الأغاني الهابطة... استسهال من الشعراء أم مغازلة للسوق؟

نشر في 22-09-2012 | 00:01
آخر تحديث 22-09-2012 | 00:01
أغانٍ بالمئات بل بالآلاف تصدح يومياً من على أثير الإذاعات أو على شاشات التلفزة، فتحدث في معظمها ضجيجاً أكثر من كونها أغاني راقية تسمو بالسمع إلى درجة عالية من الشفافية. هكذا هو وضع الأغنية اليوم في العالم العربي، كلمات لا طعم لها ولا معنى وألحان هابطة لا قيمة لها، يشبه بعضها بعضاً أو مسروقة عن ألحان غربية، وحاضعة لشروط السوق.

يبدو أن الاستسهال في إنتاج الأغاني في سبيل الربح وجني الملايين يدفع قطاع الأغنية إلى السير في نفق مظلم، مع العلم أن الساحة لا تخلو من محاولات جيدة تسعى جاهدة إلى النهوض بهذا الفن من العثرات التي يتخبط بها.

ما أسباب تدهور مستوى الأغنية العربية ومن المسؤول عن ذلك؟ سؤال طرحته «الجريدة» على مجموعة من الشعراء والفنانين وحصدت الأجوبة التالية.

 تميز يعني بطالة

  أحمد عبد المحسن

بندر المطيري

«لا يقتصر تدني مستوى الغناء عموماً على كلمات الأغنية بل يتعدى ذلك إلى مكوناتها كافة، بالتالي لم يعد المثلث الغنائي أساس الأغنية، بل تم نسيانه تماماً» يؤكد الشاعر بندر المطيري، لافتاً إلى أن هذا المثلث الذي يتكوّن من لحن وكلمات وصوت متميز أصبح في المرتبة الأخيرة عند الأغلبية، ومشيراً إلى أنه على رغم وجود شعراء وملحنين متميزين إلا أن كثراً يبحثون عن أغانٍ رديئة ودون المستوى، وهذه مشكلة الأغنية في الوطن العربي.

يضيف أن الشعراء المتميزين والكبار في الوطن العربي عاطلون عن العمل حالياً، وهذا أمر مؤسف، إذ يقتصر عملهم في الأوبريتات الغنائية وفي المسارح، لذا فقدت الأغنية بريقها ولم تعد تنبض، كما كانت في السابق، بملحنين كبار وشعراء وفنانين يملكون أصواتاً جميلة. لذا يحذّر من تصاعد هذه الظاهرة في الوطن العربي ويخشى تدني مستوى الأغنية بشكل أكبر في المستقبل القريب.

عبداللطيف البناي

«يختلف مستوى الكلمة من شاعر إلى آخر، فثمة كلمة جيدة وأخرى رديئة وثالثة تجارية»، يقول الشاعر عبد اللطيف البناي مشيراً إلى أن الكلمة الجيدة ما زالت مطلوبة لدى أغلب الشعراء لأنها الأفضل، أما الكلمة الرديئة والطاغية في الوقت الراهن فتؤدي إلى تراجع مخيف في مستوى الأغنية، فيما تبحث الكلمة التجارية والمنتشره راهناً عن المادة من دون الجودة.

يضيف: «ثمة شعراء يحافظون على جودة الأغنية العربية والخليجية وعلى روعة الكلمات، ولدينا أمثلة حول هؤلاء، فيما يتناسى آخرون للأسف الجودة ويغلّبون الأمور المادية والتجارية، أتمنى أن تنتهي هذه الظاهرة سريعاً».

خالد البذال

«الكلمة المتميزة نادرة في الوسط الفني، والأغنية غير مستقرة لأسباب أبرزها تراجع الاهتمام بالأغنية حالياً، فلم تعد الكلمات الرائعة والرزينة تلقى أي اهتمام يذكر، بالإضافة إلى اختفاء الألبومات الغنائية»، يوضح الشاعر خالد البذال متوقفاً عند سبب رئيس أيضاً وهو امتناع شركات الإنتاج عن تبني المطربين، ما أدى إلى تراجع في مستوى الأغنية...

يلاحظ أن ثمة شعراء لا يكترثون بالواقع، ويثابرون وينتجون أفضل الكلمات التي يؤديها مطربون يبحثون بدورهم عن مخاطبة القلب والوجدان، من هنا يتمنى أن تعود الكلمة إلى ما كانت عليه سابقاً ليعود التميز إلى الساحة الفنية.

