جان - ماري رياشي: تحتاج المؤلفات الموسيقية الراهنة إلى ربيع عربي

نشر في 03-10-2012 | 00:02
آخر تحديث 03-10-2012 | 00:02
No Image Caption
يسعى إلى التجديد في الموسيقى وتطوير ذاته ليبقى متميّزا في زمن قلّ فيه المتميزون. تأبط ذراع الثقافة وسار عكس التيار الموسيقي السائد، فحصد بفضل جهده وفكره وإحساسه إنجازات متتالية، آخرها ألبوم «غزل» للمطربة ماجدة الرومي. ينهمك المؤلف الموسيقي جان-ماري رياشي في إعداد ألبومه الموسيقي الخاص وهو مزيج بين الموسيقى الشرقية والغربية، كذلك يحضّر ألبوم الفنانة يارا، ويواكب مشتركي برنامج The Voice الذي يعرض عبر المؤسسة اللبنانية للإرسال. عن جديده وتقييمه للساحة الفنية اليوم يدور الحوار التالي معه.
كيف تصف مؤلفاتك الموسيقية؟

بعض مؤلفاتي الموسيقية نتاج إحساس صرف، والبعض الآخر نتاج مشاريع تجارية في قالب فنيّ، يجتمع فيها الإحساس والخبرة على حد سواء.

أيهما يستحوذ على اهتمامك: تنفيذ ألبومك الخاص أو ألبوم الفنانين الآخرين؟

لا تهمني هوية الفنان بمقدار اهتمامي بالأغنية بحد ذاتها، أي أنني أصبّ جهدي على تلك التي تتميز بإطار جديد وتشكّل إضافة موسيقية لي أولا وللفنان ثانيًا. أما إذا كانت الأغنية عادية ولا تحمل أي إطار جديد، عندها أحترم إرادة الفنان وأنفذّ العمل من دون استمتاع أو إبداع.

هل تعرض على الفنانين أغاني جاهزة؟

أين مكمن الإبداع في تجهيز أغانٍ ووضعها في الدرج لعرضها على فنان بعدما رفضها زميله، أو في ابتكار أغانٍ مستنسخة عن أخرى ناجحة، تلبية لطلب الفنان الذي يريد التشبه بالآخرين؟ شخصيًا، أفضّل أن تكون الأغنية مفصّلة على مقاس الفنان، مثلا عرض عليّ الشاعر نزار فرنسيس منذ مدة كلمات تخيلت فيها الفنان عاصي الحلاني، فلحنتها من دون أن يطلب، وعندما انتهت أبلغته بوجود أغنية جاهزة له.

هل ينعكس رأيك الشخصي بالفنان على نوعية الأغنية التي تقدمها له؟

اذا قصدني الفنان بحثًا عن قالب جديد من دون أن يحدد ماهيته، يعني ذلك  أنه يتّكل عليّ ويحمّلني مسؤولية صعبة لكنها ممتعة في آن، كونها تتطلب ابتكارًا وابداعًا. إلى ذلك، يؤثر الانسجام الشخصي بيني وبين بعض الفنانين في نوعية العمل، لأن التعاون مع من ليسوا على الموجة نفسها ثقافيًا وفكريًا، ينعكس على الأغنية التي ستبدو مركبة وخالية من أي ابداع.

ما مقياس نجاح الأغنية في الوقت الراهن؟

مقياس نجاح الأغنية مرتبط راهنًا بالموازنة المحددة لتسويقها عبر الإذاعات، أي بثها على مدار الساعة ليعتاد الناس عليها. لكن ما إن ينتهي دفع المال حتى تختفي الأغنية من السوق ومن ذهن المستمع، أما إذا استمرّ الطلب من المستمعين، عندها يعاد بثها لاستقطاب أكبر كمّ من الجمهور.

ما رأيك بواقع الإذاعات؟

تعاني الإذاعات من مشكلة كبيرة، لذلك بدأت حملات إلكترونية داعية إلى تنظيف الهواء،  فالاغنية نفسها تبثّ عبر أثير الإذاعات كافة، والأسوأ أن إيقاع تلك الأغاني حربي والجوقة الموسيقية تصرخ وتضجّ، بدلا من أن تكون أصواتها حالمة وهادئة.

