كذبوا ولو...

كانوا يتحدثون بأنهم توقعوا اشتعال الحرب اللبنانية في وقت كان كل شيء انتهى، و أكلت الحرب الأخضر واليابس، حتى بعض المنجمين الأدبيين شارك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في إشعال فتيل الحرب، إما بالانحياز إلى المحاربين أو إلى قادتهم... اللغة أيضاً كانت تحارب على المتاريس اللبنانية.وما حصل بخصوص التنبؤ باشتعال الحرب الأهلية اللبنانية يحصل في التنظير لما يسمى «الربيع العربي»، فمند بدء الحراك الثوري والشعبي مع إشعال محمد البوعزيزي (بائع الخضار التونسي) نفسه احتجاجاً على الوضع السائد وبدء مرحلة تهاوي رموز الطغيان العربي (من زين العابدين بن علي إلى القذافي)، بدأ بعض الروائيين من الدرجة الرابعة وبعض المفكرين المغمورين يقولون إنهم تنبأوا بـ{الربيع العربي» وكتبوا ذلك في نصوصهم أو رواياتهم، حتى أن بعضهم أعاد التنبؤ بالربيع إلى الزعيم الدرزي الراحل كمال جنبلاط الذي تحدث يوماً عن «السجن العربي الكبير»، أو إلى الشاعر الراحل محمود درويش الذي نعرف أنه كان صديق معظم الأنظمة بل صديق قادتها وتلقى الأوسمة منها، وإن كان شاعر القضية الفلسطينية... لا ضرورة الآن لنبش القبور في هذا الشأن، فالأيقونات الثقافية والسياسية غالباً ما تحجب عنا الحقائق وتمارس سطوتها على المتلقي والجمهور.لا أحد يرى الأيقونة إلا خالية من الشوائب ومن السيئات والسلبيات ولا تحمل في طياتها إلا الخير، هي من جنس الملائكة.ومع بدء الفرز في نتائج «الثورات العربية» ووصول هذا الفريق أو ذاك إلى السلطة أو الحكم في تونس وليبيا واليمن ومصر، ثم عودة الحراك إلى الميادين المصرية رفضاً لشبح «الأخونة»، أتانا من يقول «ألم أقل لكم سيحصل كذا وكذا»... أطل منجمون جدد برأسهم وظنوا أنفسهم هنري كيسنجر أو فوكوياما أو توماس فريدمان.الأرجح أن الحراك الحربي والثوري في سورية سيحمل الكثير من الدلالات في المستقبل، سنسمع عن هذا «المنجّم الشعري» أو ذاك المنجم الثقافي وذلك «الرؤيوي السياسي»، ستضجر المنابر من كثرة المنجمين الذي يدلفون علينا توقعاتهم وتحليلاتهم، وستضجر أدمغتنا من كثرة «أنبياء الثقافة»...