أحمد الشرقاوي

«الأغنية الخليجية متفوقة من حيث القصيدة والكلام الغنائي المميز، وما زلنا نستمع إلى كلمات مبدعة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأغنية المصرية، وقد برز في هذا المجال شعراء متميزون من أمثال بهاء الدين محمد ومحروس نصر وفنانون مبدعون من أمثال شيرين عبد الوهاب»، يوضح الشاعر أحمد الشرقاوي، لافتاً إلى أن الأغنية الشعبية أصبحت تركز على كلمات هابطة لا تليق بالمستمعين، وخرج المطربون الشعبيون عن إطار الأغنية الشعبية المصرية القديمة، ما قد يؤثر سلباً في سلوكيات الشباب، إلا أنه لا يعمم ذلك على  المطربين الشعبيين كافة، فثمة من يحافظ على مستوى رفيع.

يضيف أن الأغنية اللبنانية تتمتع بكلمات جيدة فيما الأغنية العراقية تدنت رغم نجاحها إعلامياً إذ تعتمد على كلمات هابطة وسوقية، بعدما كانت تركز في السابق على قصائد لكبار الشعراء، ما زلنا نتغنى بها لروعتها وجمالها. في النهاية سترجع الأغنية المتميزة مهما طال انتظارها.

ترويج السيئ بالمال

بيروت- ربيع عواد

نزار فرنسيس

«مستوى الأغنية جيد نوعاً ما، لكن يجب أن تسير نحو الأفضل لمقاومة الانحدار الذي بلغته الأغنية اللبنانية في مرحلة من المراحل»، يقول الشاعر نزار فرنسيس الذي يصف أغنيات معينة بالفاضحة وغير مقبولة فنياً وثقافياً وأخلاقياً ومن العار أن تغنى.

يضيف: «لا أجد نفسي في الكلمات البسيطة، يهمّني تقديم كلمات لا تخدش الأذن وتعبّر عن أخلاقنا ومجتمعنا وطبيعتنا وحياتنا، لأن أغنياتنا هي مرآة حضارتنا، لذلك لا يمكن أن نتطرّق إلى مواضيع غريبة عنا أو موجودة بنسبة 20 في المئة فحسب».

يؤكد فرنسيس أن الفن يحمل رسالة محبة وتآخٍ وتسامح ووطنية... ويشكل مساحة تلاقٍ للحضارات، من هنا يعتبر نفسه في مواجهة مستمرة لكل ما يسيء إلى الأغنية اللبنانية في مكوناتها كافة، إن على صعيد الكلمة أو اللحن أو التنفيذ أو الأداء، «لأن «المحن» لا يليق بها»، على حدّ تعبيره.

فارس اسكندر

«حاول كثيرون تقليدي لكن التقليد الأعمى أساء إلى الأغنية وبتنا نسمع كلمات نافرة، وثمة فرق، حتماً، بين التفاهة والهضامة»، يؤكد الفنان فارس اسكندر، في حديث له، رداً على الهجمة التي شنّها عليه شعراء الأغنية وأوساط إعلامية وصحافية اتهموه بأن أغنياته تخطت بمضامينها الخطوط الحمراء.

يوضح اسكندر أن منتقديه يحاولون التشويش على نجاحه، ويشدد على أنه يطرح مواضيع جريئة في أغنياته  لكن بطريقة ذكية ومنطقية بعيدة عن الابتذال وخدش الحياء، ويضيف: «يجب أن يحمل الفن رسالة معينة، وهذا ما أركّز عليه في أغنياتي لكن بطريقتي الخاصّة كوني أكره الروتين، وأودّ أن أفاجىء الناس بين الحين والآخر بأسلوب جديد في أغنياتي».

سليم عساف

«على مرّ الزمن كانت ثمة أغنيات ذات مستوى عال وأخرى هابطة، إنما لم يكن يسلّط الضوء على الأخيرة»، يشير الشاعر سليم عسّاف الذي تعاون مع أهم نجوم العالم العربي على غرار كارول سماحة، رامي عياش، نجوى كرم، ماجدة الرومي وغيرهم...

