قادة تاريخيّون كبار في ثورات القرن العشرين ...أين قادة الثورات الناعمة؟
شهد القرن العشرون ثورات تاريخية كبرى امتدت من بداياته إلى نهاياته لكل منها سمتها ولكل منها موقعها في تاريخ العالم الحديث، وفي كتابه الجديد «قادة تاريخيّون كبار في ثورات القرن العشرين» أختار كريم مروة أن يؤرشف مسار هؤلاء القادة.
يستحضر كريم مروة رموزًا في كتابه «قادة تاريخيّون كبار في ثورات القرن العشرين» قادة الثورات السابقة ويبرز الجوانب العظيمة في تلك الثورات والأهداف والسمات المعبرة عنها، بهدف الكشف عن عناصر الخلل التي قادتها جميعها إلى نقيض أو ما يشبه نقيض ما قامت لأجله، وما وعدت شعوبها بتحقيقه: «الحرية للإنسان الفرد وللإنسان الجماعة، وتأمين حقوقه الإنسانية وسعادته، وإلغاء كل ما كان عبر التاريخ مصدر قهر له واستغلال واستعباد وظلم وإفقار».أما الغاية من إبراز هذين الأمرين في تناقضهما كما يرى الكاتب «فهي القول أولاً، بالوقائع وبالحقائق، لشباب الثورات العربية، بأن التاريخ هو تواصل لا انقطاع فيه، والقول لهم ثانياً، بأنهم بثوراتهم إنما يستكملون في شروط زمانهم ما انقطع في الثورات السابقة، والقول لهم ثالثاً، بأن عليهم أن يقرأوا عناصر الخلل التي قادت تلك الثورات إلى فشلها. إذ إن المطلوب منهم ألا يكرروا ذلك الخلل في ثوراتهم، وهي في بداياتها الصعبة والشاقة والحافلة بالألغام وبالبقايا الظاهرة والكامنة من الأنظمة القديمة التي يناضلون لإسقاطها ولاستبدالها بأنظمة جديدة مختلفة، أنظمة مدنية تحقق التقدم لبلدانهم والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لشعوبهم (...) تلك هي ببساطة وظيفة الكتاب في هذا الوقت بالذات إذ أقدمه إلى القراء في بلداننا وإلى الشباب منهم على وجه الخصوص، من هم في قلب الثورات ومن هم على هامشها يراقبون وينتظرون، فإنني أقوم بواجب تمليه عليّ تجربتي في العمل السياسي كاشتراكي على امتداد أكثر من ستين عاماً.متابعة النضال في الكتاب أيضاً يخاطب كريم مروة شباب الثورات العربية ويحثهم على متابعة النضال لإسقاط ما تبقى من رموز الاستبداد، معتبراً أنهم أمام مرحلة جديدة، وهي المرحلة الأصعب والأشق والأكثر كلفة من المرحلة السابقة، ذلك أن للنظام القديم قوى ستظل تقاتل حتى آخر رمق دفاعاً عن مواقعها القديمة... أما أهم ما حققته الثورات «إنما يكمن في أنه قد هدم الأساس الذي بُني عليه النظام القديم، وأن هذا النظام قد بدأ يتهاوى. المهم، إذاً، هو الاستمرار في التقدم (...) ولكن بوعي أرقى، وبواقعية لا غنى عنها، وباحترام ضروري للمرحلة في النضال وللشروط الخاصة بكل مرحلة».جاء الكتاب في جزئين يجمع فيهما مروة أبرز قادة ومفكري ثورات القرن العشرين وملهميها. الجزء الأول ويضم: لينين، روزا لوكسمبورغ، صن يات صن، عمر المختار، عبدالكريم الخطابي، غاندي، سعد زغلول، هدى شعراوي، جعفر أبو التمن، مصطفى كمال، سلطان الأطرش، ماوتسي تونغ، هوشي منه، عز الدين القسام، دولوريس إيباروي، عبد القادر الحسيني، جوزيف تيتو، مصطفى البارازاني، وجمال عبد الناصر.أما الجزء الثاني فيضم: فيدل كاسترو، أرنستو تشي غيفارا، محمد مصدق، أحمد بن بلّه، فرانز فانون، الحبيب بورقيبة، عبد الكريم قاسم، جوموكينياتا، أغوستينو نيتو، باتريس لومومبا، مارتن لوثر كينغ، عبد الفتاح إسماعيل، جون قرنق، نلسن مانديلا، جورج حبش، كمال جنبلاط، الإمام الخميني، وياسر عرفات.أسئلة كثيرة تطرح من خلال كتاب كريم مروة وموجهة إلى الكاتب نفسه، والسؤال الأول من هو الثوري ومن يحدده؟! إذ بات الثوري في العرف الثقافي مثل الشعر يحمل معان ملتبسة!! في مرات كثيرة يتداخل فعل الرجل الثوري في فعل الإرهابي، والراجح أن كريم مروة يميز بين الثوري الماركسي والثوري الجهادي، مع أنهما يتقاطعان في العنف.أبرز الأسئلة الأخرى، هل يبقى الذي قام بالثورة ثورياً حين يتحول مجرد طاغية ومستبد؟ هل يعتبر الخميني مثلاً ثورياً أم مجرد رجل دين عرفاني مستبد قتل أبرز قادة الثورة الإيرانية بدءاً من الشيوعيين وحتى المقربين منه؟ لماذا يتضمن الكتاب لينين من دون ستالين، أو ماو تسي تونغ من دون ليون تروتسكي أو كيم أيل سونغ؟ وهل ينفصل بول بوت عن «الثورات» الشيوعية في آسيا؟ ولماذا روزا لوكمسبورغ من دون أنطونيو غرامشي أو حتى جان بول سارتر؟ من هو أكثر ثورية وديع حداد أم جورج حبش؟! ولماذا كمال جنبلاط من دون جورج حاوي أو محسن ابراهيم؟ ولماذا هدى شعراوي وليس طه حسين؟ أليس بشير الجميل ثورياً في عرف مناصريه؟والسؤال الأهم، أين كريم مروة من قادة «الثورات الناعمة» في العالم بدءاً من قادة الثورة الطالبية في فرنسا في مايو 1968، التي كان لها الدور الأبرز في تغيير ثقافة الشبان في العالم، وهي رفعت شعارات مثل «المنع ممنوع» وأنتجت ثقافة ما زال العالم يدور في محورها؟ من الجانب الآخر، أين قادة «ربيع براغ» وعلى رأسهم الكاتب المسرحي والمثقف فاتسلاف هافل والسياسي الكسندر دوبتشك؟ ثم أليس ميخائيل غورباتشوف ثورياً، بغض النظر عن فشل البرويستريكا أو نجاحها؟ مع العلم أن أرشيف المجلات الفكرية والثقافية يزخر بمقالات لكريم مروة عن البرويستريكا ودورها، يوم كان الحزب الشيوعي ينتظر مطر موسكو ليحمل الشمسية في بيروت؟أين قادة الفن والشعر من الثورات، ألا يعتبر جون لينون ثورياً على طريقته ومؤثراً أكثر من قادة كبار؟ ألم تخف إسرائيل من شعر محمود درويش أكثر من البندقية؟