أشلاء ديمقراطية

نشر في 30-11-2012
آخر تحديث 30-11-2012 | 00:01
 لمى فريد العثمان اختزال البعض للحراك الشبابي غير المسبوق في التيار الإسلامي هو في رأيي إخفاق جسيم في قراءة المشهد السياسي والاجتماعي قراءة واقعية موضوعية، وعليهم أن يعيدوا قراءته من جديد ويسألوا أنفسهم من وراء هذا الحراك وما هو سببه؟ فوراءه الشباب الغاضبون من واقعهم المر المتقهقر، والانقسام الحاصل بين المقاطعين والمشاركين يشمل كل فئات المجتمع وأطيافه المتنوعة، فهناك المقاطع وهناك المشارك بين كل مكونات المجتمع سواء بين الإسلاميين أو "الليبراليين" أو القبائل أو أي من التوجهات السياسية والمذهبية، وحتى في داخل الأسرة الواحدة تجد المقاطع والمشارك... فدعوا عنكم هذه الأسطوانة المشروخة وهذا الإرهاب الفكري الذي تمارسونه على شباب يطالب بشكل سلمي بحقوقه المشروعة في المشاركة في صنع قراره ومصيره.

ينبثق جوهر وروح الديمقراطية من مفهومين غائبين في ديمقراطيتنا العشائرية وهما: سيادة الشعب والفصل بين السلطات، وغيابهما ينتج ديمقراطية مسخاً وهجينة. وقد جاء في المادة السادسة عشرة من إعلان حقوق الإنسان أن "أي مجتمع لا تكون فيه الحقوق مكفولة، أو فصل السلطات محدداً، هو مجتمع ليس له دستور على الإطلاق".

وبدلاً من التوجه لاستكمال المشروع الديمقراطي يعود بنا الزمن القهقرى إلى عصور غابرة، وبدلاً من العمل على تقييد صلاحيات الحكومة الواسعة الجاثمة على صدر السلطة التشريعية يتم تقييد إرادة الشعب وسيادته.

واهمٌ من يعتقد اليوم أن الحكومة تقف مع الانفتاح ضد الإسلاميين السلطويين، فهي لاتزال توظف المنابر والمساجد والوعاظ لأغراضها السياسية، وفي ترويجها لمفهوم "السمع والطاعة" الذي ينسف مفهوم "العقد الاجتماعي".  

الخوف من الآخر الاقصائي لا يبرر الإقصاء والقمع ولا سلب الإرادة ووقوف البعض مع سلطوية الحكومة خوفاً من سلطوية الإسلاميين والأغلبية، لأنه منطق هش مهلهل انتهازي، ولن يصدقهم أحد إن رفعوا أصواتهم مطالبين بالحريات كما كانوا يدعون، فالحريات لا تتجزأ، وما الفرق إذاً بين تيارات الإسلام السياسي التي تؤمن بالحرية السياسية فقط، وبعض "الليبراليين" و"التقدميين" الذين يروجون لنصف ديمقراطية، أو أشلاء ديمقراطية؟

يتناسى البعض أن العداء التاريخي للديمقراطية ابتدأ منذ المجلس الأول حين قدم نواب الشعب استقالتهم احتجاجاً على إصدار الحكومة لسلسلة من القوانين المقيدة للحريات القاتلة للديمقراطية من أجل وأد التجربة وهي في مهدها، وحين شعر النواب الثمانية المستقيلون أن الديمقرطية الوليدة أصبحت في مهب الريح، دعوا إلى مقاطعة الانتخابات التكميلية لكي يوصل الشعب رسالته السلمية إن كان مؤيداً لإجراءات الحكومة أم رافضاً لها، تلك الرسالة الاحتجاجية السلمية شكلت استفتاء شعبيا أصدر حكمه على مشروعية القرارات، وقد استجاب الناس للدعوة، ولكن الحكومة حاولت إخفاء النتائج، لأنها أدركت أن من وصل إلى المجلس لا يحظى بالمشروعية والتمثيل الحقيقي.

الدعوة للمقاطعة اليوم بعد خمسين عاماً من ولادة الدستور هي بمثابة رفع الأيدي عن المشاركة في خنق روح الديمقراطية وركائزها التي أضحت بقايا أشلاء ممددة على قارعة التاريخ.

منع بدرية البشر

رهان بعض من يسمون بـ"المستنيرين" على الحكومة هو رهان خاسر، فلا يمكن الرهان على حكومة تلاحق أصحاب الرأي وتستخدم الحبس الاحتياطي لتأديبهم، وتمتهن كرامات الناس وتبعث لهم بقواتها الجرارة لتضربهم بالعصي، ولاتزال (رغم غياب التيار الاسلامي) تمنع المثقفين من الدخول للبلاد كما حصل للكاتبة السعودية بدرية البشرية يوم أمس!

back to top