بن أفليك يخرج من عباءة لوبيز ويثبت براعته في الإخراج

نشر في 22-10-2012 | 00:01
آخر تحديث 22-10-2012 | 00:01
كم هو غريب أن يبدأ كل شيء بعلاقة بن أفليك وجينيفر لوبيز!
مثل جميع الممثلين تقريباً، لطالما أراد أفليك خوض تجربة الإخراج. لكن في عام 2003، حين كان أفليك مرتبطاً بعلاقة عاطفية مع جينيفر لوبيز، قرر خوض مغامرة مغايرة. حصد الفيلم الذي مثّل فيه أفليك ولوبيز معاً (Gigli) انتقادات لاذعة وكان محط سخرية عارمة. في الوقت نفسه، كان اهتمام مصوّري الفضائح بعلاقة هذا الثنائي هوسياً ومفرطاً ومستمراً.
خلال مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، تذكر أفليك في الشهر الماضي تلك المرحلة قائلاً: «فكرتُ بأن تلك الفترة مشينة جداً، وظننتُ أنها ستدمّر مهنتي وروحي وكل شيء في حياتي. أردتُ الهروب من ذلك كله. بما أنني أردتُ إخراج الأفلام منذ فترة طويلة، فكرتُ بأن اللحظة المناسبة لأخذ استراحة مدتها سنتين من التمثيل وتصوير فيلم وإصداره قد حلّت أخيراً».

بعد بضع سنوات، أصدر أفليك فيلم Gone Baby Gone، وهو عمل مقتبس من رواية دينيس ليهان وقد صدم النقاد ورواد السينما على حد سواء بفضل طبيعة الجو العام ودقة الإيقاع والشخصيات. بعد تلك البداية الواعدة، أعدّ أفليك فيلم التشويق والجريمة The Town وكانت القصة تدور، مثل فيلم Gone Baby Gone، في بوسطن بالقرب من المكان الذي نشأ فيه. فقرر أفليك هناك تطوير سجله في عالم الإخراج من خلال طرح قصة متشعّبة ومشاهد حركة حيوية. عمله الثالث بعنوان Argo،  فيلم تشويق سياسي حقق نجاحاً فورياً حين عُرض في تلوريد وفي مهرجان تورونتو السينمائي في وقت سابق من هذه السنة.

فيلم Argo مقتبس من قصة حقيقية تتمحور حول مهمة إنقاذ ستة دبلوماسيين أميركيين من طهران في ذروة أزمة الرهائن مع إيران في عام 1980. لم يحصد العمل إشادة واسعة لأنه يعرض القصة بطريقة ذكية وراقية ومثيرة للاهتمام كما تحبذ هوليوود في السنوات الأخيرة فحسب، بل لأن العمل يُعتبر تقدماً لافتاً في مسيرة أفليك. فقد أثبت هذا الأخير أنه يبرع في المواضيع الجيوسياسية بقدر ما يبرع في عرض الحالات الاجتماعية المؤثرة وقصص الجرائم، كذلك يجيد عرض التحولات العاطفية الشائكة والغوص في مواصفات الناس داخل المجتمعات القبلية في بلدته الأم. من الواضح أن Argo متطور من ناحيتي الإيقاع والتقنية أكثر من أي عمل أخرجه سابقاً وقد بدأ الحديث منذ الآن عن ترشيح العمل لجوائز الأوسكار، ولا يقتصر الأمر على فئة أفضل تصوير بل يتحدث البعض عن ترشيح أفليك عن فئة أفضل مخرج.

مقطع ساخر

يصعب أن نصدق أن محبي الأفلام يدينون بالشكر لوسائل الإعلام التي تلاحق حياة المشاهير بشكل هوسي لأنها كانت السبب في تسليط الضوء على مخرج يتمتع بذوق وشكل غريب ويعتمد مقاربة بصرية بسيطة تشبه الأفلام الواقعية العظيمة خلال السبعينيات.

تحدث أفليك عن الفترة الممتدة بين عامَي 2004 و2006، حين كان يحضّر ويخرج فيلمGone Baby Gone، فقال: «أدت تلك الفترة إلى إنقاذ مهاراتي الإبداعية. فقد ساهمت في الحفاظ على اهتمامي بهذا المجال الذي كان ليقودني في اتجاه مغاير. لكن تجدد النشاط فيّ وكانت تلك الفترة مصدر إلهام بالنسبة إلي». (خلال تلك المرحلة أيضاً، تزوج أفليك (40 عاماً اليوم) من الممثلة جينيفر غارنر وأنجبا ثلاثة أولاد).

خاض أفليك تجربة الإخراج في السابق، تحديداً في عام 1993، فأخرج مقطعاً ساخراً مدته 16 دقيقة (بعنوانI Killed My Lesbian Wife, Hung Her on a Meat Hook, and Now I Have a Three-Picture Deal at Disney). لكنه يعترف: «لم أكن مخرجاً جيداً حينها». بل كان أفليك يميل إلى التركيز على التمثيل. كان قد نشأ في مدينة كامبريدج، ماساتشوستس، وقد ارتاد المدرسة نفسها مع طفل اسمه مات ديمون، فبدأ ينمّي مهاراته التمثيلية منذ الطفولة في إعلانات ومسلسلات تُعرَض على خدمة البث العام (PBS).

