37 مليون دولار سعر نجمة خوان ميرو... أسئلة حول المزادات
بيعت لوحة الرسام الإسباني خوان ميرو «النجم الأزرق»، التي تعود الى عام 1927، بمبلغ اكثر من 23.5 مليون جنيه إسترليني في مزاد لندني، لتسجل رقماً قياسياً بالنسبة إلى مبيعات الرسام الإسباني. وقد تضاعف سعر هذا العمل التجريدي ثلاث مرات منذ بيعه آخر مرة في عام 2007، إذ حقق أعلى سعر للوحة بيعت في مزادات لندن حتى الآن في هذا العام. فما الذي يجعل المتمولين وأصحاب الرساميل الضخمة يشترون اللوحات بهذه المبالغ الطائلة؟نسمع أحياناً أن هذه اللوحة أو تلك بيعت
بـ 300 مليون دولار! مبلغ قد يبني مدينة أو ينقذ ملايين الأشخاص من الجوع من جهة... ومن جهة أخرى، هل تستحق اللوحات هذه الأسعار أم أن ثمة من يبيض الأموال بهذه الطريقة، أم هي لعبة الصراع الثقافي الرمزي، أم أن بعضهم لديه تخمة مالية لا يعرف كيف يتصرف بها؟! وهل باتت اللوحات الفنية بديلاً عن الذهب والماس؟ والسؤال الآخر: ماذا لو كان صاحب اللوحة على قيد الحياة؟ وماذا لو علم فان غوغ الذي مات فقيراً بأن لوحاته تساوي المليارات... سر ما يجعلنا نقف حائرين حول أثمان اللوحات التي تقترب من حد الجنون. إنه صراع القيم الثقافية الذي يشبه الوهم. ومنذ هيمنة الحياة الاستهلاكية ونحن في بحث دؤوب عن أشياء تحتفظ بهالتها الخاصة مثل اللوحات التشكيلية، لوحات هي بمثابة رموز حضارية في زمن الاستنساخ الجماهيري الذي لطالما حذر منه الفيلسوف فالتر بنيامين.كم يحلم الفنانون الجدد بأن تباع لوحاتهم بالملايين وتكون كورقة «لوتو»! كم يحلم كاتب بأن يصبح كتابه الأكثر مبيعاً ليقبر الفقر! لكن هذه الأحلام كافة تبدو كضرب المندل، فلا أحد يستطيع أن يتوقع لمنتوجه الثقافي أي شيء في المستقبل، هذا ما تقوله ظاهرة بيع اللوحات.بالعودة إلى لوحة خوان ميرو، فهي واحدة من سلسلة لوحات رسمها الفنان بعنوان «رسوم حلم». في هذه اللوحات، استغرق الفنان في المكان اللامحدود، المتأصل في الظلام والمساحات الفسيحة الخالية المتحررة من أي إشارة إلى الأرض أو الأفق، فصارت مأهولة بأشكال تتصل بالأشباح التي تظهر في حالات الوعي الجزئي. استطاع ميرو أن ينقل التأثيرات التي لا تـُقاس، والتي تنشط وراء نطاق الوعي، إلى مملكة الوعي في ساعات اليقظة. أصدقاؤه، من شعراء ورسامين سورياليين، اكتشفوا فيه أورفيوس الذي يستطيع أن يمضي إلى عالم الليل السفلي ويجلب، من دون أن يُصاب بأذى، إشارات غامضة، والذي يستطيع أن يقدّم برهاناً على الروابط السرمدية بين العالم الذي نتحرك فيه بوعي، وذلك العالم المجهول الذي يغلـّفنا ويؤثر فينا.خوان ميرو ذلك الفنان الذي أهمل سلطة العقل واتجه صوب الأحلام التي لا تحدها حدود ولا يحكمها منطق، رسم ذكريات الطفولة المخزونة في ذاكرته، قال عنه اندريه بريتون: «كان أكثر سريالية من الآخرين. عاش عالم السريالية بتفاصيله كافة وسلوكه وحياته. لم يرسم لوحة ويفكر بوضع نهاية لها». اختار التبسيط والاختزال في تشكيل تكويناته. هو العاشق للرسومات والتخطيطات التي يضعها الهواة على جدران المنازل والشوارع، كان ماهراً في ألوانه التي تشبه خيالات الأطفال وألعابهم، وفي كل لوحة رسمها اختزل مئات القصائد التجريدية التي لا يمكن تفسيرها.