سعير السياسة أعاد «أدب الرعب» إلى الأضواء في مصر

نشر في 13-12-2012 | 00:01
آخر تحديث 13-12-2012 | 00:01
سباق بين دور النشر على الإصدارات المثيرة للفزع

أعاد بعض دور النشر المصرية طرح إصدارات تنتمي إلى «أدب الرعب»، ما لفت أنظار النقاد والأدباء ومريدي المكتبات في مصر، وطرح تساؤلات حول توقيت طرح هذه الإصدارات، وأسباب كثافتها، بعدما دخلت في دائرة الخفوت والهجران.
أصدرت دار «الشروق للنشر»، بالتعاون مع دار «بنغوين»، ترجمة عربية جديدة لرواية «القضية الغريبة للدكتور جيكل ومستر هايد» للروائي روبرت لويس ستيفنسون، وبترجمة محمد عناني. الرواية هي العمل الأول الذي أدى إلى ذيوع صيت ستيفنسون، واعتبرها النقاد أشهر قصص الرعب على مر الزمان، فضلاً عن أنها تحولت إلى أفلام سينمائية كثيرة، وظهرت في عدد لا يحصى من الرسوم والصور الكاريكاتورية والقصص التي تحاكيها محاكاة ساخرة.

كذلك تشارك هذه الرواية الصادرة عام 1886 روايتي «فرانكنشتاين» (1818) و{دراكيولا» (1897) الأثر الذي تركته في وعي الإنسانية الجمعي، من خلال وصفها الحياة المزدوجة ذات الظاهر الخيِّر والباطن الشرير.

أصدرت إحدى دور النشر الخاصة طبعة جديدة من رواية «ساكن الظلام» للمؤلف هـ. ب. لافكرافت، كاتب أميركي  اشتهر بكتابة قصص الرعب والخيال العلمي وبدأ بنشر قصصه في عام 1923، فأثرت كتاباته على كتاب أميركيين وعالميين كثر. صدرت الرواية بمقدمة للمترجم حامد محمود أشار فيها إلى أن لافكرافت كان يريد أن يرعب العالم كله، بل إنه كان يميل إلى إصابة أصدقائه بالرعب، وقصته «ساكن الظلام» بطلها شخص يدعى روبرت بليك بينما اسم الصديق روبرت بيرج، والشخصية في الرواية نسخة طبق الأصل من الصديق وتشبهه في كل شيء. تأتي نهاية البطل مشؤومة جداً ومرعبة، وفي الخاتمة يحاول أن يعرض نفسه على قوى الشر وكأنه يحاول إخافة نفسه أيضاً.

دار «كنوز للنشر» ومعها عدد من دور النشر الخاصة تسابقت إلى طباعة أعمال الكاتب أحمد خالد توفيق، ذلك بالتزامن مع إصدار دار «بلومزبري» الطبعة الرابعة لروايته «السنجة»، في أقل من شهر بعد صدور طبعاتها الثلاث في نوفمبر. وقال توفيق: «الرواية خليط مجنون من الواقعية والفانتازيا. تدور حول مؤلف يحاول فهم منطقة شعبية اسمها «دحديرة الشناوي»، لكن الناس لا يتقبلونه بسهولة، وتتزامن الأحداث مع قيام ثورة يناير».

الدكتور أحمد خالد توفيق أحد كتاب الشباب في العالم العربي، وكانت دار «بلومزبري» قد أصدرت الطبعة الإنكليزية من روايته «يوتوبيا» فلاقت استحسان الصحافة الأدبية البريطانية ووصلت إلى قائمة جائزة «أدب الخيال العلمي المترجم» القصيرة، وستصدر قريبًا بالفرنسية والفنلندية.

عمل تجاري

التسابق على إصدار روايات الرعب في مصر فسَّره البعض على أنه استثمار لأحداث العنف، والمشاهد الدامية والمرعبة التي يشهدها المجتمع المصري جراء الاستقطاب السياسي الحادث في البلاد، في حين فسره آخرون بأنه لا يرقى إلى مرتبة الظاهرة، وأن هذه النوعية من الكتب تحظى بجمهورها في الأوقات كافة.

في هذا السياق، يقول الناقد الدكتور عبد المنعم تليمة: «تتصيد دور النشر دائماً الفرص، وتقرأ المشهد الأدبي والسياسي، فتساير الأحداث بنشر الكتب الملائمة له. لا أستبعد استثمار الدور هذه الأحداث لصالحها، وأضعه في إطار العمل التجاري البعيد عن الثقافة والأدب»، مشيراً إلى أن القلق والفزع والخوف من حدوث شيء غامض دموي يقضي على حياة من نحب وسط سعير سياسي محموم هي مشاعر وأحاسيس ترتسم على وجوه كثيرين لم يتخيلوا أن يشهدوا يوماً كابوس الموت المجاني ويخافون من إتيان الدور عليهم».

من جهته يقول الناقد الأدبي الدكتور مدحت الجيار إن الأحداث الحالية في مصر أكثر رعباً من روايات الرعب، فالحوادث وأعمال القتل لا تنتهي وهذا ما يجعلنا نعيش الرعب من دون قراءته، ونتمنى راهناً أن يختفي الرعب من حياتنا لنبحث عنه في الروايات.

ويرى الأديب أحمد خالد توفيق بدوره أن كثرة الإصدارات لا ترتبط بحدث معين والأمر يعود إلى دور النشر، موضحاً أن أدب الرعب لا يبارح مخيلتنا حيث الشعور بالخوف دائماً في كل مكان وزمان. ويعتقد أن الأساطير القديمة هي الدليل على ذلك، فقد كانت تحتوي على قصص تهدف إلى إثارة الخوف لدى المستمع أو القارئ، مشيراً إلى أن أدب الرعب لم يتخذ شكله الحالي إلا مع بداية ظهور روايات الرعب القوطي الشهيرة، والتي تحكي القصص في أجواء مرعبة قديمة مثل حوت القلاع والبرق وأضواء الشموع، وقد حاز هذا النوع من القصص شعبية واسعة في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، ثم توالت الكتابات عنه.

حول إشكالية ارتباط الأدب بالأحداث التي يمر بها المجتمع تؤكد الروائية والقاصة ولاء نصر أن كل مجتمع يرتبط فيه الأدب واللغة بالبيئة حيث تتشكل الثقافة ويُصنع التاريخ، فإذا نظرنا إلى البيئة الصحراوية نجدها تختلف في أدبها ومفرداتها عن البيئة الريفية، ومن الصعب مثلاً أن تأتي لأشخاص أحرقت الشمس بشرتهم بروايات تتحدث عن مصاصي الدماء الذين ينشطون ليلاً ليمتصوا الدماء وتطلب منهم أن يتفاعلوا معها.

وتستطرد نصر: «تاريخ الرعب في مجتمعنا لا يزيد على نظام الحكي، لكنه بالطبيعة لا يصلح لبناء رواية ذات أركان سليمة، وإن حدث ستبدو مهلهلة جداً».

back to top