خلال التسعينيات، انضم إلى منتجي أفلام مستقلة مثل ريتشارد لينكلاتر وكيفن سميث. ثم في عام 1997، كتب مع ديمون فيلم Good Will Hunting ومثّلا فيه، وقد حصد فريق العمل جائزة أوسكار عن أفضل سيناريو. (أرادا أن يخرجا العمل أيضاً في البداية، لكنهما تراجعا عن ذلك حين وافق غاس فان سانت على تولي الإخراج). بعد فترة قصيرة، استعرض أفليك وسامته وأسلوبه المصطنع أحياناً في أفلام حظيت بشعبية لافتة مثل Shakespeare in Love و Changing Lanesأو في أعمال فاشلة مثل Daredevil وGigli.

لكن سواء كانت الأعمال ناجحة أو فاشلة، لطالما كان أفليك يراقب ويتعلم ويطرح الأسئلة. يتذكر ما كان يفعله قائلاً: «أذكى ما فعلته في مسيرتي المهنية، منذ مرحلة مبكرة، كان تحويل كل تجربة أخوضها في موقع التصوير إلى مناسبة تفيدني في عالم الأفلام. اكتشفتُ في مرحلة مبكرة أن الناس يحبون مشاركة تجاربهم إذا أبدى الفرد اهتماماً صادقاً بمعرفة تفاصيل عملهم... هكذا استفدتُ من تلك النصائح المجانية من مهندسي الكهرباء والخبراء التقنيين ومديري التصوير والمخرجين والسينمائيين».

أوضح أفليك: «أثناء تصوير فيلم Changing Lanes، تعلمتُ من المخرج روجر ميشيل ضرورة اختيار الممثلين الثانويين بعناية توازي اختيار الأبطال. علمني غاس فان سانت أن عدم توجيه الملاحظات إلى الممثل قد يكون مفيداً بقدر توجيه الملاحظات. أنهيتُ العمل لتوي مع تيرينس ماليك وتعلمتُ منه أهمية تحريك الكاميرا وفق محور معين واستعمال الإضاءة الخلفية. تعلمتُ من كيفن سميث أن العمل يمكن أن يكون تجربة جماعية حقيقية وأن الناس يمكن أن يصبحوا أصدقاء. بالتالي، لا داعي لأن يكون الجو مشحوناً أو متوتراً، بل إن الاسترخاء يفيد الجميع».

استرخاء

يقول أفليك إنه فضّل خيار الاسترخاء عند تصوير فيلم Argo منذ البداية، أي منذ أن قدّم له أحدهم ذلك السيناريو الرائع، فاتصل بالمنتجَين جورج كلوني وغرانت هيسلوف كي يدعماه في تجربته الإخراجية، وهكذا بدأ كل شيء. يُعتبر هذا الفيلم خليطاً من أنواع عدة: بعد إعادة تجسيد مشهد الثوار الإيرانيين وهم يقتحمون السفارة الأميركية في طهران وعرض مشهد مشوّق أثناء هرب الدبلوماسيين الأميركيين الستة من تلك المعمعة، تتحول القصة إلى واشنطن حيث يُكلَّف الخبير توني منديز (أفليك) في وكالة الاستخبارات المركزية بإخراجهم من مقر السفارة الكندية حيث يختبئون.

كما حصل في الحياة الواقعية، يعدّ منديز فيلماً مزيفاً، ما يسمح له بدخول إيران بصفته مفتشاً قبل أن يغادر مع الأميركيين وفق خطة مدروسة. يعرض Argo جانباً ساخراً قبل أن يتحول إلى عمل سياسي مشوّق.

يقول أفليك الآن: «لم أكن واثقاً من نجاح ذلك التحول الجذري في الإيقاع من التشويق إلى الكوميديا أو العكس. إذا بدأنا نتجاهل واقعية الأحداث في الفيلم لمجرد إطلاق الدعابات، يعني ذلك أننا نُضعف مصداقية العمل... ظننتُ أن الأمر يطرح تحدياً حقيقياً في مجال الإخراج، لكن سرعان ما تبين أن الصعوبة الفعلية تكمن في اختيار الممثلين». في نهاية المطاف، استعان أفليك بالأشخاص الذين اختارهم منذ البداية، منهم ألان أركين وجون غودمان: «هما ممثلان كوميديان، في بعض الأفلام على الأقل، وهما يبرعان في تقديم أداء مضحك لكن صادق دوماً».

يقدم أفليك نفسه أداءً صادقاً وبسيطاً في فيلم Argo حيث يصعب التعرف إليه نظراً إلى لحيته وشعره الأشعث الذي يشبه أسلوب السبعينات. سنشاهده في السنة المقبلة في الفيلم الكوميدي To the Wonder من إخراج ماليك، وفي فيلم الجريمة الدرامي Runner, Runner. لكنه لا يعرف بعد العمل الذي سيخرجه في المرحلة المقبلة مع أنه يتمنى أن يُصدر عملاً يجمعه مع ديمون عن رئيس العصابة وايتي بولغر من بوسطن. بغض النظر عن طبيعة المشروع المقبل، سيكون عمل أفليك وراء الكاميرا (لا أمامها) المشروع الواعد في مسيرته المهنية اللافتة على نحوٍ غريب.

back to top