تقرير اقتصادي:"اكتتاب" الدولة عن المواطنين... استمرار لنهج اقتصادي خاطئ

نشر في 25-04-2012 | 20:45
آخر تحديث 25-04-2012 | 20:45
No Image Caption
الغريب أن قرار الاكتتاب نيابة عن المواطنين جاء في وقت تتكرر فيه التصريحات الحكومية التي تشكو زيادة الإنفاق الاستهلاكي، بدلاً من الإنفاق الاستثماري، خصوصاً بعد صدور تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية الذي حذر الحكومة من الاستمرار في النهج الحالي في الصرف، لأن العواقب ستكون وخيمة مستقبلاً.
 

أقر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة مقترحا بتوزيع 40 في المئة من اسهم شركة الخطوط الجوية الكويتية مجانا، وبالتساوي على جميع الكويتيين، في خطوةٍ لا يمكن وصفها بأقل من أنها اسلوب جديد لنهج قديم خاطئ في توزيع الثروة النفطية على المواطنين وتعزيز لنمط الإنفاق الاستهلاكي الذي انتقدته الحكومة الحالية.

فالاستثمار او المساهمة في الشركات هو قرار شخصي يفضله البعض، ويرفضه آخرون، وليس من عمل الدولة ان تقوم بالاكتتاب نيابة عن المواطنين، وبالتالي فإن اقرار الحكومة نوعا كهذا من القرارات سيفتح الباب على مصراعيه في الاكتتابات المقبلة.

فما اقر هذا الأسبوع اجتهادا (اكتتاب الدولة نيابة عن المواطنين) سيكون واجبا على الحكومة بعد ذلك، خصوصا ان هناك العديد من الاقتراحات النيابية التي تطالبها بالاكتتاب في الشركات الجديدة المتوقع تأسيسها في المستقبل مثل شركات محطات الكهرباء او المدينة الطبية او شركات المنازل المنخفضة التكاليف، او شركات الانترنت، فضلاً عن بنك وربة الذي اسس عام 2009 وتم الاكتتاب فيه نيابة عن المواطنين، حيث كان الاقتراح حينئذ برلمانيا لا حكوميا.

الغريب ان قرار الاكتتاب نيابة عن المواطنين جاء في وقت تتكرر فيه التصريحات الحكومية التي تشكو زيادة الإنفاق الاستهلاكي بدلا من الانفاق الاستثماري، خصوصا بعد صدور تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية الذي حذر الحكومة من الاستمرار في النهج الحالي في الصرف، لأن العواقب ستكون وخيمة في المستقبل.

صحيح ان كلفة الاكتتاب في رأسمال "الخطوط الجوية الكويتية" غير معروف حتى الآن لعدم تحديد حجم رأسمال الشركة، وبكل الأحوال فإن كلفة الاكتتاب لن تتجاوز 80 مليون دينار، الا انه في المقابل يجب أن نعلم أن اجمالي تكلفة الاكتتابات لا رساميل الشركات المتوقع تأسيسها خلال 3 سنوات قادمة، قد يتجاوز مليار دينار، لا سيما اذا تم تعديل رأسمال مشروع المدينة الطبية المعتمد حاليا بـ 100 مليون دينار، الى مبلغ اعلى يواكب حجم مشروع ضخم من هذا النوع.

فلسفة التخصيص

ان فلسفة اي عملية تخصيص تقوم على عنصرين اساسيين، أولهما تخفيف الضغط المالي عن الدولة، وهو ما يتحقق في تحويل مؤسسة "الخطوط الجوية الكويتية" الى شركة، وبيع جزء من الحصة لمستثمر استراتيجي، والآخر حماية حقوق العاملين في هذه المؤسسة بعد تخصيصها، وهو ما يتحقق بتحديد حصة 5 في المئة من رأسمال الشركة لموظفي المؤسسة الحاليين، فضلا عن بعض الضمانات و"الباكيج" المالي لمن يترك العمل عند التخصيص.

وبالتالي فإن اكتتاب الحكومة نيابة عن المواطنين لا معنى له مطلقا، لأنه من جهةٍ لا يحقق اي اضافة إلى ميزانية الدولة، بل يستهلك منها، كما يعتبر تدخلا في القرار الاستثماري للمواطنين من جهة أخرى، إضافة إلى انه لا توجد دولة في العالم تكتتب بالنيابة عن المواطنين في الشركات وتوزع الأسهم بالمجان الا الكويت، الأمر الذي يجعلنا نشكك في مدى جدية الحكومة في تغيير نهجها الاقتصادي السابق الذي انتقدته بمجرد تشكيلها.

