الصحة الفكرية!

نشر في 15-12-2012
آخر تحديث 15-12-2012 | 00:01
 د. وليد خالد الفلاح «الأفكار مثل البذور، منها الجيد ومنها الضار، وإذا سقطت على أرض عقلك، نمت وكبرت وظهرت أفعالاً جيدة أو أفعالاً ضارة»!.

تُعرِّف منظمة الصحة العالمية «الصحة» بأنها ليست الصحة الجسدية فقط لكنها النفسية والاجتماعية أيضاً، وفي الفترة الأخيرة أضيف بعد رابع، وهو الصحة الروحية.

هذا التطور في مفهوم الصحة هو تطور رائع يعكس نظرة شمولية يجب أن تكون أساساً لدى وضعنا للخطة الصحية وترجمتها إلى واقع عملي في ما يقدم للناس من خدمات صحية. ولكني شخصياً أعتقد أن هناك بعداً خامساً بجب أن يضاف إلى الأبعاد الأربعة السابقة حتى يكتمل المفهوم، وهو الصحة الفكرية.

نحن نعيش في عصر تدفق المعلومات وسرعة انتشار الأفكار، وهذا الوضع القائم تعدّى بشكل كبير جداً ما كان متوفراً في السابق من خلال الكتب والمجلات والجرائد والإذاعة والتلفزيون. التكنولوجيا الحديثة جعلت المعلومة متاحة بسهولة لكل من يحتاج إليها، وتجاوزت شبكة الإنترنت الحدود الجغرافية ومكّنت الناس في بقاع العالم المختلفة من التواصل وتبادل المعلومات والأفكار والآراء.

كذلك انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد استخدامها كوسيلة مهمة لحرية التعبير وإبداء الآراء بشأن ما يجري في العالم من أحداث وتطورات.

أضف إلى ذلك التطور المذهل في وسائل الاتصالات بما تقدمه شركات الهواتف النقالة وما توفره من إمكانات وخدمات للتواصل، وما نراه من قنوات تلفزة متنوعة ومتعددة بشكل كبير عبر الأقمار الصناعية.

فالبشر الذين يعيشون على الأرض في القرن الواحد والعشرين مختلفون، فهم يتعرضون يومياً لفيض من الأفكار المتدفقة والمختلفة سواء كانت جيدة أم سيئة، وهذه الأفكار تستقبلها العقول دون تمييز أو تمحيص أو غربلة... وهنا مكمن الخطر.

فالأفكار مثل البذور التي إذا سقطت على أرض ما ووجدت بيئة مناسبة وظروف متاحة فإنها تنمو وتظهر ثمرتها للعيان كزرع ونبات، وكل مزارع حصيف يدرك تماماً أن عليه أن يختار «البذور» بكل عناية ويميز بينها لكي يكون الحصاد جيداً ومفيداً، كما أنه يكون متيقظاً دائماً حتى لا يسقط على أرض مزرعته بذوراً ضارة لو نمت وكبرت فإنها ستؤثر تأثيراً سلبياً سيئاً على محصوله الذي يرغب فيه.

وكذلك الأفكار عندما تسقط على أرض العقول فإنها قد تنمو وتكبر بما يتناسب مع ما في شخصية الفرد من ميول وأهواء وشهوات ورغبات، وتظهر بعد حين كأفعال وتصرفات قد تكون جيدة أو سيئة. من هنا ندرك الأهمية القصوى لحسن اختيار الأفكار التي ندخلها إلى عقولنا مثلما نحسن اختيار أفضل وأجود الغذاء والشراب الذي نتناوله والهواء الذي نتنفسه إن أردنا التمتع بصحة جيدة.

يكثر الحديث في السنوات الأخيرة عن خطورة تلوث البيئة وعن الآثار الضارة لهذا التلوث على حياة البشر، وعن أهمية العمل بكل جدية وسرعة من قبل دول العالم، للحد من هذا التلوث البيئي والتعاون من أجل تبادل الخبرات في أفضل السبل المتاحة للقضاء على آثاره الخطيرة. هذا التوجه العالمي هو بلاشك توجه ضروري جداً ويعكس تطور الوعي البشري الذي يدرك مسؤوليته للحفاظ على البيئة وأهمية الحفاظ على التوازن في الطبيعة.

لكنّ هناك خطراً آخر يهدد البشرية، ولا يقل أهمية عن خطورة التلوث البيئي، هو «التلوث الفكري»... وهذا المقال هو محاولة متواضعة لتسليط الضوء على موضوع في غاية الأهمية، غير أنه مع الأسف مجهول لدى كثير من الناس رغم أنه يؤثر فيهم وهم لا يشعرون، ونراه هذه الأيام في دولة الكويت من خلال انتشار «ظاهرة الإحباط» وتأصيل «ثقافة الفشل» في النفوس.

back to top