سنغافورة قلب آسيا النابض بالحياة نموذج عالمي يحتذى للمدن الذكية

نشر في 19-05-2012 | 00:01
آخر تحديث 19-05-2012 | 00:01
No Image Caption
في الجانب المتعلق بالاستدامة تحصل سنغافورة بصورة عامة على علامات عالية جداً. وفي حقيقة الأمر كانت في أحدث بحث من «سيمنس» عن المدن الخضراء الصديقة للبيئة في المركز الأعلى في آسيا كلها.

يمكن القول بالنسبة لنا نحن الذين نهتم بتطور المدينة الذكية ان سنغافورة تعتبر مكاناً شيقاً وجذاباً للاستكشاف، وكان من حسن حظي أن التقيت في سنغافورة بدليل مناسب لهذا الغرض هو أندرياس بيرنك المدير السابق للمدن الذكية لدى اريكسون، والبروفسور الحالي لشؤون الاستدامة في جامعة سنغافورة الوطنية.

في سنغافورة يملك حوالي 90 في المئة من السكان منازلهم أو شققهم، والجانب المهم هنا هو أن السكن الاجتماعي سوف ينجح فقط عندما يتوافر للسكان الحوافز ونصيب في أبنيتهم ومنازلهم. وقد يكون هذا أحد الأسباب اضافة الى القوانين العقابية الجنائية وراء انخفاض معدلات الجريمة في سنغافورة الى درجة مذهلة.

وبينما توجد في سنغافورة أعلى معدلات ملكية للمنازل في العالم يبذل رجال السياسة قصارى جهدهم لإبقاء معدلات ملكية المركبات والبنى التحتية الخاصة بالسير والطرقات الجديدة متدنية ما أمكن. ويوجد في سنغافورة نظام مزاد من أجل الحصول على حق شراء سيارة. واستناداً إلى نوع السيارة وصلت المزادات في السنة الماضية الى ما بين 50000 دولار و75000 دولار. وفوق ذلك كله تفرض الحكومة ضريبة ضخمة على شراء المركبات تصل الى 100.

بنية تحتية

وإضافة إلى كل ما سبق طبقت سنغافورة التسعير الالكتروني لاستخدام الطرق عبر شتى أنحاء المدينة، وهو يختلف تبعاً للساعة، وذلك في محاولة لتحفيز التنقل خارج وقت الذروة.

وتدفع سنغافورة بكل تأكيد نحو الابتكار في السياسة والبنية التحتية ونظامها المترو رائع وذكي جدا، كما أن المحطات نظيفة والنظام متين وموثوق وعصري، ونتيجة لذلك فهو يتمتع بقدر كبير من الشعبية.

وفي الجانب المتعلق بالاستدامة تحصل سنغافورة بصورة عامة علامات عالية جداً. وفي حقيقة الأمر كانت سنغافورة في أحدث بحث من "سيمنس" عن المدن الخضراء الصديقة للبيئة في المركز الأعلى في آسيا كلها. ويوجد في سنغافورة برنامج إدارة مياه من مستوى عالمي، وهو يتكون من جوانب عدة مثل مستجمع الأمطار واعادة تدوير مياه الفضلات وازالة الملوحة. وطبعاً يتطلب هذا الجزء الأخير الكثير من الطاقة، غير أن الحكومة تعمل مع القطاع الخاص من أجل استكشاف سبل تقنية خفض الطاقة. وحسب بيرنك فإن المخاوف من الوصول المستقبلي للمياه الصالحة للشرب من ماليزيا دفعت الحكومة إلى ابتكار حلول للاعتماد على الذات، واتسم ذلك بتفكير سليم وذكي، لأن البلاد في الوقت الراهن بدأت بتصدير خبرتها في مجال إدارة المياه الى أنحاء أخرى من آسيا.

وتستثمر الحكومة بصورة منتظمة في تقنية آي سي تي من آلات التصوير الشاملة لأغراض الأمن الى خطة لنشر شبكة ألياف في كل حي، وأجهزة استشعار في كل الأبنية العامة، بحيث تستشعر الهزات الأرضية وتقوم بإرسال نصوص فعلية الى مهندسي المدينة لطلب اجراء عمليات كشف على الأبنية. وحسب بيرنك أيضاً فإن لدى الحكومة نظام ادارة للمرور متقدم جداً ويشتمل على مركز مراقبة يبدو أشبه بشيء من "ناسا"، ويسمح بمراقبة حركة السير وارسال وحدات خدمة طارئة أو رصد عرقلة المرور.

مشاريع مستدامة وذكية

لا شيء من هذا يتصف بالكمال طبعاً. وكان أحد بواعث القلق لدي من حيث اهتمامي في تحسين المشاريع المستدامة والذكية هو جانب المجازفة في الثقافة. وأنا أعتقد أن المدن الذكية يجب أن توفر الدعم في صورة أدوات امداد مثل متنزهات تقنية واعفاء ضريبي، إضافة الى الجانب المتعلق بالطلب مثل المشتريات والأنظمة والمقاييس من أجل تشجيع الابتكار المحلي. وتشارك جامعات كبرى في الجزيرة في دعم الجهد الرامي إلى خلق متنزهات تقنية مكرسة، غير أنني لا أصدق أن سنغافورة تعمل ما يكفي من أجل تشجيع الابتكار المحلي على تلبية الاحتياجات اللازمة لبنيتها التحتية الذكية.

وتتمثل القضية الاخرى التي تواجه سنغافورة في ارتفاع معدل التضخم وتكلفة المعيشة العالية بصورة نسبية. وتنهمك الحكومة في ما يطلق عليه "إعادة الهيكلة الاقتصادية"، وذلك بغية ايجاد سبل لزيادة الدخل لذوي الأجر المتدني عبر دعم تحسينات الإنتاجية. وأنا أقترح أن يتم البحث عن كفاءة الطاقة والمصادر المتجددة كوسيلة لتحسين ميزانيات المؤسسات والبلديات والسماح بزيادة الرواتب. وتعاني سنغافورة طقسا حارا مستمرا (ويبلغ المعدل السنوي 80 درجة فهرنهايت)، وقد لاحظت الكثير من الهدر في الطاقة من وحدات تكييف الهواء العاملة بكل طاقتها مع وجود الأبواب والنوافذ مفتوحة، وخيارات التصميم التي لا تحقق الحد الأقصى من التهوية أو كفاءة الطاقة.

مستوى عالمي

وبينما قامت المرافق المحلية بالانتقال الكبير من استخدام الفحم الى الغاز الطبيعي، يبدو أن القليل من الجهد قد كرس من أجل الخطوة التالية نحو المصادر المتجددة. وكما قامت الجزيرة بالانتقال نحو مستوى عالمي من إدارة المياه بغية تفادي الاعتماد على المياه المستوردة، فأنا أقترح أن تبدأ سنغافورة في عمل الشيء ذاته بالنسبة الى مصادر الطاقة المتجددة.

لدى الجزيرة قلة من الموارد الطبيعية وتكلفة الطاقة فيها عالية جدا، وتصل تكلفة الكيلوواط الى أكثر من 20 سنتاً. ولكن رغم ذلك تظل سنغافورة مدينة رائعة إذا تذكرنا أنها كانت فقيرة نسبياً قبل عدة عقود فقط، ويثير الإعجاب ما أصبحت عليه اليوم -مدينة تنبض بالحياة والنشاط وتعدد الثقافات، وهي مكان آمن للعيش. ويبدو أن سنغافورة ستصبح واحدة من أيقونات المدن الذكية في آسيا.

* كوايكزيست

back to top