الحدود التركية... الممر الساخن في الصراع السوري

نشر في 03-07-2012 | 00:01
آخر تحديث 03-07-2012 | 00:01
No Image Caption
 نيل ماكفاركوار يبدو أن الميليشيات التي كانت منقسمة وفوضوية في صفوف المعارضة السورية بدأت تتحول إلى قوة مقاتلة أكثر فاعلية بمساعدة شبكة متطورة من الناشطين الموجودين في جنوب تركيا كونها تهرّب لها الإمدادات الأساسية عبر الحدود، بما في ذلك الأسلحة ومعدات الاتصال والمستشفيات الميدانية وحتى رواتب الجنود المنشقين.

تعكس تلك الشبكة جهوداً حثيثة تهدف إلى نشوء معارضة تجمع بين منظمات عسكرية وحكومية وإنسانية يمكنها معاً أن تهزم الجيش المتفوق الذي يقوده الرئيس بشار الأسد، وأن تستبدل نظامه أيضاً.

من المبكر طبعاً أن نتحدث عن وجود دويلة داخل الدولة، لكن تشير الجهود المعقدة المبذولة راهناً إلى تطور طبيعة الصراع وإلى أن النظام بدأ يفقد السيطرة على المناطق الشمالية والشمالية الغربية في البلاد.

نشأت هذه الشبكة تزامناً مع توتر العلاقات بين تركيا وسورية وصدور تقارير عن حصول انشقاقات متعددة عن الجيش السوري تشمل ضباطاً رفيعي المستوى، ويُقال إن عدداً كبيراً منهم يساعدون المعارضة الآن. يوم الثلاثاء، أصدرت تركيا مع حلفائها في حلف الأطلسي رداً صارماً بعد أن أقدمت سورية على إسقاط واحدة من طائراتها، ونقلت تركيا يوم الاثنين أن جنرالاً وعقيدين انشقوا عن النظام السوري يوم الأحد، ما جعل عدد المنشقين من أصحاب الرتب العليا يفوق الاثني عشر شخصاً.

لا تقتصر مهمة المعارضة في تركيا على توفير الإمدادات الضرورية، بل إن الهدف الأكبر هو تعزيز التلاحم والتعاون بين الميليشيات المتفرقة التي يتكون منها الجيش السوري الحر وأي حكم مدني محلي آخر يمكن أن ينشأ.

اليوم، ثمة عشرة مجالس عسكرية داخل سورية بحسب قول الناشطين، وهي تشمل كل بلدة أو منطقة ريفية مهمة شاركت في الثورة، باستثناء حمص حيث تحول الاختلافات الفئوية دون توحيد الصفوف حتى الآن. يصدر الناشطون الذين يعملون مع المجلس الوطني السوري (أبرز جماعة سورية في المنفى) مبالغ نقدية شهرياً تبدأ من 200 دولار لكل جندي، فضلاً عن مبالغ إضافية للضباط ورواتب لعائلات القتلى.

يقول الناشطون إن المال يساهم في حفظ الانضباط بين المجالس العسكرية التي تُعنى بهندسة اعتداءات أكثر دقة ضد جيش الأسد بدل القيام بأعمال تخريبية عشوائية. قال حسن قاسم (31 عاماً)، ناشط هرب من حلب في شهر فبراير عندما استدعي للخدمة العسكرية: "يجب أن تصبح العمليات العسكرية أكثر دقة على المستوى الاستراتيجي".

تحدث الجنرال روبرت مود، رئيس بعثة مراقبي الأمم المتحدة النرويجي في سورية، أمام مجلس الأمن في الأسبوع الماضي وأكد أن المقاومة تزداد فاعلية، بحسب معلومات دبلوماسي حضر الاجتماع.

