محمد عيتاني... وجه لا يموت

نشر في 07-12-2012 | 00:01
آخر تحديث 07-12-2012 | 00:01
تصدر الطبعة الثالثة من كتاب «أشياء لا تموت» للقاص والكاتب اللبناني محمد عيتاني عن دار «الفارابي» قريباًَ، وستقام حفلة إطلاق الطبعة في جناح الدار في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب يوم السبت في 15 ديسمبر 2012. محمد عيتاني، المعروف بأنه ترجم «أزهار الشر» لبودلير، يجهل كثر قصصه، وهو من بين قلة من «البيارتة» الذين كتبوا القصص عن المدينة.
حسناً فعلت دار «الفارابي» في إعادة إصدار كتاب «أشياء لا تموت» لمحمد عيتاني، فهذه المجموعة النافدة منذ زمن تعتبر مرآة من مرايا مدينة بيروت، لقاص اشتهر بالترجمة والقص ولكن «الميديا» ظلمته، وربما الزمن والأيديولوجيا، كما ظلمت لبنانيين كثراً أبدعوا ولكن ثقافتهم وبسبب سوء ترويجها بقيت في الأدراج والخزائن وأهملت، بفضل «اهتمام» المعنيين في لبنان.

ثمة عشرات الأسماء المبدعة التي أهملت وظلمت لمصلحة «اللوبي الثقافي» الراهن والمؤدلج الذي يسطو على الأجواء الثقافية بطرق مختلفة. باتت الثقافة اللبنانية تحتاج إلى مركز يعتني بذاكرتها ونتاجاتها المهملة أو المفقودة أو المجهولة، لا سيما المراحل الزاهرة في لبنان التي لا يعرف القارئ الجديد عنها شيئاً، فمحمد عيتاني مثلاً لديه بعض الأعمال المنشورة ولكن في المقابل ثمة مقالات ومذكرات عدة له ما زالت تحتاج إلى من يعدها للنشر.

جاء في تقديم قصص «أشياء لا تموت»: « لاحق محمد عيتاني مختلف وجوه الحياة في مجتمع رأس بيروت القديم قبل أن تطيحه التغيرات العميقة التي حملها زحف المدينة الجديدة، وقد حقق بكتابته هذه القصص إحدى أمنياتنا في أن نتمكن يوماً ما من كتابة حكاية التحولات الهائلة والتبدلات المزلزلة التي عصفت بمجتمعنا، وبأناسه وبعاداتهم وقيمهم ومباهجهم وأمنياتهم المتواضعة أو البالغة الطموح من دون التخلي عن صفة الوفاء للماضي، والمحافظة على صداقته العميقة للأشياء وللوجوه التي زرعت في دروب عمره، وخصوصا تلك التي طافت بأيام طفولته وشبابه».

مواقف وشخصيات

تعتمد قصص عيتاني على تصوير ألوان شتى من المواقف والشخصيات والأمزجة والعلاقات التي تتحرك أو تجري في أجواء وعوالم يعرفها جميع الناس، وليست ملكاً خاصاً للمؤلف ولا تتصل بذكريات نشأته أكثر مما تتصل بحياة أو فرد لبناني آخر.

بمناسبة صدور «أشياء لا تموت»، كتب الصحافي فداء عيتاني (نجل محمد عيتاني): «في صدر غرفة الجلوس في منزلي المستأجر، ارفع دائماً صورة محمد عيتاني، الرجل الوالد والكاتب، وصاحب الوجه الطفولي والابتسامة المحببة. لم تسعفنا الحياة لتمضية الكثير من الأعوام معاً، رحل الرجل وأنا في العشرين من العمر، وترك لي أخوة وكتباً مؤلفة وأخرى مترجمة، وإرثاً كبيراً من المبادئ التي تسمى في حياتنا اليومية في لبنان (هبل).

وأضاف: «نصدر الطبعة الثالثة لكتاب «أشياء لا تموت»، وفيه تأكيد جديد على مقاومة الأدب للموت، وإرادة الناس على الحياة الأفضل، التي لا تمر من دون صراع وقتال ومقاومة عنيدة ضد كل جبار وطاغية وكل محتل».