صحيح انه لم يمض على تشكيل الحكومة سوى 100 يوم، الا انها خالفت ما وعدت به من نهج اقتصادي جديد في اكثر من مناسبة، فهي التي اقرت مبدئيا موازنة تعد الأضخم في تاريخ الكويت بقيمتها التي تبلغ 22 مليار دينار، ومع ذلك لا تتجاوز نسبة الإنفاق الرأسمالي على المشاريع فيها نحو 14 في المئة فقط، وهي النسبة الأقل خليجياً، وهي ايضا التي وافقت على اعتماد كوادر مالية لموظفي الدولة تتجاوز قيمتها 600 مليون دينار في استمرار حكومي بمسلسل الإنفاق الاستهلاكي الذي تنامى بشكل لافت منذ عام 2006.

ثم تأتي الحكومة اليوم لتسن سنة غير حميدة تتمثل في الاكتتاب نيابة عن المواطنين في الشركات التي يجري تخصيصها، كأنها لم تنتقد النهج الحالي في الإنفاق، ولم تتبن تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية والعديد من الدراسات والتقارير التي حذرت من الاستمرار في النهج الاقتصادي الحالي.

فحسب تقرير اللجنة الاستشارية، فإن الحكومة مقبلة على مجموعة من الأرقام المرعبة، أهمها أن عدد الوظائف المطلوبة عام 2030 سيصل إلى 74 ألف طلب توظيف (حالياً 20 ألف طلب) في حين سيبلغ العجز التراكمي لميزانية الدولة في نفس العام 174 مليار دينار، ويكون سعر التعادل للميزانية 213.5 دولاراً للبرميل (حاليا 65 دولاراً والعام المقبل 84.5 دولاراً)، بل إن الكويت، حسب التقرير، ستدخل ضمن دائرة العجز المالي بحلول عام 2020، وبالتالي، فإن النهج الحالي في الانفاق لا يمكن أن يستمر.

خطأ الحكومة السابقة

وذكر التقرير أن "مزيداً من التأخير في تدارك الوضع الحالي سيؤدي إلى صعوبة أكبر وتكلفة أكثر تُدفع من رصيد الوطن وأبنائه"، بل إن التقرير قرن بين إصلاح العمل الحكومي وبين تمتع مجلس الوزراء بسعة الأفق وبعد النظر والمثابرة، بمعنى أن السياسات الحكومية السابقة في التعامل مع الملفين الاقتصادي والإداري في الدولة لا يمكن أن تكون منهجاً لحكومة تبتغي الإصلاح، فالتعامل مع مجلس الأمة مثلاً يجب أن يكون وفق برنامج عمل واضح وخطط مستقبلية، وهو الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة السابقة التي لم تكن تكترث بفقدانها للأغلبية النيابية في مشاريع القوانين المطروحة أمام المجلس؛ كالكوادر رغم تكلفتها المالية، لأنها كانت تمارس ضغوطها فقط على النواب في الاستجوابات المقدمة إليها، في تصوير واضح لطغيان مشروع الحكم على مشروع بناء الدولة.

والحقيقة أن تقرير اللجنة الاستشارية استعرض مجموعة كبيرة من المخاطر والاختلالات على مستوى الدولة، وهي نفس القضايا التي تطرحها التقارير الاقتصادية منذ نحو 20 عاماً، إلا أن الأرقام التي عرضها التقرير تعكس زيادة عمق هذه الاختلالات ومخاوف تحولها إلى أزمة تمس الدولة والمواطن.

لذلك فإن التعاطي الحكومي مع الشركات الجديدة والاكتتاب نيابة عن المواطنين هما استمرار للنهج السابق الخاطئ في توزيع الثروة على المواطنين وشراء الولاء السياسي بأموال الدولة، وهو امر يناقض اي حديث عن وجود نهج جديد للحكومة الحالية، لا سيما في المحور الاقتصادي.

 

*ألم تتبن الحكومة تقرير "الاستشارية الاقتصادية" الذي حذر من الاستمرار في النهج الاقتصادي الحالي؟

* إجمالي تكلفة الاكتتابات وليس رساميل الشركات المتوقع تأسيسها خلال 3 سنوات قادمة قد يتجاوز مليار دينار

back to top