يؤكد أن مستوى الأغنية في تأرجح بين صعود وانحدار وأن من واجب وسائل الإعلام دعم الاغنية الراقية للحفاظ على مستوى رفيع، يقول: {تزدحم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بكمّ من الأغنيات الجديدة وتُدفع أموال طائلة لتسويقها. يؤلمني الواقع الذي وصلنا إليه لأن الفنان الحقيقي يفتقر إلى قدرات مالية لتسويق أغنياته فيما تسيطر موجة الفنانين الهابطين على الساحة الفنية، لأنهم يملكون المال لتسويق أنفسهم وفنّهم السيئ وتصدّر وسائل الاعلام. مع ذلك أنا متفائل بالمستقبل لأن ثمة أغنيات مهمة وجادة تطفو من وقت إلى آخر على سطح هذا البحر الهائج الذي إسمه الوسط الفني}.

سمير نخلة

«أرفض كتابة أي شيء والتعاون مع أي كان، أستغرب كم الأغنيات الذي يطرح في الأسواق رغم صعوبة العثور على فكرة جديدة للأغنية في هذه الأيام»، يقول الشاعر سمير نخلة مضيفاً أن «ثمة كلمات ليست مستحبة مني ومن الذين ينتبهون إلى الجودة، وأغنيات «بلا طعمة» يعشق المستمعون موسيقاها ليرقصوا. نحن في عصر يخلط بين الجيد والسيئ، والحابل والنابل، وثمة أغنيات لا تعدو كونها مجرّد نكات تصلح للمونولوج».

يشدّد على أن رفع مستوى الأغنية يكون من خلال الحفاظ على القيم واستمرار الشعراء، الذين يقدّمون مادة جيدة، في تقديم المزيد، وهم كثر في مقابل قلة تستعين بالخدع للانتشار، لكنها سرعان ما ستغيب عن الساحة حسب رأيه، ويقول: {يمكن أن أعظ الآخرين، إنما لا يمكن أن أفرض المستوى عليهم. في النهاية، من له أذنان سامعتان فليسمع».

بين الابتذال والرقي

القاهرة - هند موسى

إكرام العاصي

«لكل عصر أغانيه وكلماته التي تلائمه، وباتت الكلمات الهابطة المنتشرة حالياً موضة يتعلّق بها كثيرون، لكنها لن تدوم، عكس الكلمات الثابتة الجميلة المكتوبة بإحساس عالٍ من الداخل، فهي تتلامس مع المتلقي الذي يسعى إلى تهذيب أذنه»، تقول الشاعرة الغنائية إكرام العاصي مؤكدة أنه مهما زاد جمهور الأغنيات الهابطة إلا أنه سيعود في النهاية إلى الكلمات الأصيلة لمطربي الزمن الجميل، مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزي.

تضيف العاصي أن انحدار مستوى الألفاظ لدى الشباب الذي يعتبر الأكثر استماعاً، ينعكس على كلمات الأغاني، ما يفسر لماذا انتشرت الكلمات السوقية، وتعزو المشكلة إلى الجمهور الذي يستمع إليها، «فهو يبحث عن أغنية يرقص عليها وتمحو همومه ومشاكله، في خضمّ الظروف غير المستقرة التي تمر بها البلاد، بعد ثورات الربيع العربي، التي أدت إلى انقسام الجمهور إلى قسم تائه يعشق الأغاني ذات الكلمات الهابطة، وقسم مستمع يختار ما يستمع إليه حتى لا يلوث سمعه».

تشير العاصي إلى أن ثمة خيطاً رفيعاً بين كتابة الكلمات الشعبية أو الضعيفة والكلمات الراقية، «لا يوجد ما يمنع تقديم النوع الأول، شرط احترام المستمع»، لافتة إلى أنها قدمت كلا النوعين، فكتبت أغنية «ياما قالوا» لنوال الزغبي بكلمات متداولة بين المستمعين، وأغنية «أحلف بالله» التي غناها هاني شاكر ومن بعده هيثم شاكر، كذلك الحال في «أهلا إزيك» وهي أغنية هجائية شعبية ضد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، كتبتها بأسلوب شعبي، إلا أنها لم تهبط بمستوى الكلمات، تقول فيها: «أهلا ازيك يا اللي مشوفتش زيك أبدا، ولا حد بيشبهلك أبداً ومفيش منك اتنين، كشفتك وبرده مش همك افهم يا عم حس على دمك، أنا مش قربتك أنا مش حبيبتك أنا واحدة من عمايلك طهقت».

