هذا الكون كله بين يدي رحمة الله تعالى وأن الله تعالى هو رب الكون ومليكه وإذا أحسنا الصلة بالله تعالى فقد يصلح الله حال هذه الأمة بين يوم وليلة والحمد لله فإن أمتنا تشهد صحوة إسلامية لا حدود لها والدليل على ذلك نجاح وانتشار تجربة مثل البنوك الإسلامية والفنادق الإسلامية وحتى الشواطئ الإسلامية وهو ما يؤكد أن العالم الإسلامي يشهد حالة من الصحوة الإسلامية التي تسعى لتجديد قوة الأمة وإحياء نهضتها ونتمنى أن تستمر تلك الصحوة حتى تستعيد الأمة مجدها المفقود.