أليست انعكاسًا للمجتمع؟

أبدًا،  المجتمع ليس هكذا عموماً، ولم نكن نواجه مثل هذه المشكلة إبان الإنتاج الغزير لشركة «روتانا» لأن الفنانين المحترمين أنتجوا أعمالهم بكثافة، إنما في ظل الأزمة الاقتصادية التي انعكست على هذه الشركة ونظيراتها عجز هؤلاء  عن الإنتاج على رغم أنهم متمكنون اجتماعيًا وماليًا،  في المقابل ازداد إنتاج الفنانين الجدد الذين يغنون في المقاهي والمطاعم، ويبحثون عن أغانٍ ملائمة لجو عملهم. من هنا نلاحظ في المهرجانات اللبنانية، تراجعًا في نسبة مبيع التذاكر الخاصة بحفلات الفنانين العرب في مقابل حضور شعبي في حفلات الأجانب، ما يعني أن الموسيقى تحتاج إلى ربيع عربي أيضًا.

برأيك هل الفنان مؤهل كفاية لاختيار أغانيه بنفسه؟

ثمة نوعان من الفنانين: المبدع الذي يؤلف ويكتب وأحيانًا يغنيّ مثل مروان خوري وملحم بركات، والمؤدي. بالنسبة إلى الفنانين المؤدين، يدرك المثقفون بينهم وذوو الخبرة تمامًا ما يريدون فيحددون قالبهم الفني الجديد، فيما تدفع الغيرة ببعض المؤدين إلى طلب أغانٍ شبيهة بالأغاني الناجحة في السوق، للأسف لن يتقدم هؤلاء لأنهم سيبقون مجرد نسخ.

أطلقت عددًا لا يستهان به من الفنانين الذين أصبحوا نجومًا، فهل كانوا أوفياء وهل أنت مستعدّ لتكرار التجربة؟

لم أعمل يومًا على إيصال فنان معيّن، إنما ابتكرت مشروعًا محددًا سعيت إلى إنجاحه. فإذا حافظ الفنان على النجاح، يكون قد حقق ذلك بفضل شطارته وحسن إدارته لأن أغنية وحيدة ناجحة لا تكفي لتحقيق النجومية.  أما بالنسبة إلى الوفاء، فهو غير موجود في الموسيقى،  وحدهما نجاحي وتجددي الدائم  يشجعان الفنانين على التعاون معي.

إلى أي درجة تبلغ قلة الوفاء في الموسيقى؟

إلى درجة كبيرة، إنما يجب الفصل بين العلاقة الموسيقية التي تجمع  الملحن والموزع والكاتب والمؤدي والعلاقة الشخصية. يسعى أي فنان إلى التقدم في مجاله، بالنسبة إلي أجتهد في تطوير ذاتي وتجديد التقنيات الموسيقية وتغيير أسلوبي الموسيقي لتقديم أعمال مبتكرة وجديدة، كذلك الأمر بالنسبة إلى المؤدي الذي  يجدّد في اطلالته، من هنا لا أحزن إذا لم يتعاون أحدهم معي، لأنه دليل على تقصيري في ناحية ما. أما إذا كان المؤدي خائفًا من تعاوننا، فيعني ذلك أن موسيقاي أضعف من الموسيقى التي قدمها سابقًا.

كلما أبديت رأيك بأحدهم حصلت ردود فعل، هل المطلوب ممن هم مؤهلون في الفن ألا يعبروا عن رأيهم الصريح؟

عندما أبدي رأيي الشخصي بفنان لم أتعاون معه سابقًا، أكتفي بالإضاءة على الجانب الإيجابي من عمله لئلا أحطم عزيمته، خصوصًا أنني أدرك صعوبة إعداد ألبوم كونه يتطلّب سنتين من الجهد المستمرّ. أما بالنسبة إلى الفنانين الذين تعاونت معهم سابقًا، فيقتصر إبداء رأيي على الشق المتعلق بعملي.

