السلم الاجتماعي قبل السياسي والأمني
هل من المفترض أن تستثير فينا الجريمة النكراء، التي كان ضحيةً لها طبيبُ أسنان شاب في مجمع الأفنيوز يوم الخميس الفائت، شيئاً من وعي مفقود، أو ذرة من إدراك غائب، بأن الحالة المتردية التي نعيشها هي أشمل من مجرد قصور في الإجراءات الأمنية؟وهل سيدفعنا ضياع روح بريئة بطعنة جانية إلى إعادة التفكير في الأسباب الحقيقية وراء الحالة المتردية، لأن حصرها في البعد الأمني فقط يعد من قبيل الهذيان وتسطيح الأمور والمزايدة السياسية، التي نحن أحوج ما نكون في هذه المحطة إلى الابتعاد عنها؟
وهل نحن بحاجة إلى التذكير أن حالة شهوة العنف، والحدة في الخطاب، والاستهتار في التشنج، والتحريض على العنف ضد المخالفين، ونبذ التسامح، والاستعداد الجامح لقمع الآخر، والتحفز للاقتصاص والانتقام من كل من نختلف معه، ليس سياسياً فحسب بل على كل الصُّعُد حتى الرياضي منها، صارت جزءاً من ثقافة يومية لا يختلف فيها كبير عن صغير؟ وهل نحن بحاجة إلى التنبيه إلى أن تصاعد العنف اللفظي وثقافته الناتجة عنه، بل والعنف الجسدي ذاته، لم يقتصر على شباب عاثرين يبحثون عن منافذ للتنفيس عن طاقات مكبوتة، ولكنه كان قد وصل إلى قاعة عبدالله السالم، التي تبادل فيها نواب الأمة كل فنون القتال، والتي لم يتوان عن الدخول في أتون معركتها موال أو معارض، ليضربوا لنا نموذجاً وقدوة لواقع حال مجتمع يعيش حالة احتراب اجتماعي على المستوى الفردي قبل الاجتماعي؟وهل يحق لنا القول إننا صرنا نعيش ثقافة اللااحترام واللاتسامح واللاقبول بين الجميع، فلم يعد الكبير قدوة للصغير، يحنو عليه ويقوده إلى بر الأمان، بل صار جزءاً من حالة الاحتراب، والاحتراق والتشظي، ولم يعد الصغير بالتبعية إلا جزءاً من كل مدمر؟قد تكون جريمة القتل البشعة التي وقعت قبل أيام جرس إنذار لمجتمع يمعن في خرق وسط السفينة ليغرقها بما فيها ومن فيها، قد يكون ذلك الفعل الآثم فرصة لإعادة التفكير في حاجتنا إلى معالجة شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وإعلامية لكي ننقذ ما يمكن إنقاذه قبل الغرق المأساوي، أما إن استمر النواب وغيرهم في التعامل بذات العقلية المزايدة والمتحينة لاقتناص الفرصة من أجل مكاسب سياسية آنية فإننا سننتهي إلى ما لا تُحمد عقباه. فهل نتعظ؟