معجزة التحول الكوري!

نشر في 26-06-2012
آخر تحديث 26-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 تركي الدخيل لا يمكن أن تتأمل التجربة الكورية الجنوبية دون أن تدهشك وتسلب لبك.

فالبلاد التي خرجت من حرب طاحنة مع جارتها الشمالية استمرت ثلاثة أعوام (١٩٥٠-١٩٥٣)، وجدت نفسها أمام تحد حقيقي، فكان شعار الكوريين: نكون أو لا نكون. كان الجيل الذي قاد التغيير يردد كثيراً: إما أن نصنع الفرق، أو أن نموت!

من رحم الأزمة يولد الإبداع، والمرتخي لا يصنع تميزاً، والتحديات تصوغ النجاح.

أفرزت الحرب الكورية واقعاً صعباً، فالخسائر البشرية تقارب ثلاثة ملايين نسمة، والخسائر المادية تجاوزت ٥.٥ مليارات دولار.

أمسكت كرستي هيون لي، السيدة الكورية التي بلغت الأربعين، بصورة لسيئول في الخمسينيات، كان الدمار سيد المشهد، والبيوت القليلة تحولت إلى كومة ركام. بيوت الصفيح تتناثر بعشوائية، ورائحة الفقر تعبق بالمكان وتفوح من الصورة، والعوز يكاد يطل برأسه، وقالت: "كان والدي يعيش في هذا الوضع".

سكتت برهة ثم قدمت لي صورة طفل في السادسة من عمره، يجلس القرفصاء وقد ارتدى بالكاد ما يستره من ثوب ممزق. كان حافي القدمين، يشع البؤس من عينيه، وقد امتلأت ساقاه بالجروح، وبدا وجهه متسخاً. قالت كرستي: "كان هذا جيل والدي. ومن الممكن أن يكون والدي في مثل هذا المشهد، فقد حدثتني جدتي أن والدي كان يحتاج بنسين رسوماً للدراسة، ولم نكن نستطيع أن نوفرها له، فكان يذهب للمدرسة حافياً، دون أن ندفع المصاريف!".

استلت كرستي من كومة الأوراق صورة ليلية لسيئول، عاصمة كوريا الجنوبية، كانت لمشهد يضج بالصخب. ناطحات السحاب أضيئت بأنوار تعكس تطور المدينة، ثم قالت: "هذه سيئول في جيلي أنا!".

إنها مشاهد لا يمكن إلا أن توقظ فيك تساؤلاً: كيف استطاعوا أن يفعلوا ذلك؟!

قالت لي: "كوريا الجنوبية هي الدولة الوحيدة في العالم التي انتقلت من الفقر المدقع إلى الغنى في جيل واحد".

هل تريدون أن تتأكدوا من ذلك؟ الأرقام لا تكذب أيها السيدات والسادة.

كان متوسط دخل الفرد سنوياً في كوريا في عام ١٩٦٢ لا يتجاوز ٨٧ دولاراً في العام، وبلغ متوسط دخل الكوري الجنوبي في عام ٢٠١١ ما يعادل ٢٢٥٠٠ دولار!

وكانت الصادرات في ١٩٦٢ تعادل قيمتها ٤٥.٧ مليون دولار، وفي عام ٢٠١١ بلغت الصادرات ٥٥٥.٢٠٠ مليوناً.

أما الاستيراد الكوري الجنوبي في عام ١٩٦٢ فبلغ ٤٢١.٨ مليون دولار، وفي عام ٢٠١١ بلغت الواردات ٤٢٤.٤٠٠ مليوناً.

وكانت الصادرات الكورية في الستينيات:

1- Iron Ore (الحديد الخام)

2- Squid (الحبار: حيوان رخوي بحري)

3- Raw Fis (السمك الخام)

أما في ٢٠١١ فكانت أهم صادرات كوريا الجنوبية:

1- Shipbulilding (الناقلات البحرية الضخمة)، تمتلك كوريا أضخم ٦ ناقلات في العالم!

2- Petroeum Products (المنتجات النفطية)

3- Semiconductors (الشرائح الإلكترونية)

وارتفع متوسط أعمار الكوريين مع فارق المعيشة والتعليم والخدمات الصحية من متوسط ٥٢.٦ عاماً للرجال و٥٣.٧ للنساء في عام ١٩٦٢ إلى ٧٧ عاماً للرجال و84 عاماً للنساء، بينما كانت نسبة الملتحقين بالكليات من خريجي الثانويات العامة في ١٩٦٢ لا تتجاوز ٨.٤ في المئة، وقفزت في عام ٢٠١١ لتبلغ ٨٢ في المئة.

لقد تضاعف دخل الفرد في كوريا بين ١٩٧٠ و٢٠١٠ أكثر من ٥٠٠ ضعف، وتضاعفت عوائد الصادرات الكورية في الفترة ذاتها ٣٠٠ ضعف. إن الواقع الكوري الجنوبي اليوم يقول لنا إن البلاد هي الأولى عالمياً في صناعة الناقلات، والأولى عالمياً في صناعة رقائق الذاكرة الإلكترونية MEMORY CHIP، والأولى عالمياً في صناعة بطاريات الليثيوم، والرابعة عالمياً في صناعة السيارات، والسادسة عالمياً في صناعة الفولاذ.

جلست إلى خمسة من صانعي التحول الكوري، فسألتهم أن يلخصوا لي السر في تحولهم المدهش من واحدة من أفقر دول العالم إلى واحدة من أغنى دول العالم خلال جيل واحد، فأجابوني مجتمعين: "ثمة ثلاثة أسرار يمكن تلخيصها في ما يلي: التعليم... التعليم... ثم التعليم"!

back to top