أيهما مطواع أكثر في العمل، الفنان المخضرم أم الصاعد؟

الفنان الصاعد طبعًا، أستمتع بهذا التعاون لأنني بدأت مسيرتي مع أناس جدد ودفعتنا حماستنا إلى تقديم أعمال جديدة سرّعت وصولهم إلى النجومية. يخشى الفنان الكبير من تقديم عمل لا يحظى بإعجاب الناس، لذلك يواظب على تقديم هوية موسيقية واحدة مركزّا على تغيير مظهره  وتحسينه في  الكليب.

بمَ تختلف تجربتا The Voice  واستديو الفن؟

أبديت في برنامج «استديو الفن»  رأيي في المشتركين لاختيار أفضلهم ومستحقي الجوائز بينهم. أما في The Voice فتعاونت في البداية مع «أم بي سي» و{سوني» لاختيار المشتركين، وعندما بدأ البرنامج اقتصر دوري على تمرين هؤلاء مع الاوركسترا، وعلى توزيع الأغاني المنتقاة والإشراف على ميكساج الصوت، خصوصًا أننا نعيد توزيع الأغاني بإطار جديد ليظهر المؤدون بشكل مختلف.

كيف تقيّم هذا العمل؟

أستمتع  به على رغم أنه متعب ويحمّلني مسؤولية جسيمة، وأنا فرح بنجاحه. هدفي الأساس إطلالة المشترك بأبهى صورة لذلك أركز على نواحي صوته الإيجابية ليلفت الأنظار إليه.

هل نجوم الصف الأول في هذا البرنامج مؤهلون كفاية لابداء الرأي وتقييم المشتركين؟

ليسوا لجنة تحكيم بل مدربون يختار كل منهم أعضاء فريقه الذي سيتنافس عبره في مرحلة المواجهة، وصولا إلى مرحلة الغناء المباشر في النهائيات. لذلك المباراة الحقيقية ستحصل بين المدربين لا المشتركين.

ما المعايير التي تؤمن استمرارية المشتركين في برامج الهواة الفنية؟

كونهم مجرد مؤدين، يجب أن يستغلوا صوتهم في إطار صحيح، ولأنهم لا يملكون خبرة كافية في الفن في ظل ازدياد المنافسة والنشاط الإعلامي الفاعل، يحتاج هؤلاء إلى فريق عمل مكون من منتج موسيقي ومسؤول عن العلاقات العامة، وآخر عن صورة الفنان وإنتشاره الاعلامي، ما يتطلب كلفة مادية كبيرة، إن لم تتوافر لن يستطيع هؤلاء الانطلاق، لذلك أرى أن استمرارية المؤدين الهواة متعلقة بالتمويل المادي فحسب.

ما رأيك بمستوى الكلمة واللحن على الساحة الفنية في لبنان والعالم العربي؟

شهدت العصور كافة ظهور الأغنية الطقطوقة إلى جانب الأغنية الجدية، لكن للأسف تساوت الاثنتان في الوقت الراهن ما انعكس تراجعًا في المستوى الفني.  لا يفرض عصر السرعة هبوط مستوى الكلمات خصوصًا أن ثمة من يؤلف كلامًا جميلا، لكننا نتساءل عن المستوى الثقافي لمنتجي الأغاني. أصبح إنتاج الفنانين المعروفين ضئيلا مقارنة بالجيل الفني الجديد الذي تنقسم أعماله بين المستوى الجيد والمستوى الذي يرتكز على إيقاع الحرب وضرب الحبيبة، فهل هذه هي الثقافة التي يريدون تربية أولادهم وفقها؟

أخبرنا عن ألبومك الموسيقي الجديد.

أجتهد في أن يكون ألبومي الموسيقي عبارة عن مشوار يتنقل فيه المستمع من حال نفسية إلى أخرى. نجح هذا التنويع في ألبوم «بالعكس» لذلك سأكمل في الأسلوب عينه وأطوّره أكثر في الألبوم الجديد، الذي سيضمّ أغاني بلغات مختلفة وبأصوات دافئة إلى جانب مؤلفات موسيقية صرف، ليكون هذا العمل الذي سأطلقه في الربيع المقبل مزيجاً من الأصوات الحالمة والدافئة والحنونة.

