صوت الموسيقى يتجاوز موزارت شهرةً في سالزبورغ

نشر في 11-04-2012 | 00:01
آخر تحديث 11-04-2012 | 00:01
أنا على متن حافلة مع 57 سائحاً ينشدون أغنية «آي أم سكستين غوينغ أون سفنتين». إنه أمر ممتع، ممتع فعلاً. فبعد ثلاث ساعات على هذه الحالة، أشعر وكأنني سأقفز من النافذة. وإذ بالمرشد السياحي يتوجّه إلى الركّاب المدندنين ويقول لهم: «أنا لا أسمعكم! هيا، غنوا!».

جولة «صوت الموسيقى» الأساسية في سالزبورغ النمساوية مخصصة للسائحين المتلهفين إلى عيش أجواء الفيلم الذي تم تصويره في هذه المدينة في عام 1963. في نظر هذه الجماهير، تتسم سالزبورغ بالجاذبية والسحر. في هذه الزاوية دارت النجمة السينمائية جولي أندروز والأطفال حول النافورة في فيلم «صوت الموسيقى». في هذا الفندق نام النجم كريستوفر بلامر.

تمتد الجولة على مدار أربع ساعات. واطمئنوا، يستحيل أن تفوتوا الحافلة، فهي مطلية بمشاهد من الفيلم ويمكن رؤيتها من على بعد مبان عدة. لحسن الحظ، شكل الحافلة والرواية ليسا سوى جزء بسيط من هذه الجولة. أما الجزء الأفضل فهو أن سالزبورغ مدينة خلابة ومجرد التواجد فيها أمر مميّز.

تستقطب سالزبورغ 1.5 مليون زائر سنوياً، وحوالى 300,000 منهم من عشاق فيلم «صوت الموسيقى» (ذا ساوند أوف ميوزك). تبدأ الجولة باصطحاب السائحين إلى قلعة ليوبولدسكرون على ضفاف بحيرة صغيرة خلابة، حيث تم تصوير مشاهد الفناء الخلفي كافة، وحيث نزلت ماريا والأطفال البحيرة. وبما أن القلعة ملكية خاصة، لا سبيل للتنعم بسحرها إلاّ عن بعد.

أما المحطة الثانية من الجولة فهي قصر هلبرون لرؤية المنزل الخشبي حيث أنشدت أغنية «سكستين غوينغ أون سفنتين» والزقاق حيث أنشدت ماريا أغنية «آي هاف كونفدنس». في هذه المحطة، ترى وميض آلات التصوير، والناس يلتقطون الصور، ومنهم من راح يتمشى في الموقع.

تتقدم الحافلة متجاوزةً منطقة البحيرات باتجاه موندسي وكاتدرائيتها حيث تم تصوير مشهد الزفاف. وعلى رغم صوت السائحين يدندنون «ذا لونلي غوثرد»، تبقى الرحلة ممتعة جداً.

لكن الجزء الأكثر إثارةً من الجولة هو إدراك واقع أنه فيما الأجانب حافظون عن ظهر قلب كل كلمة من فيلم «صوت الموسيقى»، معظم النمساويين لم يشاهدوه حتى.

بحسب جوليان بريير، المتحدثة باسم «لاند ثياتر» في سالزبورغ، «يبقى موزارت في الطليعة». تضيف: «إنه عالم مليء بالتناقضات، فقد كان من الممكن زيارة سالزبورغ من دون العلم بوجود فيلم «صوت الموسيقى» حتى. أما اليوم فقد بات هذا الفيلم معروفاً، وأصبح حاضراً بقوة كبيرة».

وعلى رغم ذلك، لا تزال سالزبورغ مدينة تقليدية تُغسل فيها النوافذ، وتُنفض الأسرّة، ويحسن الأولاد السلوك. تضم حوالى 20 كنيسةً كاثوليكيةً، أما التعامل فيها فرسمي، وفساتين الدرندل التقليدية رائجة.

أسطورة

سمعنا أغنية جديدة على أنغام آلة الغلوكنشبيل في هذه المدينة القديمة. في الساعة الثالثة من بعد الظهر، تعالت أنغام الموسيقى في أرجاء الشوارع، وكررت خمس مرات نغمة: «إديلويس، إديلويس، إفري مورنينغ يو غريت مي...» (إديلويس، إديلويس، كل صباح تحييني...).

اللافت أن الأغنية ليست شعبية نمساوية قديمة، أو، كما يعتقد البعض، النشيد الوطني النمساوي، وليست مألوفة حتى لدى النمساويين. إنها أغنية كتبها ريتشارد رودجرز وأوسكار هامرشتاين في عام 1959 لفيلم «صوت الموسيقى». وإذ بأنغامها تعم أرجاء ساحة موزارت بلاتز، مباشرةً قرب تمثال موزارت.

واتضح أن هذه الأغنية على أنغام الغلوكنشبيل ليست جزءاً من الجولة، بل بمناسبة افتتاح معرض جديد في متحف بانوراما في سالزبورغ بعنوان: «عائلة تراب: الواقع وصوت الموسيقى» الذي يعرض صوراً تحكي القصة المعقدة للعائلة الحقيقية وكيف أضحت أسطورة.

والمدهش أن هذا المعرض يسلّط الضوء على العرض الأول من نوعه لفيلم «صوت الموسيقى» في سالزبورغ، الذي بدأ عرضه في 23 أكتوبر الفائت في صالة  «لاند ثياتر».

لا بد من التساؤل لماذا لم يبادر أي مسرح في سالزبورغ إلى عرض الفيلم سابقاً؟ ولم تطلّب عرضه 62 عاماً؟

تجيب بريير: «هنا تكمن الإشكالية، فقد صدر الفيلم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وكان مشبعاً بالوجدانيات العاطفية والوطنية، ويثير موضوعاً كان من الصعب التطرق إليه في حينه. كذلك كان من نوع الفن الرديء، ولم يرق للمحليين عرض فنهم الرديء على الأجانب».

أما اليوم، فبيعت تذاكر العرض كافة خلال شهر يناير، ومعظم المشاهدين نمساويون.

هكذا انتهت جولة «صوت الموسيقى». عند نزولي من الحافلة، كان قد حل الظلام. مشيت في حدائق ميرابيل البهية وتجاوزت النافورات مسرعةً نحو الفندق. دقت أجراس الكنيسة معلنةً حلول الساعة السادسة مساءً.

لم تكن المتاجر قد أغلقت أبوابها بعد. وكانت أنوارها مُضاءة في تلك الأمسية الباردة، وكانت لا تزال تبيع حلويات موزارت، وروزنامات «صوت الموسيقى»، وأقمشة زاهية، ومعاطف واقية من المطر. صدف أن مررت بسوق يبيع خمسة أنواع من السجق، وستة أو سبعة أنواع من معجنات البريتزل. وفوق هذا المشهد، تطل قلعة هوهن سالزبورغ المنارة، شاهقةً في قلب المدينة القديمة.

في تلك الليلة، قصدت القلعة للاستماع إلى فرقة موزارت السالزبورغية. كان عرضاً مقبولاً. كان جيداً. أشعر وكأنني أنبض بالحياة بمجرد سماع صوت.... حسناً، تعلمون من أقصد.

back to top