غارودي مسلماً

نشر في 17-06-2012
آخر تحديث 17-06-2012 | 00:01
 آدم يوسف كان المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي يدرك صعوبة ما يمكن أن يواجهه من أمور حين وقف وحيدا أو شبه وحيد، ضد التيار الموالي لسياسات إسرائيل، أو اللوبي الصهيوني تحديدا، بل إن النبرة الإعلامية المليئة بالاحترام والتقدير التي كانت تبثها عنه وسائل الإعلام الفرنسية خفت كثيرا، حين أصدر كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» 1995، وعلى الرغم من أن الرجل كان حينئذ بلغ ذروة إبداعه العلمي، وقال كل ما يريد قوله، إلا أن هذا التجاهل، ومن ثم ارتداد السهام إلى صدره الوحيد العاري كان محلّ تساؤل لدى كثير من الباحثين.

لم يرتكب غارودي جناية، ولكنه قال بكل بساطة إن اليهود الذين عاشوا في أوروبا إبان الحرب العالمية، ومزاعم «محرقة الهولوكوست» النازية لم يكن عددهم يزيد على ثلاثة ملايين ونصف، فمن أين أتى هؤلاء الستة ملايين التي تبني إسرائيل عليها أسطورة المحرقة؟ هو سؤال علمي بسيط مدعّم بالأدلة، ولكن فيما يبدو ليس ثمة مجال للعقل، حين تحضر القوّة، وسلطة المال والسلاح اللتان تتمتّع بهما إسرائيل.

اشتغل غارودي بالعلم، وشُغل بفكرة البحث عن الحقيقة، ولم يتجاهل الدين الذي هو أساس البناء الوجداني للإنسان، لذا كان لافتا تنقله بين البروتستانتية، والكاثوليكية، وطوافه حول الفكر الشيوعي، ومن ثم استقر به الحال إلى الإسلام، الذي رأى فيه فكرة جامعة بين كل الديانات السماوية، ولا سيما ما يتعلّق منها بالمساواة بين البشر، أيا كانت أجناسهم، وولاءاتهم، وهي الرابط ذاته الذي يسوقه إلى الشيوعية، واهتمامها بالطبقات الفقيرة، ولم يرتح غارودي يوما للرأسمالية الغربية بصورتها الراهنة، لذا وجدنا أن جلّ كتبه التي صدرت في حياته الأخيرة تتمحور حول الإسلام وسماحة تعاليمه. وحظي غارودي باحترام كبير لدى الشعوب، ووسائل الإعلام في الدول الإسلامية بسبب تمسكه بالقيم التي يؤمن بها، ومن ثم مواجهة الاضطهاد في سبيل ذلك.

والحديث عن القيم الإسلامية الحقة، - وهي السبب وراء إسلام غارودي- ومقارنتها بواقع المسلمين اليوم يقودنا إلى فكرة مضحكة مبكية، فالقيم السمحة من قبيل العدالة، والمساواة، ومحاربة الغش والسرقة، والمساواة في تطبيق القانون تكاد تغيب عن الدول الإسلامية، وحل محلها كل ما هو نقيض لها، فأوطاننا العربية/ الإسلامية مليئة بالغش والفساد، والظلم، والاضطهاد القائم على الطبقية والتفرقة العنصرية، كل ذلك ونزعم أننا الأفضل، والأقوى في ميزان صراع الحضارات. بل إن مفكرين إسلاميين أدركوا أهمية العدالة الاجتماعية والانفتاح الحضاري منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومن هؤلاء الإمام محمد عبده، ومقولته المشهورة «وجدت إسلاما، ولم أجد مسلمين» ورفاعة الطهطاوي وجهوده الكبيرة في الترجمة، وكان بإمكان هؤلاء بدعم من أسرة محمد علي، لو استمرّ بها الحال، صناعة حضارة إنسانية لا تقل عن تلك نراها الآن في أوروبا.

وعلى الرغم من الدعوات المتتالية إلى حوار الحضارات التي انطلقت منذ أوائل التسعينيات، إلا أن فكرة «الصراع» تكاد تكون هي المهيمن الوحيد على المنطقة، بل إن الصراع أعمق جذورا لأنه يعود إلى الحربين العالميتين، الثانية تحديدا، هذه الحرب التي تمخض عنها جلّ القوانين ذات الطابع الإنساني التي نراها في وقتنا الراهن، هذه الحرب التي أنتجت مواثيق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يبدو أنها هي المتحكم الوحيد في سير الأمور، بل إنها أنتجت مفكريها السياسيين، وعلى رأسهم «فرانسيس فوكوياما»، المنقلب على المحافظين الجدد، بعد أن قرع طويلاً طبول الحرب معهم.

لم يكن غارودي داعية حرب، بل هو عالم يسير وراء قناعاته، ومن هنا كان وقوفه مع القضية الفلسطينية، ومن ثم إشهار إسلامه 1982، وبرأيي أن فكرة إسلامه لم تكن ردّة فعل بقدر ما هي نهاية حتمية لتجاذبات عاشها، وتأمل طويل لديانة تسمو بتعاليمها، في حين أن أهلها ليسوا على ما يرام من أمرهم.

back to top