التدخل في سورية يهدد بتداعيات حربٍ إقليمية
عمدت إدارة أوباما اليوم إلى إطلاق تسمية منظمة إرهابية على مجموعة جهادية سورية لتغضب المعارضة السورية، وذلك بغية التدخل للتأثير قبل سقوط نظام الأسد المتوقع وبعده، متخذة من حماية المدنيين غطاءً لها تماماً كما فعلت في ليبيا.
العلامات البادية معبرة عن حقيقة ولا لبس فيها، يستعد الغرب مجدداً لتصعيد التدخل العسكري في العالمين العربي والإسلامي. سورية هي الهدف هذه المرة، فمنذ الانتخابات الرئاسية الأميركية، تضاعفت التحذيرات. في المقام الأول تكررت الكذبة التي مهدت الطريق أمام اجتياح العراق وادعى زعماء الولايات المتحدة وبريطانيا أن النظام السوري على وشك استخدام الأسلحة الكيميائية ضد قوات المتمردين، وحذروا من عواقب هذه الأسلحة الوخيمة.ثم سمحت الولايات المتحدة بتمركز بطاريات صواريخ باتريوت على طول الحدود التركية السورية. وإذ تجلى هدف هذا الإجراء الظاهري في حماية تركيا من نيران المدفعية السورية التائهة، كان يُمكن أن يستعمل عوضاً عن ذلك في المساعدة في شكل مقبول ظاهرياً على دعم منطقة حظر طيران على غرار تلك التي أُنشئت في ليبيا. وقد تحدثت وسائل الإعلام بكثرة عن زيادة إمدادات الأسلحة الأميركية السرية وتدريب المتمردين بالإضافة إلى وضع خطط لزيادة انتشار قوات الاستخبارات والقوات الخاصة أو حتى لتقديم دعمٍ جوي وبحري شامل. وقد طُلِب من المسؤولين الأميركيين والبريطانيين التشديد على أهمية التدخل المباشر والتأكيد أنه إجراء لا مفرّ منه في هذه الظروف.ولحقت بريطانيا بفرنسا واعترفت بائتلاف المعارضة السورية الوطني الجديد، وذلك تحت وصاية حلف شمال الأطلسي (الناتو) والخليج، كممثل شرعي وحيد عن الشعب السوري. وإذ يبدو واضحا أن الائتلاف ليس الممثل الوحيد للسوريين، شكل الإعلان (الذي تجاوز حتى ما قيل خلال الحرب الليبية) سابقة من المحتمل أن تنقلب ضدهم وتلاحقهم في ما بعد. إلا أن الولايات المتحدة وحوالي 100 حليف لم يصدروا إلا بياناً واحداً أقل حدة.ومن المعاني التي قد يحملها هذا الدعم نذكر ذلك المعنى الذي تجلى في آخر شريط مصور تداوله السوريون في ما بينهم والذي ينقل رعب واقع الحياة، إذ يعرض عملية القبض على اثنين من ضباط الطائفة العلوية التابعة للرئيس الأسد وقطع رأسيهما بساطور في الشارع على يد متمردي الجيش السوري الحرّ، وفقاً لما يبدو من خلال مشاهد هذا الشريط، علماً أن أحد هؤلاء المتمردين ليس إلا ولداً.ومن ضمن عشرات الآلاف ممن قُتِلوا منذ بداية الانتفاضة التي اندلعت في العام الماضي لتتحول سريعاً إلى ثورة مسلحة، يمكن أن نجزم أن أغلبيتهم قُتلوا على أيدي قوات النظام، ولكن لا شك أيضاً أن كلا الطرفين ارتكب الفظائع على نطاق واسع. وتكاثرت المجموعات الجهادية ونمت في شكل كبير وانتشرت الهجمات على غرار حملات التطهير العرقي والخطف والقتل بدافع الانتقام والحملات الطائفية التي شهدها العراق.وقد أدانت منظمات حقوق الإنسان التعذيب المتفشي والإعدام بإجراءات موجزة بالإضافة إلى تجنيد الأطفال في صفوف المتمردين على نحو واسع تمارسه المعارضة وكذلك قوات النظام. وقد كشفت قناة "الأخبار4" الأسبوع الماضي دليلًا يشير إلى مقتل أكثر من 100 مدني علوي في بلدة عقرب على يد قوات المتمردين وليس على يد القوات الحكومية وفقاً لما أفاد به المصدر في البداية.يمكنك أن تتخيل أن زيادة هذه الأحداث وتقدم المجموعات المتطرفة في سورية سيعطي الحكومات الغربية سببا للتوقف قبل تحسين الدعم الذي تقدمه للمتمردين، ولكن في الحقيقة، تراهم يشددون على ضرورة مضاعفة تدخلهم.