مرشحان وسياسة خارجية واحدة!

نشر في 04-11-2012
آخر تحديث 04-11-2012 | 00:01
بغض النظر عن حجم الانقسام بين الأميركيين حول السياسة المحلية، يبدو أنهم موحدون حول ما يجب فعله (أو عدم فعله) في العالم الخارجي المعقد والوحشي الذي يفتقر إلى الفرص الجدية.
 نيويورك تايمز عند مشاهدة المناظرة الرئاسية التي تمحورت حول السياسة الخارجية في الأسبوع الماضي، يمكننا أن نعذر أي شخص شعر بأنه يشاهد مرشحاً واحداً بدل اثنين.

بينما تحوّل باراك أوباما إلى نسخة أقل تهوراً وأيديولوجية من جورج بوش الابن (من خلال زيادة عدد القوات العسكرية في أفغانستان، وإبقاء معتقل غوانتنامو مفتوحاً، واستعمال طائرات "بريداتور" بلا طيار)، أشار أداء رومني إلى أنه سيكون نسخة عن باراك أوباما في أبرز قضايا السياسة الخارجية.

هذا ما يثبت نقطة جوهرية: بغض النظر عن حجم الانقسام بين الأميركيين حول السياسة المحلية، يبدو أنهم موحدون حول ما يجب فعله (أو عدم فعله) في العالم الخارجي المعقد والوحشي الذي يفتقر إلى الفرص الجدية.

أولاً، بذل رومني جهوداً واضحة لإثبات أنه يمثّل تغييراً آمناً في عالم خطير، وقد سعى بذلك إلى كسب تأييد المستقلين الذين يشعرون بالقلق من أن يكون خطابه الصارم تمهيداً لإطلاق مغامرات عسكرية خارجية. بدا مستشارو رومني مصمّمين على تعديل أداء مرشحهم الناري في المناظرة السابقة، ولا سيما في ملف ليبيا.

ثانياً، لم يكن العرض الذي تقدّم خلال المناظرة الثالثة مجرد مناورة مقصودة أو سياسة رخيصة. هذا ما يثبت واقعاً عجيباً: ما حصل خلال العقد الثاني بعد اعتداءات 11 سبتمبر هو إجماع ملحوظ بين الديمقراطيين والجمهوريين حول مقاربة جوهرية للسياسة الخارجية.

لا شك أن هذا الاصطفاف ليس مثالياً. لكن نادراً ما تحقق هذا المستوى من الإجماع منذ نهاية الحرب الباردة. قد يكون الأميركيون منقسمين وغير فاعلين في حل المسائل الأقرب إلى بلدهم، ولكنهم يُجمعون فعلاً حول كيفية مقاربة العالم وما يجب فعله للتعامل مع شؤونه.

ثالثاً، عند الإصغاء إلى المرشحين اللذين يطمحان إلى تولي الرئاسة، يسهل أن نظن أننا نشاهد مناظرة حول السياسة الخارجية بين شخصين متطابقين.

في ملفات العراق وقتل بن لادن واستعمال طائرات "بريداتور" بلا طيار وإيران وإسرائيل، وحتى مأساة بنغازي (تلك الكارثة التي يتمنى الجمهوريون أن تستمر مفاعيلها)، نصبح أمام خيارين لا يحملان اختلافات كثيرة.

رابعاً، يرتكز ذلك الإجماع الجديد على مبادئ عدة يجب أن يحترمها أي سياسي أميركي صادق: يجب إصلاح الوضع المحلي المنهار ومعالجة العوامل الخمسة التي تمنع إصلاح الوضع: الدين، والعجز، والسياسة الشائبة، والبنى التحتية المتصدعة، والاتكال على الطاقة الهيدروكربونية من الشرق الأوسط.

لكن يجب الدفاع عن هذا الوطن المنهار بالطريقة نفسها عبر قتل الأشرار قبل أن يقتلوا الأميركيين، شرط القيام بذلك من دون غزو بلدان أخرى ثم تحمّل مسؤولية إعادة إعمارها.

يجب إنهاء الحروب والامتناع عن شن حروب جديدة. كان تطابق رؤية أوباما ورومني حول العراق وأفغانستان في هذا المجال مدهشاً بقدر إجماعهما على ضرورة الحذر في التعاطي مع سورية وإيران. برزت بعض الأفكار الضمنية أيضاً: يجب إنشاء لجنة أو إطلاق نهج معين عند الإمكان. كل من ابتكر عبارة "القيادة من وراء الكواليس" حلل الوضع بطريقة سطحية. قد يكون اختيار الكلمات خاطئاً ولكن الفكرة صحيحة، فلا يمكن أن ينقذ الأميركيون العالم بأنفسهم ويجب ألا يتوقع الآخرون هذا الأمر من الأميركيين.

إذا كانت القيادة من الأمام تعني وقوع كوارث مثل أفغانستان والعراق، فمن يريدها؟ بدأنا الآن نخرج من أطول حربين في التاريخ الأميركي، حيث لم نكن نسعى إلى الفوز بل إلى تحديد وقت المغادرة. ستفرض تداعيات هاتين الحربين ضوابط طويلة الأمد على أي مشاريع خطيرة قد تهدد النفوذ الأميركي في الخارج.

أخيراً، يكمن أكبر تحدٍّ في تحديد طريقة اتخاذ القرارات حول توقيت بث نفوذنا وطريقته وتنفيذ تدخل ناجح بما يتماشى مع مصالحنا ومواردنا.

اكتسبت كلمتا "التعددية" و"النهج" معنى قذراً خلال عهد بوش الابن لأنهما لا تعكسان مقاربة بطولية أو تدابير جريئة، بل إنهما تهدران الوقت وتبثان الفوضى لأنهما تتكلان على الآخرين. لكن يمكن أن تصبح الكلمتان مفيدتين، ولا سيما إذا لم تكن المصالح الأميركية الوطنية على المحك.

بغض النظر عن هوية الفائز بالرئاسة، ستكون إيران الاختبار الحاسم الذي يكشف نتيجة هذا الإجماع الجديد. تعهدت ثلاث إدارات حتى الآن بمنع إيران من كسب أسلحة نووية؛ لذا قد تصبح طريقة تعامل الإدارة المقبلة مع هذه المسألة مقياساً لتحديد مدى فاعليتها ومصداقيتها.

لقد أجمع المرشحان خلال مناظرة الأسبوع الماضي على أن العالم أصبح مكاناً يعج بالتحديات أكثر من أي وقت مضى، ويدرك الديمقراطيون والجمهوريون معاً أننا لا نستطيع التحكم به. لا يعني ذلك أن الولايات المتحدة لا تستطيع تولي دور القيادة أو النجاح في حماية مصالحها، بل يعني ذلك بكل بساطة أن القادة الأميركيين يحتاجون إلى انضباط أكبر لتحديد كيفية حماية قوتنا وتوقيت القيام بذلك.

إن الانقسام الجديد حول السياسة الخارجية واضح. لا يتعلق الأمر بالاختلاف بين اليمين واليسار، أو الليبراليين والمحافظين، أو الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بل ترتبط المشكلة باتخاذ قرارات ذكية أو غبية. أتمنى أن يدرك الرئيس المقبل الجهة التي تريد الولايات المتحدة الانحياز إليها.

* آرون ديفيد ميلر | Aaron David Miller ، نائب الرئيس وباحث بارز في مركز "وودرو ويلسون" الدولي، وعمل محللاً لشؤون الشرق الأوسط ومستشاراً ومفاوضاً في وزارات الخارجية الأميركية الجمهورية والديمقراطية بين عامَي 1978 و2003.

back to top