لماذا يريد بوتين أن يفوز أوباما؟

نشر في 04-10-2012
آخر تحديث 04-10-2012 | 00:01
لو وصل ماكين إلى البيت الأبيض، لظن القادة الروس أن بوتين كان سيستفيد من وجود زعيم مُعادٍ للروس، وكان يمكن أن يستغل الكرملين ذلك لتحقيق أغراض سياسية محلية، ما يمنحه عذراً جديداً لتعزيز معاداته للولايات المتحدة وزيادة إنفاقه على الدفاع وقمع المعارضة.
 موسكو تايمز تختلف الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2012 عن انتخابات عام 2008 على مستوى آراء النخبة الروسية الحاكمة.

عام 2008، عبّر الرئيس ديمتري ميدفيديف عن رغبته في التعاون مع زعيم أميركي "معاصر" بدل رئيس "لا يكفّ عن النظر إلى الماضي". كان يقصد بكلامه المرشح الديمقراطي للرئاسة باراك أوباما، لكن النخب الروسية النافذة عبرت عن دعمها للمرشح الجمهوري جون ماكين مع أن ماكين اعتبر أن الرئيس فلاديمير بوتين كان جاسوساً للاستخبارات السوفياتية وأنه شخص بلا روح، وقد دعا إلى طرد روسيا من مجموعة الثماني التي تقود الدول الصناعية.

صحيح أن ماكين لم يكف عن انتقاد الكرملين، لكن كان بعض الأعضاء في محيط بوتين يفضلون ماكين لأنهم وجدوا سهولة في توقع تصرفاته على عكس أوباما، فأصروا على أن روسيا تبلي حسناً على المستوى الاقتصادي بينما كانت الولايات المتحدة تفقد مكانتها في العالم. بالتالي، عند مواجهة التهديد الأميركي، قد تزيد قوة روسيا وقد ترسخ مكانتها كقوة مستقلة عظمى، لكن تركز النخبة الحاكمة في المقام الأول على استعادة السلطة والنفوذ الجيوسياسي. لو وصل ماكين إلى البيت الأبيض، لظن القادة أن بوتين كان سيستفيد من وجود زعيم مُعادٍ للروس وكان يمكن أن يستغل الكرملين ذلك لتحقيق أغراض سياسية محلية، ما يمنحه عذراً جديداً لتعزيز معاداته للولايات المتحدة وزيادة إنفاقه على الدفاع وقمع المعارضة. لكن يبدو أن دعم الكرملين لمناصري استعمال القوة في الولايات المتحدة بدأ يتغير. في شهر مارس، انتقد ميدفيديف تصريح المرشح الرئاسي الأميركي ميت رومني لأنه اعتبر روسيا "أول عدو جيوسياسي للأميركيين". فقال إن ذلك الرأي يعكس "وجهة نظر منحازة ومنتشرة في الولايات المتحدة" وهي تعود إلى أيام الحرب الباردة.

لكن لم يكن ميدفيديف ومناصروه المؤيدون للغرب الأشخاص الوحيدين الذين انتقدوا مواقف الجمهوريين. صحيح أن الرئيس فلاديمير بوتين شكر رومني أخيراً بسبب انفتاحه في ما يخص تعليقه السابق بالنسبة إلى تصنيف "العدو الأول" للبلاد، ولكنه اعتبر في الوقت نفسه أن الكرملين سيجد صعوبة في التعاون مع رومني إذا أصبح رئيساً، ولا سيما في القضايا الأمنية الحساسة مثل نظام الدفاع الصاروخي. خلال مقابلة على التلفزيون الرسمي "أر تي" (RT)، قال بوتين إن أوباما "رجل صادق يريد تغيير الوضع نحو الأفضل". اعتُبر هذا التعليق اعترافاً مباشراً بدعم بوتين لأوباما في السباق الرئاسي.

يمكن تفسير تغيّر موقف روسيا من خلال تداعيات الأزمة المالية العالمية والتقدم الذي أحرزته روسيا والولايات المتحدة منذ عام 2009. أنهت تلك الأزمة الحقبة التي شهدت خلالها روسيا نمواً سنوياً بنسبة 7% بين عامي 1999 و2008. تعرضت روسيا التي تتكل بشكل مفرط على صادرات الطاقة للطمة موجعة بسبب أزمة عام 2008. تراجع ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 8.5% تقريباً في عام 2009 بينما تابعت الصين والهند نموهما ولو بوتيرة أبطأ.

احتاجت روسيا إلى وقت معين كي تعدل سياستها الخارجية بما يتناسب مع الظروف العالمية الجديدة. كان قرار أوباما بتحسين العلاقات مع روسيا وترسيخ روابط قوية مع ميدفيديف رغم الحرب الروسية على جورجيا في أغسطس 2008 عاملاً أساسياً. ثبتت أهمية المساعي الدبلوماسية لتفعيل سياسة إعادة ضبط العلاقات الثنائية بهدف تهدئة مخاوف الكرملين من توسع حلف الأطلسي وزعزعة استقرار المنطقة رداً على استراتيجية واشنطن التي تقضي بتغيير الأنظمة في بلدان عدة.

منذ عام 2009، تعاون البلدان من خلال التوقيع على معاهدة "ستارت" الجديدة والمصادقة عليها، وتشديد العقوبات على إيران، والتعاون لإرساء الاستقرار في أفغانستان. لم يكتفِ الكرملين بتوفير الطلعات الاستطلاعية والنقل البري فحسب، بل إنه وافق حديثاً على أن يستعمل حلف الأطلسي مطار أوليانوفسك كنقطة عبور للجنود والحمولات من أفغانستان وإيها. كذلك، جددت روسيا مصلحتها في تطوير علاقات اقتصادية مع الولايات المتحدة وأكملت المفاوضات بشأن عضويتها في منظمة التجارة العالمية.

لكن لا يعني التقدم في العلاقات الأميركية الروسية منذ عام 2009 أن الروس يشعرون برضا تام على علاقتهم مع الولايات المتحدة. لا تكف موسكو عن انتقاد الاقتراح الأميركي بتطوير نظام الدفاع الصاروخي المشترك مع الأوروبيين من دون مشاركة روسيا. في نهاية عام 2010، اضطرت موسكو إلى الدوس على كبريائها من خلال تأجيل اقتراح ميدفيديف بعقد معاهدة أمنية أوروبية بعد مواجهة ردة فعل باردة من الولايات المتحدة وحلف الأطلسي. فضلاً عن ذلك، لا يزال حلف الأطلسي يدعم عضوية جورجيا المرتقبة في الحلف، وهي نقطة شائكة في العلاقات الأميركية الروسية.

أخيراً، لا يزال دعم الكرملين لسورية في مجلس الأمن عاملاً مزعجاً بالنسبة إلى أوباما وأكثر إزعاجاً بالنسبة إلى رومني.

على الرغم من تعدد مصادر القلق التي يواجهها الكرملين، يتمنى هذا الأخير إعادة انتخاب أوباما كي يساعد على تطوير العلاقات الأميركية الروسية. كلما تعزز الحوار والالتزام خلال عهد رئاسي جديد بقيادة أوباما، ستبرز فرصة مهمة لإضعاف الرهاب القومي السائد في روسيا والولايات المتحدة معاً، فلا بد من اقتناص هذه الفرصة!

Andrei Tsygankov

back to top