صالح

نشر في 18-08-2012
آخر تحديث 18-08-2012 | 00:01
No Image Caption
 شمائل عبدالعزيز الشارخ في الجمعة قبل الماضية، أشرقت سمائي بوصول صالح، الابن الأول لأختي وزوجها والحفيد الأول لوالديهما، ومنذ ولادته في تلك العصرية الجميلة في مستشفى تشيلسي ويستمنستر في مدينة الضباب وأنا لم أفارقه، فقد لازمته منذ ولادته إلى وقت كتابة هذه الكلمات البسيطة، وظللت أراقب حركاته وأبتسم لتعابير وجهه الجميل وأرتعش لمسكة يديه الصغيرتين.

ومن خلال ملازمتي لصغرينا الغالي، لاحظت بعض الأمور التي جعلتني أفكر لربما نستطيع أن نقتدي بصالح، الولد الصغير البالغ من العمر ثمانية أيام، فسبحان من يضع في أصغر خلقه دروساً في الحياة لمن هم أكبر منه بعقود وعقود:

1- صالح حديث الولادة وبالتالي لا ينتمي إلى عالمنا المعاصر ولا يدرك ما يدور من العالم إلا ما في فلكه الصغير، فهو لا يتابع الصحف بشغف، وليس لديه حساب في "تويتر" أو مدونة، بل صغيري الغالي لا يملك حتى عنوان بريد إلكتروني، وبسبب عدم تواصله المباشر مع العالم الخارجي فهو ليس لديه القدرة على تكوين رأي سديد أو مستقل فيما يدور من معطيات أو مخرجات من حوله.

2- صالح يحرص على امتلاء رصيده الغذائي من أي مصدر كان، سواء كان المصدر الرئيسي وهو والدته أو مصدر آخر وهو "الممية"، وهو غير معني إطلاقا بشرعية استحواذه على هذا الغذاء الغالي، كل ما يهمه هو أن يكون الرصيد "راهي".

3- صالح يحب الهدوء ولا يرغب في أي إزعاج ممن حوله، إلا في الضرورة والضرورة هي المسائل التي تمس احتياجاته الشخصية فقط، أما احتياجات بقية أعضاء فلكه الصغير والمكون من والديه وجدته وخالته، فهو ليس معنياً بشأنهم العام.

4- قد يكون صالح غير معني بالشأن العام لمن حوله ولكن لديه ثقة مطلقة في من هم مكلفون بإدارة فلكه الصغير، فمن خلال هذه الأيام القليلة التي أمضاها معهم، أدرك صالح أن هناك من هو أقدر منه على توفير احتياجاته من الملابس والمهاد والحفاظات، وهناك من هو أدرى باتخاذ قرارات أكله ونومه واستحمامه وتطعيماته، وهناك من هو يحبه ومن هو مخلص لمصلحته إخلاصا صادقا ولا يرغب بأي شيء سوى سلامته وسعادته واستمراره متربعا على عرش قلوبنا.

صالح واضح مع نفسه، يعي حدود قدراته، ويفهم أن هناك من هم أقدر وأكفأ بإدارة شؤونه الخاصة، فلا يتدخل في قرارات المعنيين بالاعتناء به إلا إذا أحد منا اقترف ذنبا فادحا، فيعاقبه صالح بوصلة بكاء محترمة نرضخ لها جميعا إذعانا لصرخات صغيرنا الغالي.

كم أتمنى أن يتصرف البعض مثل صغارنا المواليد الجدد، وأن يدركوا مدى ابتعادهم عن واقعنا الحالي، وعدم فهمهم لمتغيراته الداخلية والخارجية، كم أتمنى أن تكون لديهم الثقة بقدرات من يتفوق عليهم في المعرفة والخبرة، بل حتى يتفوق عليهم بالإخلاص والنزاهة في اتخاذ القرارات السليمة التي تصب في مصلحة البلد، كم أتمنى أن يدرك البعض أن مصلحتهم الشخصية والمحافظة على مكتسباتهم لا تتعارض مع المصلحة العامة إذا ما تم الفصل بين الأدوار وإعطاء كل ذي حقٍ حقه وفقا للقانون. ربما إذا أدرك البعض أن قدرتهم على اتخاذ القرارات السليمة لا تتجاوز قدرة الرضيع في اتخاذ قراراته، فسيكون لدينا بعض القيادات على شاكلة القوي الأمين الصالح اقتداء بالصغير صالح.

خارج نطاق التغطية:

اللهم أعن والدي صالح على تربيته في بلد لا ندرك ماذا يحمل لنا المستقبل فيه، اللهم أرشدهما على بث روح التفاؤل فيه، اللهم ارزق صغيرنا صالح الهداية عن طريق التأمل في أمور الدين والدنيا وليس عن طريق التقليد الأعمى، اللهم أنعم عليه بنعمة حب الوطن وحب العمل وحب الخير للجميع دون تمييز، اللهم اجعل صغيري الغالي أهلاً لاسمه، إنك على كل شيء قدير.

back to top