اعتبر الجنرال أن هذا التطور ينجم عن زيادة خبرة الناشطين ولا يتعلق الأمر بتحسن إمدادات الأسلحة أو زيادة التنسيق بين العناصر، لكن خالفه الناشطون الرأي. وصف قاسم كيف قسّم القادة العسكريون حلب والمناطق الغربية نحو الحدود التركية إلى خمسة قطاعات تخضع لسلطة مجلس عسكري عام يحمل اسم "الكتائب الحرة الشمالية". أوضح قاسم: "تحولت هذه الجماعة من حركة عسكرية طوعية إلى هيئة فعلية لها بنية عسكرية أكثر تنظيماً. كانت الجماعة أمام خيارين: إما أن تتحول إلى جيش منظم وإما أن تصبح عصابة".

كذلك، تشمل جهود المعارضة الآن شحن الأسلحة التي تستطيع تحدي الدبابات، وقال أحد أعضاء المجلس الوطني السوري الذي تحدث شرط عدم الإفصاح عن هويته لأن تهريب الأسلحة مسألة سرية: "لم تصبح الخطة المطبقة استراتيجية حاسمة بعد ولكنها مجرد محاولة لتغيير الميزان العسكري".

لقد ترددت الحكومات الغربية في منح المعارضة كميات أكبر من الأسلحة المتطورة خوفاً من وقوعها في الأيدي الخاطئة. يبدو أن المسؤولين في المعارضة يدركون ذلك، فقد اعتبروا أن من يتلقون الأسلحة يجب أن يخضعوا لتقييم حذر. قال مسؤول مُنع من التحدث علناً: "يجب أن نقيم الناس. لا يمكن أن نقبل بمنح المعدات إلى أشخاص لا نعرفهم".

بحسب قول قاسم، يرسل كل قطاع في منطقة حلب ممثلاً عنه إلى غرفة العمليات التي يديرها المجلس العسكري. لكن يعترف الناشطون بوجود شرخ بين المجالس العسكرية والقادة المدنيين التقليديين المنتمين إلى عائلات مرموقة علماً أن هؤلاء تحركوا عندما تبخرت الحكومة السورية، وهم لا يتقبلون أن يتفوق عليهم أحد.

يبدو أن اختلاف الأجيال يزيد المشكلة تعقيداً. غالباً ما يكون القادة العسكريون من المنشقين الشباب. تقضي الخطة الأساسية بإقناع المجالس العسكرية بالتركيز على المسائل التكتيكية بينما تتولى البنية المدنية الحاكمة (المجالس الثورية) توزيع المساعدات وتضمن استمرار حركة الاحتجاج السلمية.

لإتمام تلك المهمة، لا بد من الاستعانة بأشخاص مثل رامي، ناشط سوري شاب يربط شعره إلى الوراء ولا يصرح إلا باسمه الأول. حتى أوائل السنة الماضية، كان رامي مديراً مالياً ناجحاً في شركة إعلامية في دمشق. أما الآن، فهو يعيش في شقة من غرفتين في تركيا. لحماية الانتفاضة، تشمل جهوده تعبئة حقائب صغيرة بكاميرات فيديو وهواتف فضائية وأجهزة إلكترونية تحوّل الصحون اللاقطة إلى أجهزة إرسال.

كانت شقة رامي تعج بفرشات مزخرفة بالأزهار وكان يستعملها المنشقون عن الجيش والناشطون. قال رامي: "عندما تكون قريباً من الصراع لهذه الدرجة، تشعر بأن روح الثورة لا تفارقك وأنك لا تزال جزءاً منها. في إسطنبول أو في أي مكان آخر، لا معنى لوجودك. فأنت شخص معني بأحداث تقع في مكان آخر".

تبدو بعض الجهود الإنسانية عشوائية. في أحد المنازل بالقرب من الحدود، يدير بعض الرجال الذين ينامون على سجادة رمادية صغيرة عليها وجه الرئيس الأسد ما يشبه الشركة التي توفر خدمات البريد وتتلقى مجموعة واسعة من الطلبات من داخل سورية: إمدادات طبية، وخبز طازج، وأسمدة كيماوية لتصنيع المتفجرات.

