ما السياسة الأميركية تجاه روسيا خلال ولاية أوباما الثانية؟

نشر في 20-11-2012
آخر تحديث 20-11-2012 | 00:01
 أميركان كونسرفاتيف تملك الولايات المتحدة عدداً محدوداً من المصالح الأمنية المهمة التي يمكن حمايتها عبر متابعة التعاون مع حكومات الجمهوريات السوفياتية السابقة. تتنوّع تلك المصالح أبرزها مكافحة الإرهاب، والتخلص من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السوفياتية الصنع، وضمان أمن المواد النووية والإشعاعية، والسيطرة على الأسلحة، ومنع الانتشار النووي، وانسحاب الجنود الأميركيين وقوات حلف الأطلسي بشكل مسؤول من أفغانستان.

 نظراً إلى نفوذ روسيا السياسي والاقتصادي والعسكري في دول الاتحاد السوفياتي السابق، سيصعب على الولايات المتحدة أن تضمن تلك المصالح من دون تعاون روسيا، وسيكون هذا الأمر شبه مستحيل إذا تدهورت العلاقات الأميركية الروسية كما حصل غداة الحرب بين روسيا وجورجيا في أغسطس 2008. باختصار، ستكون السياسة الأميركية غير واقعية إذا حاولت كبح النفوذ الروسي في دول الاتحاد السوفياتي السابق.

صحيح أن روسيا تطرح إشكالية معينة على مستويات عدة وتُعتبر شريكة صعبة، لكن لا يمكن حماية مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها عبر تأجيج التوتر بين الأميركيين والروس. تجدر الإشارة إلى أن احتدام الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا يعني أن دول المنطقة هي التي تدفع الثمن في نهاية المطاف. لم تنجح السياسات الاستفزازية والوقحة والتصادمية التي طبقتها إدارة بوش في دول الاتحاد السوفياتي السابق في تعزيز أمن حلفاء الولايات المتحدة وعملائها، بل إن الحكومات التي عانت أكثر من غيرها بسبب العداء المتزايد بين الولايات المتحدة وروسيا كانت تلك التي سعت إلى توثيق روابطها مع الغرب مثل حكومة ميخائيل ساكاشفيلي في جورجيا. لا عجب أن تصوّت أوكرانيا وقرغيزستان وجورجيا اليوم لمصلحة حكومات تركز على تخفيف التوتر مع روسيا مع أنها ليست موالية لروسيا بأي شكل.

ستُبعد الولايات المتحدة أي شركاء محتملين إذا طالبت الدول المجاورة لروسيا بالاختيار بين واشنطن وموسكو. بما أن المصالح الاقتصادية والسياسية في الدول المجاورة لروسيا ترتبط بعلاقاتها الحسنة مع موسكو (نظراً إلى الاعتبارات الجغرافية الثابتة)، سيميل عدد منها إلى الانحياز إلى موسكو إذا طالبت الولايات المتحدة باختيار أحد المعسكرين. كشفت استطلاعات الرأي التي أجراها معهد "غالوب" في الجمهوريات السوفياتية السابقة عن وجود ناخبين كثيرين يؤيدون إقامة علاقات حسنة مع الولايات المتحدة وروسيا معاً، لكن تميل أغلبية الناس إلى تفضيل العلاقات الحسنة مع روسيا حتى لو حصل ذلك على حساب الروابط مع الولايات المتحدة. أفضل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتهميش بعض الدول السوفياتية السابقة هو أن تطلب منها "الانحياز إلى طرف معين".

لا يزال الجدل المحلي حول سياسة التعامل مع روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة ضعيفاً بسبب الافتراض الخاطئ وغير الواقعي بأن الولايات المتحدة يجب ألا تعارض النفوذ الروسي في الجمهوريات السوفياتية السابقة فحسب، بل يجب أن تبذل قصارى جهدها لكبحه أيضاً. من المستبعد أن تحقق الولايات المتحدة هذا الهدف حتى في أفضل الظروف، لكن نظراً إلى حاجة الأميركيين إلى الحد من التزاماتهم الخارجية ومواردهم العسكرية، من الأفضل تطبيق سياسة بسيطة تكون نتائجها مضمونة. عند النظر إلى الطريقة التي تقارب فيها تركيا وروسيا علاقتهما الثنائية، يتضح أن هذه السياسة يجب أن تركز على عامل "التصنيف" أو "فصل" العلاقات: لا بد من الاعتراف بكل احترام وحزم بنقاط الخلاف مع التركيز على مسائل معينة (مثل الضغط على إيران) حيث يمكن أن يكون دعم روسيا أو خضوعها مفيداً جداً.

