خطاب رومني يتجاهل السياسة الخارجية

نشر في 11-10-2012
آخر تحديث 11-10-2012 | 00:01
تحولت انتقادات السياسات الأمنية التي يطبقها أوباما إلى مجموعة من الخطابات المبتذلة التي تتعلق بضرورة تقديم الاعتذار وبقضايا إسرائيل وإيران والإنفاق العسكري، ولا شك أن هذه الاتهامات تشمل وقائع حقيقية، لكنها مجرد شكاوى ولا تقدم أي خيارات بديلة.
 نيويورك تايمز لولا حدوث الاعتداء القاتل على القنصلية الأميركية في بنغازي في 11 سبتمبر لما ألقى رومني على الأرجح خطاباً حول السياسة الخارجية خلال الأسابيع الأخيرة من هذا الموسم الانتخابي، لكن يبدو أن رومني أدرك حجم إخفاقات الرئيس أوباما في ليبيا وهو يخطط لإلقاء خطاب يشدد فيه على أنه سيكون القائد الأفضل لصون الأمن القومي الأميركي.

بالنسبة إلى الرأي العام الأميركي الذي يركز على الاقتصاد، سيكون خطاب رومني الختامي مجرد مضيعة للوقت إذا تمحور مجدداً حول اختلافه عن باراك أوباما. سيشعر الأميركيون براحة أكبر حين يفهمون رؤية المرشح لأنهم سيحصلون بذلك على خارطة طريق أوضح عن مسار المستقبل.

يجب أن يعبّر رومني عن رؤيته في ما يخص مكانة الولايات المتحدة في العالم بطريقة منطقية بالنسبة إلى الشعب الأميركي والأصدقاء والخصوم على حد سواء. يمكن إثبات اختلافه عن أوباما من خلال هذه المقاربة، لكن لم يقم أي زعيم جمهوري بذلك حتى الآن.

يجب أن يقنع رومني الناس بأنه ليس مجرد نسخة مكررة عن جورج بوش الابن، وأنه لا يتوق إلى خوض الحرب في سورية وإيران ولا يريد الرد على جميع القضايا عبر استعمال القوة، بل يجب أن يفهم أن توجه أوباما نحو آسيا يلبّي حاجة ملحّة حتى لو بقي ذلك المسار مجرد خطاب شفهي ولم يتحول إلى سياسة عملية.

يجب أن تنبثق أي رؤية جديدة عن العظمة الأميركية في العالم من فهم حقيقة تغير البلد منذ عام 2001. ما زلنا نعيش في واحد من أغنى بلدان العالم، لكن أصبح الأميركيون أكثر فقراً وقد تعبوا من الحرب وهم يشعرون بالانزعاج بسبب عدم امتنان الدول التي ضحى الأميركيون من أجلها، وتكبدوا تكاليف بشرية ومالية هائلة خدمةً لها، يرغب البعض في الحزبين الديمقراطي والجمهوري في غسل أيديهم من مشاكل العالم.

في ظل هذه الأجواء، يجب أن يقدم رومني تبريراً واضحاً يفسر كيف وفّر النفوذ الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أساساً قوياً كان كفيلاً بنشوء أكثر حقبة ناجحة ومزدهرة في تاريخ البشر، وكيف ساهمت السيطرة الأميركية على الممرات المائية التي تشهد أكبر حركة مرور في العالم في ازدهار التجارة، وكيف أدى تصدير مبادئ الحرية السياسية والاقتصادية إلى انفتاح وتقوية الأسواق التي تبيع السلع الأميركية، فضلاً عن توظيف العمال الأميركيين ومنح الأميركيين مستوى لا مثيل له من الأمان.

كذلك، يجب أن يعرف الأميركيون أن الولايات المتحدة لا تتولى دفة القيادة لجني مكاسب تجارية حصراً، بل إنها تقوم بذلك نظراً إلى عدم وجود أي قوة أخرى أو شعب آخر يمكن أن يستعملا النفوذ بشكل سلمي بالشكل الذي طبع الدور الأميركي في العالم. بغض النظر عن موقفنا من حرب العراق والمعركة في أفغانستان وإسقاط العقيد معمر القذافي، لم تتدخل الولايات المتحدة في أي حالة من الحالات بنية سيئة.

