الأيديولوجية الاقتصادية... لعبة السيف والترس في الانتخابات الأميركية

نشر في 29-10-2012 | 00:01
آخر تحديث 29-10-2012 | 00:01
أوباما ورومني استوعبا المعادلة الصعبة... فلمن الغلبة إذن؟

اتخذ الخلاف الأيديولوجي الاقتصادي ما بين الحزب الجمهوري، والحزب الديمقراطي، قاعدة انطلق منها كل من باراك أوباما وميت رومني المتنافسين الرئيسين في السباق نحو البيت الأبيض.
ما أفرزته المعارك الانتخابية التي شهدتها معظم دول العالم، في الفترة الأخيرة، وما تفرزه، من نتائج يؤكد أن الصراع الدائر في تلك المعارك تحول من مجرد تنافس انتخابي بين أشخاص بعينها أو حتى سياسات، إلى جولات من معارك محتدمة بين الايديولوجيات الاقتصادية وبعضها.

ولم لا، والعالم يمر بأزمة مالية طاحنة في أوروبا و"هاوية مالية" يوشك الاقتصاد الأميركي على السقوط فيها. وهو ما استوعبه الناخبون جيداً، بل والمرشحون، إذ اتُخّذَ الخلاف الأيديولوجي الاقتصادي ما بين الحزب الجمهوري الأميركي الذي يركز على المساواة وتكافؤ الفرص ويرفض زيادة الضرائب على المواطنين وأصحاب الدخل المحدود، وبين الحزب الديمقراطي الممثل للتيارات الليبرالية، قاعدة انطلق منها كل من باراك أوباما وميت رومني المتنافسين الرئيسين في السباق نحو البيت الأبيض.

 ففي حين اعتبر أوباما أن البرنامج الاقتصادي لمنافسه شبيه بالسياسة التي أفضت إلى الأزمة الاقتصادية في 2008. وقال "إذا ما أردتم إعطاء سياسة العقد الأخير فرصة، يتعين عليكم انتخاب رومني". وأشار أوباما إلى أن رومني سيلغي القوانين المتعلقة بالشركات ويكافئ الأميركيين الأثرياء بخمسة آلاف مليار دولار عبر تخفيض الضرائب الذي يترافق مع تقليص النفقات العامة ولاسيما تلك المتعلقة بالتعليم.

وقال رومني إن السياسة الاقتصادية للرئيس مددت أمد الكساد وأثرت تأثيرا سلبيا على اقتصاد البلاد. وأضاف "إذا ما ألقيتم نظرة على حصيلة الرئيس، يتبين لكم أنها طويلة بالأقوال وقصيرة بالتدابير لتوفير فرص العمل".

فبالنسبة لأوباما "الرئيس الحالي"، انهار كل شيء، هناك، فجأة، من الأرقام والمؤشرات إلى الأسواق والتصنيفات المالية، للمرة الأولى تكون ولاية الرئيس باراك أوباما على المحك، وبدأت تطرح التساؤلات حول التفوق الاقتصادي الأميركي في العالم، وحول قدرات أوباما في قيادة "أميركا".

تخبُط

فقد رصد محللون حالة التخبُّط التي يعانيها الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته في التصدي للأزمة الاقتصادية، وأكدوا أن التقارير الاقتصادية الباعثة على القلق وأزمة الديون والتحولات الخطيرة في البورصة، تجعل معركة أوباما للفوز في الانتخابات الرئاسية عام 2012 وإعادة انتخابه صعبة إلى حد كبير.

ورأى المحللون أن الأخبار الاقتصادية السيئة التي طفت على سطح الأحداث خلال الفترة الأخيرة تزيد من حالة الاستياء الشعبي، وتهدد حملة إدارة أوباما لإعادة انتخابه، وتخلق حالة من الجدل حتى داخل أوساط الديمقراطيين.

حتى أن أوباما نفسه قال إن الاحتجاجات في "وول ستريت" وفي مدن أميركية أخرى تعكس مشاعر الإحباط بين الشعب الأميركي بسبب الأزمة المالية.

في المقابل رد الفريق الذي ينظم حملة ميت رومني، المرشح المرجح للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، على هجمات معسكر باراك أوباما، الذي اتهمه بنهب شركات وتسريح موظفين عندما كان يعمل في قطاع الأعمال.

وقال فريق رومني، في بيان نُشر قبل أسبوع من انتخابات تمهيدية حاسمة في كارولاينا الجنوبية، إن "كل الخطب الجميلة لن تقنع الشعب الأميركي بأن حصيلة الأداء الاقتصادي لأوباما ليست سوى كارثة كبرى".