أبلغ رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون مجلس العموم هذا الأسبوع عن وجود صيغة استراتيجية للتحرك لأن الحرب السورية (التي يعمل الغرب وحلفاؤه في الخليج على تغذيتها) تساعد متطرفين على صلة بتنظيم "القاعدة". ويقول في هذا الصدد إن بريطانيا والولايات المتحدة وأنظمة كالمملكة العربية السعودية والأردن تملك فرصة لتشكيل المعارضة السورية. مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة وبريطانيا دأبتا على دعم تركيا والأردن وتدريبهما وحاولتا عبرهما قمع قوات الخليج. وقد عمدت إدارة أوباما اليوم إلى إطلاق تسمية منظمة إرهابية على مجموعة جهادية سورية لتغضب المعارضة السورية وذلك بغية التدخل للتأثير قبل سقوط نظام الأسد المتوقع وبعده متخذة من حماية المدنيين غطاءً لها تماماً كما فعلت في ليبيا.ويبقى كل ذلك جزءاً من الحرب التي أعيد تصنيفها كحرب على الإرهاب. عقب كارثة حربي العراق وأفغانستان، فقدت القوى مواطئ قدمها، فأخذ التدخل مرة جديدة شكل حملات إنسانية جوية تستهدف هجمات الطائرات من دون طيار وعودة إلى الحروب الخفية والحروب بالوكالة التي سادت في ما مضى.ولكن الحروب التي ترمي إلى حماية المدنيين لا تؤدي إلى نتائج تُذكر وفقا لما أظهرته حملة "الناتو" في ليبيا التي ساهمت في زيادة عدد القتلى بعشرات الأضعاف وأمنت الغطاء الجوي للتطهير العرقي والقتل العشوائي. لا شك أن التدخل الغربي في سورية سيتصاعد في شكل كبير من دون أن ينهي أعمال القتل وسيساهم في سلب الشعب السوري حرية تقرير مستقبل بلادهم.ما بدأ في سورية منذ حوالي العامين على شكل انتفاضة شعبية، عمد نظام الأسد إلى قمعها بقسوة، تفاقم بشدة ليتخذ طابع الصراع الطائفي وحرب وطنية بالوكالة لا سيما أن المملكة العربية السعودية وأنصارها من الدول الغربية وجدوا الفرصة سانحة لدفن إيران والحليف الشرق الأوسطي الذي أخلص لروسيا على مدى سنوات طويلة.إلا أن توقعات سقوط الحكومة تبدو من دون شك سابقة لأوانها، ومع افتقار الجهتين إلى القوة الضرورية للسيطرة، يبدو أن الوضع في البلاد يتجه نحو الأسوأ لا سيما أن التدخل الخارجي يزيد من حدة الصراع وعمقه. حتى إن انهار النظام وانسحب إلى حصونه المنيعة، فإن الحرب الأهلية ستستمر على الأرجح.لذلك يبدو أن التسوية عبر التفاوض مع دعمٍ إقليمي ودولي هي السبيل الوحيد للخروج من الصراع الذي تزداد حدته وتشتد. وقد أقر نائب الرئيس السوري شبه المنشق فاروق الشرع (الذي يتوقع أن يعين رئيساً انتقالياً) أن الجيش السوري لا يمكن أن ينتصر في الحرب، ودعا إلى "تسوية تاريخية" وتشكيل حكومة وحدة وطنية.حتى الآن وقعت القوى الغربية وأنظمة الخليج تعهداً بالتفاوض، وقد أطاح السعوديون بمحاولة الرئيس المصري محمد مرسي لرعاية التسوية الإقليمية بالتعاون مع تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية ولكن في شكل أو بآخر لا بد أن تتم هذه المفاوضات في نهاية الأمر.في غضون ذلك، لن يزيد تدخل القوى الغربية عدد القتلى فحسب، إنما لن يسمح لهم بالحصول على السيطرة التي يسعون إليها. وبالفعل بدأت الريبة تتسلل إلى نفوس المقاتلين المتمردين الإسلاميين في ما يتعلق بمسانديهم في الخارج. ومن المرجح أن تمهد هذه الأمور الطريق أمام ردة الفعل السلبية تلك التي أدت إلى تشكيل تنظيم "القاعدة" في أفغانستان في المقام الأول- وإلى توليد المخاطر التي تجتاح المنطقة في ظل صراع لا يزال الأكثر تدميراً عبر الزمن.