لسوء الحظ، لم يطرح رومني هذه الفكرة. حين طُلب منه أن يعرض تفاصيل مواقفه، تحدث عن سياسة لا تختلف كثيراً عن سياسة أوباما للتعامل مع إيران، وحين تعرض للضغط كي يعلن المقاربة المختلفة التي سيطبقها في سورية، تحدث بحذر شديد لدرجة أن كلامه بدا أقرب إلى مواقف اليساريين. كما أنه أصر على فكرة أن روسيا لا تزال أبرز تهديد جيواستراتيجي من دون أن يقدم أي أدلة مقنعة في هذا المجال. لا يعني ذلك أن رومني لا يستطيع تقديم رؤية مقنعة عن مفهوم القيادة الأميركية، فبعد سماع كلامه في المجالس الخاصة ومقابلته شخصياً في بعض المناسبات، أظن أنه مقتنع برؤية معينة. حان الوقت لطرحها الآن.

يجب أن يوضح رومني أنه متمسك برؤية استراتيجية عن النفوذ الأميركي وأن تلك الرؤية تختلف عن مقاربة أوباما الضيقة والتكتيكية، ويجب أن يخبر الأميركيين بأنه لن يغفل عن التهديدات الإرهابية كما فعلت إدارة أوباما في بنغازي، وأنه لن يحارب لإسقاط دكتاتور في ليبيا ويتجاهل دعوات ثورة أخرى في سورية، وأنه لن يكتفي بإدانة برنامج إيران النووي تزامناً مع منح الشرعية ضمناً إلى النظام الديني هناك وتجاهل خصومه، وأنه لن يقدم مساعدات وإعفاءات من الديون بقيمة مليارات الدولارات إلى القادة الجدد في مصر فيما تنهار مبادئ الحريات الدينية والسياسية في شوارع القاهرة.

من الواضح أن الولايات المتحدة لا تستطيع القيام بكل شيء، لكن يجب أن ندعم دوماً قناعاتنا الأساسية وأن نرفض العقائد الأخلاقية والسياسية والثقافية التي انتشرت في عهد أوباما.

يمكن أن يشرح رومني أن الأشخاص الذين يحاربون من أجل حريتهم سيحصلون على الدعم (السياسي أو الاقتصادي أو العسكري أحياناً) من الرئيس الأميركي. حين يطالب الروس والصينيون حكوماتهم بتطبيق مبدأ المحاسبة، يمكن أن نقف معهم وأن نعمل مع حكوماتهم لتحقيق مصالح مشتركة إضافية. حين يستهدفنا الإرهابيون، لن نكتفي بالقضاء عليهم عبر استعمال الطائرات بلا طيار تزامناً مع تجاهل البيئة التي أدت إلى نشوئهم. حين يتطلع حلفاؤنا إلينا بحثاً عن الدعم، يجب أن نساعدهم كي يحاربوا بأنفسهم.

تحولت انتقادات السياسات الأمنية التي يطبقها أوباما إلى مجموعة من الخطابات المبتذلة التي تتعلق بضرورة تقديم الاعتذار وبقضايا إسرائيل وإيران والإنفاق العسكري. لا شك أن هذه الاتهامات تشمل وقائع حقيقية. لكنها مجرد شكاوى ولا تقدم أي خيارات بديلة. الأسوأ من ذلك هو أنها تجسد العدائية نفسها التي كانت تحرك كارهي بوش.

يجب أن يوضح رومني دعوته إلى تجديد العظمة الأميركية، فمن خلال طرح رؤية تهدف إلى الحفاظ على النفوذ الأميركي بطريقة استراتيجية وحذرة، يمكننا متابعة القيام بأمور عظيمة استناداً إلى موارد أقل، ولا تكمن أبرز نقطة قوة أميركية في النفوذ العسكري أو الإنتاجية الهائلة، بل إنها تتعلق بالالتزام الأميركي بالمبادئ التأسيسية التي ترسخ الحريات السياسية والاقتصادية، وإذا تمكن رومني من توضيح الطريقة التي سيطبقها لاستعمال النفوذ الأميركي بهدف تفعيل تلك المبادئ، فسيتمكن من إقناع الناخبين بأنه يستحق الوصول إلى منصب الرئاسة.

Danielle Pletka

* نائبة رئيس مركز دراسات السياسة الخارجية والدفاع في معهد "أميركان إنتربرايز".

back to top