هل ستعتمد التسويق عبر الكليب؟

لم يتقرر هذا الأمر بعد، في البداية  أعمل على تقديم موسيقى جميلة خالدة. للأسف يضرب الكليب الأغنية أحيانًا ويؤثر سلبًا على نجاحها، لذلك أفضل ألا أصور كليباً ما لم تكن الصورة في خدمة العمل الموسيقي.

في متابعة لما يعرض عبر الفضائيات، ألا تجد أن الصورة أهمّ من الموسيقى؟

السوق في تغير مستمر وعرض أغنية عبر الفضائيات مكلف، شخصيًا أولي إهتمامًا أكبر بالإنترنت لأنني أتوجه من خلاله مباشرة إلى المثقف والمتخصص، خصوصًا أن المنحى المستقبلي يذهب في اتجاه الاستماع إلى الأغنية التي نريد ساعة نشاء.

كيف تحقق المزج بين الموسيقى الشرقية والغربية في أعمالك؟

تخصصت في الموسيقى الشرقية التي أحبها، كذلك أهوى موسيقى الجاز والكلاسيكية لذلك أحاول مزجهما معًا.  أدخلنا آلات موسيقية شرقية إلى الأوركسترا السمفونية في ألبوم ماجدة الرومي «غزل»، فكانت تجربة فريدة من نوعها في العالم العربي. أما في ألبوم «بالعكس»، فمزجت موسيقى الجاز واللاتينية مع الناي والقانون. استمتع بهذا المزيج وبتطويع الآلة الموسيقية الشرقية لتعزف جملة موسيقية غريبة عنها وينطبق هذا الأمر على الآلة الغربية.

كيف تصف تعاونك مع ماجدة الرومي؟

تتميز ماجدة الرومي بخبرة ومصداقية ثقافية وإجتماعية عالية، لذا يليق بها الإنتاج الضخم خصوصًا أنها تملك قدرة خيالية في تنفيذ العمل على المسرح، إذ تغني أفضل بكثير من الغناء في الاستديو. وقد أفسحت في المجال أمامي لإضفاء الضخامة على الإنتاج، ما جعلني استمتع بالتحضير للألبوم. فضلا عن أن ألبوماتها تشكل مكتبة موسيقية خالدة لأن جل ما تقدمه هو كلام عميق ومستوى موسيقي عالٍ.

كيف كانت ردود الفعل تجاه ألبوم «غزل»؟

تلقينا تهاني من أناس يقدرون العمل الجيّد وقد أحدث عندهم صدمة ايجابية فهو نفّذ في لبنان ويعتبر أحد أضخم الأعمال العالمية. وهذا الأمر أثر كثيرًا  بي.

ماذا بعده؟

سألني أحد الأصدقاء عن هذا الأمر، فأجبت أنني سأتجه إلى عمل بسيط وشعبي. أحتاج إلى وقت لأتمكن من تقديم عمل جديد يضاهي «غزل».

ماذا عن خوض مجال الموسيقى التصويرية في الأفلام والمسلسلات؟

أحلم بتقديم موسيقى تصويرية للأفلام، لكننا نحتاج أولا إلى  صناعة سينمائية ضخمة وإلى مخرجين مثقفين يدركون أهمية الموسيقى فيرصدون لها موازنة لازمة. أما راهنًا، فيعتبر  بعض المخرجين أن الموسيقى لملء الفراغات فيضعونها أحيانًا في مكان غير مناسب، علمًا أن ثمة مشاهد تحتاج إلى اضفاء تأثيرات صوتية لازمة لترجمة الصورة.

ماذا تحضر من أعمال جديدة؟

إضافة إلى إنشغالي الكامل ببرنامج  The Voice نحضّر ألبوم الفنانة يارا، فضلا عن ألبوم خاص بعيد الميلاد المجيد وهو يتضمن تنويعًا موسيقيًا بين الشرقي والغربي.

 

back to top