عوض بدوي

«لم أعد أستمع إلى الأغاني مثلما كنت أفعل قديماً بسبب تردي كلماتها حتى وصلت إلى الانحراف وقلة الأدب بكل صراحة ومن دون خجل وترك المستمع يفكر في ما تقصده المطربة من الكلمات التي تغنيها، فيضطر الجمهور إلى الاستماع إليها غصباً عنه»، يوضح الشاعر الغنائي عوض بدوي، عازياً تنامي ظاهرة الكلمات الدونية في الأغاني إلى إساءة فهم معنى الأغنية الشعبية.

يضيف: «للأسف أصبح مفهوم الغناء الشعبي هو الغناء السطحي التافه المُسفّ، ومن يؤديه شخص جاهل لا يعرف القراءة والكتابة، ويغني لسائقي الميكروباصات وهذا غير صحيح، فهل كان محمد عبد المطلب ومحمد قنديل جاهلين؟ الإجابة منافية لما يحدث الآن، فحتى المثقفين كانوا يستمعون إليهما، وما زلنا نستمع إليهما عندما نريد ضبط حالتنا المزاجية».

يرى بدوي أن الفساد الذي عاشه المواطن العربي في السنوات الماضية، كان من نتائجه قلة الوعي والتعليم والثقافة، وهبوط مستوى الإعلام الذي يروج للأغنيات الهابطة، كالقنوات التي افتتحت أخيراً ما أدى إلى ظهور أشباه كلمات الأغاني...

أما الحلّ، برأيه، فهو في يد الأجيال المقبلة كونها وحدها المتحكمة في رسم مستقبل الأغنية العربية، إما أن تصعد أو تهبط بها أكثر.

طاهر البرنبالي

«الكلمات السائدة في الوقت الحالي لا تعبر عن جمال الأغنية العربية الأصيلة التي أصبحت عملة نادرة» برأي الشاعر طاهر البرنبالي، وذلك بعد التغييرات التي أحدثها الشعراء أو مؤلفو الكلمات عليها، حتى صار بعضها هابطاً بالفعل، وقلة تحافظ على مستواها مثل محمد منير وعلي الحجار وإيمان البحر درويش ومدحت صالح.

يتمنى البرنبالي أن يتحسن مستوى كلمات الأغنية في الأيام المقبلة مع وجود أجيال تؤمن بأهمية الكلمة وقيمتها في إحداث تأثيرات وتغيرات في البلاد، «ليس أدل على ذلك من الأغنيات التي أثارت الهمم في نفوس الثوار العرب، نظراً إلى كلماتها القوية التي تخترق القلوب والعقول». يعزو البرنبالي تغير أذواق الجمهور وإقباله على الأغاني الهابطة إلى أسباب اجتماعية واقتصادية في المقام الأول، ثم الكسب السريع الذي يتوخاه المنتجون فيتاجرون بغرائز الشباب ويضغطون على الشعراء لكتابة كلمات دارجة وسهلة ومتداولة بين الجمهور، وبعد الملايين التي يحققونها يصبحون نماذج يقتدى بها في عالم الغناء ومن هنا جاء التقليد وانتشرت تقليعة كلمات من دون معنى.

يشير إلى أن الوضع يختلف إذا توافرت جهة إنتاج راقية مثل اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ومغنٍ يحترم مستمعيه.

حلمي بكر

«يجب مراجعة الشعر في الزمن الماضي للتعرف إلى الفرق بينه وبين الكلمات المستخدمة حاليا، يقول الموسيقار حلمي بكر، واكتشاف أن ما يكتب راهناً مجرد كلمات مكتوبة إلى جانب بعضها، يغلفها لحن ليستر عيوبها، «فيما في القديم كان للكلمة قيمة وللحن قيمة أخرى منفردة، وكان التقييم يحدث لكل منهما بشكل مستقل، أما اليوم فلم نعد نفرق بين اللحن والكلمة لاندماجهما الشديد مع بعضهما البعض».

يدلل بكر في حديثه على كلمات تتر مسلسل «الزوجة الرابعة» الذي أداه وائل جسار ويقول فيه: {العملية بقت كشري وكله فاتح على الرابع»، ويتساءل: ألهذا الحد وصلت كلماتنا؟ أرفض تماماً أن نهبط إلى هذا المستوى، «قد يكون الاستسهال سبباً للجوء بعض المطربين إلى الأغنيات الهابطة، بخاصة الذين يشعرون بأن نجمهم قد اختفى فيفكرون في العودة بكلمات غير معتادة ليثيروا ضجة ويتحقق هدفهم.

back to top