تزامناً مع مقتل أعداد هائلة من الثوار المجروحين الذين يُنقلون بوتيرة بطيئة إلى تركيا لتلقي العلاج، تبرز خطة طموحة تقضي بتطوير المنشآت الطبية وتحسينها. لكن "الإصابات تزداد سوءاً" بحسب رأي منذر يازجي (48 عاماً)، خبير سوري أميركي في الطب الداخلي من تكساس.

ساعد يازجي في تأسيس اتحاد منظمات الإغاثة الطبية السورية في شهر يناير الماضي لجمع الأموال من الأطباء السوريين حول العالم. انطلاقاً من شقة تقع في بلدة ريحانلي الحدودية المجاورة في تركيا، يدعم الاتحاد مجموعة من المشاريع، منها إقناع الأطباء الفرديين في الخارج بدعم الأطباء السوريين عبر تقديم الأدوية ورواتب معينة.

جلبت المنظمة 70 ناشطاً من سورية وعلمتهم كيفية نقل المرضى المصابين بجروح بالغة، كذلك، بدأت تنشر المستشفيات الميدانية على طول الحدود (شاحنة صغيرة تستطيع نقل معدات طبية قيمتها 20 ألف دولار تقريباً وتسع لنحو 20 صندوقاً). هكذا يستطيع الأطباء إجراء عمليات بسيطة. ثمة مشاريع دائمة أخرى مثل تحويل فيلا من طابقين في بلدة سورية حدودية تخضع لسيطرة الثوار إلى مستشفى يضم 30 سريراً.

اعترف الأطباء السوريون الذين يعيشون في هذا المكان بوجود بعض التوتر مع الحكومة التركية بسبب إطالة مدة تمرير إمدادات الإغاثة عبر الجمارك، فضلاً عن رفض الحكومة رفع الحظر على رخص الأطباء الأجانب. فتح بعض الأطباء السوريين منازلهم أمام المرضى المصابين بجروح بالغة. قال طلال عبدالله، المنسق الإنساني السابق في المنطقة باسم المجلس الوطني السوري، إنه نقل في إحدى المرات 12 مريضاً إلى شقته.

كذلك، حصل خلاف بين السوريين وعبدالله (وهو طبيب أسنان مسيحي من حماة) فتخلى هذا الأخير عن منصبه في المجلس لأن "الإخوان المسلمين"، بحسب قوله، يتجاهلون جميع من ليسوا أعضاءً في المجلس: "هم أقوياء لأنهم يملكون جميع الأموال والمساعدات الإنسانية ولكننا لا نعلم مصدرها".

يصر النظام السوري على أن الثورة القائمة هي عملية خارجية تهدف إلى تقسيم سورية. قال مسؤولون أميركيون وضباط في الاستخبارات العربية إن وحدة صغيرة من وكالة الاستخبارات المركزية كانت تنشط في ذلك المكان وتحقق بهوية الجهات التي تحصل على أفضل الأسلحة، ولكنها لم تدخل إلى المنطقة بحسب المصادر المطلعة.

اعترف ناشطان على الأقل بأنهما يعرفان بشأن الاتصالات التي جرت مع المستشارين الأميركيين حول الاستراتيجيات العسكرية، ولكنهما لم يصرحا بأي أمر آخر. صرح الجنرال مود أمام مجلس الأمن بأن مترجميه الفوريين تمكنوا من رصد بعض العناصر الأجانب بسبب لكنتهم، لكن يبقى عددهم ضئيلاً بحسب قول أحد الدبلوماسيين في المجلس.

شدد معظم الناشطين على أن السوريين يناضلون بكل بساطة في سبيل تحسين حياتهم.

قال منهل باريش (32 عاماً)، ابن منشق بارز عن حزب البعث من محافظة إدلب: "ستنقسم سورية على جثتنا، في كل مرة يموت فيها أحد، أشعر بأن الثمن الذي ندفعه باهظ جداً".

* نيويورك تايمز

back to top