على الرغم من بعض التحسن الفعلي في العلاقة الأميركية الروسية بفضل سياسة "إعادة ضبط العلاقات"، فلا بد من معالجة بعض المسائل الشائكة ومنعها من إعاقة التعاون في ملفات أخرى. صحيح أن الولايات المتحدة وروسيا تختلفان حول حجم وطبيعة الرد الدولي المناسب على الحرب الأهلية في سورية، لكن لا ينجم ذلك بأي شكل عن سياسات إدارة أوباما بل إنه يعكس اختلافاً قديماً في مفهوم الحكومتين عن السيادة والتدخل العسكري. كانت روسيا "الديمقراطية" في عهد يلتسين تعارض بشدة أي تدخل إنساني في يوغوسلافيا، ولكنها كانت مفلسة وضعيفة كي تقوم بأي خطوة لمنع ذلك. ثمة نقاط خلاف تقليدية لا يمكن حلها على المدى القصير حتى لو تم تطبيق سياسة روسية مدروسة وفاعلة، منها تطوير نظام أوروبي للدفاع الصاروخي البالستي واستمرار توسّع حلف الأطلسي. لا شك أن حل هذه المسائل في المستقبل القريب هو توقّع غير واقعي وسيؤدي حتماً إلى خيبة أمل وإحباط.

يجب ألا تسمح الولايات المتحدة لروسيا بأن تملي عليها أولوياتها، لكن يجب أن تفهم أيضاً أنّ حجم التعاون الروسي سيتراجع كلما ركزت على نقاط الخلاف. قد يكون هذا الواقع مزعجاً وصعباً، ولكنه أمر حقيقي ولن يتغير في المستقبل القريب. حتى من خلال الإغفال عن بعض نقاط الخلاف، فقد تمنع الولايات المتحدة توسع نطاق التوتر وامتداده إلى ملفات أخرى. لحماية المصالح الأمنية المشتركة بين جميع الأطراف، يجب ألا تسمح الولايات المتحدة بالتركيز على المشاكل الحتمية وتجاهل حجم المكاسب التي يمكن أن تحصدها الولايات المتحدة وحلفاؤها وروسيا نتيجة استمرار التعاون والعلاقات الحسنة.

صحيح أن الإدارة الأميركية تستحق الإشادة لأنها ابتكرت وطبّقت مفهوم إعادة ضبط العلاقات ولأنها تعاملت بطريقة مسؤولة ومنطقية مع روسيا خلال السنوات الأربع الماضية، لكن يبدو أن ولاية أوباما الثانية ستبدأ بتمرير قانون سيرغي ماغنيتسكي وقانون المحاسبة، ما يعني صراحةً رفض فصل العلاقات الثنائية عن هذه الملفات. إنه الخيار الذي تواجهه الإدارة في ما يخص سياستها تجاه روسيا: إما متابعة التعاون الذي يعطي نتائج غير مرضية لكن ملموسة، وإما إطلاق المواقف التي تلقى استحساناً عند الرأي العام المحلي ولكنها لا تفعل الكثير لتحقيق المصالح الأميركية، فلا شك أننا نفضّل المقاربة الأولى لكنّ الخيار موجود. أثبتت السنوات الإحدى عشرة الماضية استحالة مضايقة روسيا ودفعها إلى الرضوخ للأولويات السياسية الأميركية، ما يعني أن بوتين وفريقه سيبرمان الصفقات التي تصبّ في مصلحتهما فقط.

مارك أدومانيس - Mark Adomanis & - دانيل لارسن -Daniel Larison

back to top