فجر يوم جديد: الأحرار... الدكتاتوريون!

نشر في 23-03-2012
آخر تحديث 23-03-2012 | 00:01
No Image Caption
 مجدي الطيب مفارقة مثيرة، بل مُدهشة بكل تأكيد أن تقود حركة تُطلق على نفسها «صحافيون أحرار» حملة ضد «الحرية»، وتذهب بعيداً في موقفها المتعنت إلى حد الدعوة إلى تنظيم وقفة احتجاجية للمطالبة بإلغاء قرار عرض فيلم سينمائي، في حين تستميت «الرقابة» في الدفاع عن «الحريات»، ويرفض رئيسها، في موقف يُحسب له، الخضوع للضغوط الرامية إلى دفعه لسحب قرار عرض الفيلم، فما يحدث على الساحة يؤكد أن من يُفترض فيهم أنهم «أحرار» انقلبوا إلى «دكتاتوريين» و{طغاة»، وأن الرقابة المتهمة دائماً بقمع المُبدع، ومصادرة حرية الإبداع هي التي تتصدى لرغبة البعض في تكريس القمع، والتضييق على الحريات، بحجة العبث بالذوق العام، وإهانة مهنة الصحافة، والتطاول على الصحافيين، وكأنهم محصنون من النقد، بينما يُدرك الصحافيون قبل غيرهم أن السينما لم تترك فئة أو شريحة اجتماعية من دون أن تتعرض لها على الشاشة، كما فعلت في «زوجة رجل مهم» و«البيه البواب» و{الأفوكاتو».. وغيرها، وكثيراً ما اتهمت بالشطط والتجاوز الذي وصل إلى حد التجريح.

لهذه الأسباب وغيرها وجدتني حريصاً على مشاهدة الفيلم «الأزمة»، الذي يحمل عنوان «على واحدة ونص»، لأقف على حقيقة ما حدث من «تجييش» للمواقع الإلكترونية و«الحركات الوهمية» و{البيانات الكاذبة» ضده، وكانت المفاجأة المذهلة أن وجدت نفسي بمفردي في قاعة العرض مع اليوم الأول لطرح الفيلم في الشاشات قبل أن يتسلل عدد من عمال دار العرض للهروب من العمل بالنوم في القاعة، ومع أول مشاهد الفيلم اكتشفت أنني حيال «مهزلة فنية» بمعنى الكلمة، فالبطلة التي لا نعرف إن كانت في الأصل راقصة أم مطربة اختارت تمويل الفيلم، ومن ثم أعطت لنفسها الحق في أن تتحول - على الشاشة - إلى مؤلفة وممثلة وراقصة ومطربة وقدمت مع المخرج «المجهول» فيلماً هابط المستوى، ومبتذلاً بدرجة مؤسفة، ليس لأن الشخصية الرئيسة فيه صحافية تحولت إلى راقصة أو لكونها فتاة تعرضت لتحرش زوج خالتها وجماعة من الصحافيين بعده، بل لأننا لم نشاهد فيلماً سينمائياً حسب المفهوم المتعارف عليه، لكننا كنا بصدد أغنيات مصورة أو «كليبات» ضلت طريقها، وبدلاً من أن تُعرض على الفضائيات الغنائية المتخصصة، وجدت لنفسها مكاناً على الشاشة الكبيرة، وهو الخطأ الفادح الذي لا تُسأل عنه «الرقابة» بكل تأكيد، وإنما يتحمل مسؤوليته الكاملة طاقم عمل فيلم «على واحدة ونص»، الذي لم يلق بالاً لأي معايير فنية أو اعتبارات فكرية، واختار دغدغة المشاعر الرخيصة طمعاً في الكسب السريع، وفي هذه النقطة تحديداً يكمن الخلاف مع «الحركات» التي ظهرت فجأة لتندد بموقف الرقابة، وتشجب قرار إجازة عرض الفيلم، وترفض التعرض للصحافيين وكأن «على رأسهم ريشة»، كما يقولون في مصر.

الأفلام الهابطة التي على شاكلة «على واحدة ونص» كثيرة، ولم تتوقف السينما المصرية عاماً عن إنتاجها، وواجب الجمهور والنقاد مواجهتها إما بالتجاهل أو إسقاطها في شباك التذاكر بغير اللجوء إلى تحريض الرقابة أو  الجهات السيادية أو الدينية؛ كالأزهر الشريف أو الكنيسة ضدها، لأنه سلاح ذو حدين سيرتد، في حال استمرأنا اللجوء إليه سعياً وراء مصلحة فئة أو طائفة دون الأخرى، ليصيب الإبداع في مقتل، ووقتها لن ينفع الندم، وستكون العواقب وخيمة للغاية، خصوصاً أن ما حدث من تحريض في قضية فيلم «على واحدة ونص» يثير الكثير من الريبة والشك، ويوحي وكأنها مؤامرة مشبوهة، دبرتها أطراف متعارضة المصالح، فعلى غير توقع كانت «الحملة الإلكترونية» التي دشنت 60 موقعاً للهجوم على الفيلم وتعقبه وبغير سبب منطقي كانت الدعوة إلى وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحافيين، ثم كان التصعيد غير المبرر بالزج بالأزهر الشريف في الأزمة، وكأننا بإزاء خطر جسيم يهدد الوطن، بينما الحقيقة التي فضحها عرض الفيلم أن الأمر لا يستحق هذه الضجة كلها، وأن ثمة لغزاً غامضاً أو شبهة ما وراء ما حدث، وأن ما تم تسريبه من فضائح يزكم الأنوف، ويطرح تساؤلات كثيرة حول مغزى وتوقيت تفجير الأزمة، فالقضية تفاعلت بشكل لا يمكن تصديقه، والمهاترات بلغت حداً لا يمكن السكوت عليه، وكانت النتيجة أن اضطربت المفاهيم، واختلت المعايير، وأصبح الإبداع يُطارد من «الأحرار»، والرقابة تُدافع عن الحرية. والأوضاع «على واحدة ونصف»!

 

back to top