مناظرة

المناظرة الأخيرة التي جمعت المرشحين أكدت، بشكل كبير، أن كلا من أوباما ورومني استوعبا جيداً أن "السلاح" الناجز في هذه المعركة هو "الاقتصاد"، فكما توقع المراقبون أن يكون ربط الاقتصاد والتجارة والتعافي الأميركي بالسياسة الخارجية هو مفاجأة المناظرة، خرجت - المناظرة - الأخيرة للمرشحين شبه خالية من الحديث عن السياسة الخارجية.

ورغم تخصيص المناظرة ظاهريا لتناول ملف السياسة الخارجية، إلا أن المرشحين كانا يجنحان دائما عبر أجوبتهما إلى العودة للحديث عن الاقتصاد المحلي والوظائف، والحديث عن بناء أميركا أكثر قوة في القرن الحادي والعشرين.

فأوباما قال "بعد عقد من الحرب، أعتقد أن جميعنا يعترف بالحاجة إلى البناء الداخلي"، ورد رومني عليه بالقول "بالتأكيد لا أريد الرجوع إلى سياسات السنوات الأربع الماضية، إنها لم تكن مجدية".

وفی مناظرة أخرى جمعتهما تبادل الرجلان الاتهامات والهجمات بشأن الضرائب والتأمين الصحي وغيرها من القضايا الاقتصادية.

رومني قال إن اوباما متحدث جيد لكنه سقط إصلاحيا وأضاف:

"لقد حاول الرئيس ولكن خطته لم تنجح، انه متحدث جيد ورؤيته جيدة، إنه أمر رائع لكن لدينا بيانات يجب أن نمعن النظر فيها وتلك البيانات تظهر بأننا لم نستطع التقليل من العجز ووضع مكانها خطة اصلاحية للرعاية الصحية والضمان الاجتماعي  ورفع الدخل الذي نحتاجه".

بدوره أوباما وأمام نحو ألفين من أنصاره قال إن هذا البلد قطع أشواطا وممنوع اليوم العودة إلى الوراء واضاف: "قول السيد رومني بانه سوف يعمل على عدم زيادة العجز وإنه سوف يقوم بتخفيض الضرائب عن متوسطي الدخل ولكن عندما نسأله كيف ستقوم بذلك لا يستطيع الرد، الحقيقة هو يدفع اربعة عشر في المئة كضرائب عندما يدفع امثالكم اكثر من ذلك بكثير".

 تناقض كبير

التناقض الكبير في الرؤية الاقتصادية بين كل من المرشحين، ظهر واضحاً في الأسابيع الأولى لاحتدام المنافسة نحو البيت الأبيض، فرغم تصافح الرئيس الأميركي، باراك أوباما ومنافسه الجمهوري، ميت رومني قبل بدء أولى المناظرات التلفزيونية بينهما، واصل الثاني هجومه الحاد على سياسة أوباما الاقتصادية، مؤكدا أن هناك ثلاثة وعشرين مليون أميركي يعانون من البطالة.

وأخذت الحملات الانتخابية للمرشحَين المتنافسَين، حينها، منحى أكثر حماسة، وأصبحت التصريحات أكثر شراسة، لدرجة أن الرئيس الحالي، سخر من التخطيط الاقتصادي لغريمه الجمهوري ميت رومني، قائلاً إنه لا يعرف الحساب. وقال منتقداً سياسة رومني الضريبية: "أعتقد أن غريمي يملك خطة، لكن ينقصها شيء واحد: علم الحساب".

وأضاف: "بدت كمحاولة القول إن اثنين زائد واحد يساوي خمسة". وتابع: "هذه ليست قيادة فذة بل رياضيات سيئة، وهذا يستحق علامة سقوط".

في المقابل أكد رومني المليونير عدم تخطيطه للحد من الضرائب على الأغنياء. وقال في مقابلة تلفزيونية: "أريد التأكد أن الناس يدركون بالرغم مما قاله الديمقراطيون في مؤتمرهم، أنني لن أخفض الضرائب لدافعي الضرائب ذوي الدخل المرتفع".

خلاف أيديولوجي

ذلك التناقض يفسره جيداً الخلاف الأيديولوجي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين ينتمي إليهما الرجلان، ويؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الناخب سوف يختار المرشح القادر على إنقاذ الاقتصاد الأميركي من "الهاوية"، بل وتحقيق التفوق الذي كان يتميز به سابقاً، دون المساس بحقوق الفقراء، وهي بالطبع معادلة صعبة، لكن كلا من أوباما ورومني يعيان ذلك جيداً، فالرجلان دأبا على استخدام البرنامج الاقتصادي، ليس كسلاح رئيس للهجوم على خصمه في تلك المعركة فقط، وإنما كدرع دفاع رئيس من هجمات خصمه، فلمن الغلبة إذن؟

back to top