محمد عيتاني اللامع بين عارفيه كان مجهولاً في العالم العربي، يمكننا القول إن الناقد اللبناني محمد دكروب (صديقه ورفيقه) كان أبرز من كرمه في الكتابة عن أعماله، وقد خصّه بفصل من فصول كتاب «وجوه لا تموت»، وكتب عنه كأنه يكتب رواية مفعمة بالإحساس، يقول: «عينا محمد عيتاني الصغيرتان فيهما لمعان الذكاء الشعبي، وسحر التواصل الأليف والصداقة التي تشعر أنها تولد في كل لحظة. وفي عمق هاتين العينين، في الأغوار البعيدة يلوح ذلك المزيج العجيب من حب عارم للحياة والناس والأشياء، إلى ملامح حزن شاحب يحاول أن يخفي نفسه بالسخرية والمرح والأحاديث التي يتوالد بعضها من قلب البعض الآخر في تشابك غني وخصب ومتنوع، وطريف باستمرار». ويروي دكروب حادثة مأساوية في حياة عيتاني تبين قلقه في مسار الكتابة: «فقد حمل العيتاني أوراقه: بدايات روايات، وقصص وأشعار تتجاوز الحداثة إلى ما بعدها، واعترافات، ورسائل حب مستحيل، وشكاوى من الرفاق وإليهم ومن عقوق الزمان، وبين هذه الأوراق رواية كاملة بعنوان «عائلتان» رماها كلها في بانيو الحمام وباندفاعة جنونية أشعل النار في الأوراق فأحرقها، وكاد يحرق معها المنزل. بعد أيام وقد هدأت عاصفة الجنون، جاءني مكفهراً على غير عادة وجهه الباسم وشفتيه الساخرتين...جلس وراح يبكي».

وُلد محمد عيتاني في بيروت في عام 1926، وغادر الحياة في عام 1988. تلقى تعليمه الابتدائي والتكميلي في المدرسة الأزهرية التابعة لأزهر لبنان، ثم انتقل إلى مدارس المقاصد الإسلامية في بيروت. نشرت له في تلك المرحلة أول قطعة أدبية في المجلة المدرسية بعنوان «مركب الاستقلال» (1941). أنهى دراسته الثانوية في عام 1946، ثم انتقل إلى الجامعة الأميركية حيث أمضى عامين في الدراسة في كلية التجارة. لكنه لم يتابع دراسته، مفضلاً {جامعته هو على الجامعات التي تخرِّج أكاديميين}. وبدأ يتردد على دار الكتب الوطنية للقراءة على امتداد سنوات عدة، ثم التحق بالتعليم الرسمي ليدرِّس مادة الأدب العربي في الكلية الجعفرية في مدينة صور، وفي مدرسة «الجيل الجديد» في السويداء في سورية.

تعرَّف في عام 1948 إلى العلاّمة عبد الله العلايلي، الذي عرَّفه إلى ألبير أديب صاحب مجلة «الأديب» التي كانت تصدر في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، حيث نشر أول مقالة له فيها بعنوان «لمحة من عالم فاليري». واستمر في نشر مقالاته في «الأديب» خلال سنواتها الأولى، ثم تابع الكتابة في مجلة «الثقافة الوطنية». أما أكثر كتاباته القصصية والروائية فقد نشرها في جريدة «الشعب» اليومية وجريدة «الأخبار» الأسبوعية، وفي مجلة «الطريق» الشهرية. ومارس الترجمة منذ أوائل الخمسينيات، فشملت ترجماته كتباً عدة ذات طابع أدبي وفني وبحثي ونظري.

أما أعماله القصصية والروائية التي نُشرت في كتب فهي مجموعته القصصية الأولى «أشياء لا تموت»، وقصته الطويلة «متراس أبو فياض»، ومجموعته القصصية الثانية «مواطنون من جنسية قيد الدرس»، وروايته الأولى «حبيبتي تنام على سرير من ذهب»، وروايته الثانية «تحت حوافر الخيل». وكان قد أضاع روايات أخرى وأحرق الباقي.

back to top